ملخص
محللون يرون الحل أن كل الأوقاف تديرها وزارة المالية، شأنها شأن المالية العامة، مع الاحتفاظ بشرط الواقف
انفرط عقد الأوقاف في العراق وتوزعت حصصاً، شأنها شأن المحاصصة السياسية التي قسمت البلاد، لتكون نواة لتشظية الوعي المجتمعي، وهي الخطوة التي حذر منها كثير من الوطنيين الذين عانوا جراء إلغاء الوزارات، التي استمرت في حقبتي النظامين الملكي والجمهوري معاً، لكن كل شيء تغير بعد 2003، وحلت وزارات وألغيت إدارات من دون مسوغ مقبول مجتمعياً.
كان من بين أقدم المؤسسات العراقية التي ألغيت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية التي قسمت وفق عقلية المحاصصة التي سادت بعد 2003، وأشاعت ثقافة المكون والكيانات التي تجب الوعي الوطني الموحد، إذ أدخلت البلاد في عمق الفوضى وضربت الثقافة والهوية كما يؤكد كثير من المثقفين العراقيين.
التفريق الملزم
في البداية قال وزير الأوقاف والشؤون الدينية الأسبق عبداللطيف الهميم إنه "يجب أن نفرق بين الأوقاف والشؤون الدينية، أما بالنسبة إلى تقسيم الأوقاف إلى ثلاثة: سني ووقف شيعي ووقف للطوائف والأقليات، فلا ضرر فيه باعتبار أنه يجعل حجم المنافسة غير كبير على الأملاك وعلى الاستثمارات، ويحدد استثمارات كل مكون لو بقي الأمر عند هذا الحد".
وأضاف "لكن المشكلة أن هناك نزاعاً كبيراً جداً على عائدات الوقف الموروث من وزارة الأوقاف والشؤون الدينية أو رئاسة ديوان الأوقاف سابقاً، هذا النزاع تمثل بعد أن قسمت الأوقاف إلى وقف سني ووقف شيعي ووقف طوائف، وهو نزاع حقيقي وصراع أيضاً على من يمتلك الوثيقة، صراع أحدثه قانون 19 الصادر بعد 2003، وهو واحد من القوانين الخطرة، لأنه حدد عائدات الوقف بحسب نهاية نسب الموقوف له، وهذه مشكلة جعلت السنة يشعرون بأنهم تجردوا من كل آل البيت، بالتالي معظم الوقف موجود بمحافظات ذات أغلبية سنية، كالأنبار وصلاح الدين ونينوى وديالي وكركوك أو على مستوى العراق عموماً".
وأشار إلى أنه كما هو معروف فإن معظم الأولياء والصالحين ينتسبون بنسب ينتهي إلى "آل البيت"، وهذه الحال خلقت مشكلة كبيرة، وهي قائمة إلى الآن على رغم أن المرحوم سعد كمبش رئيس الوقف السني الأسبق وقع اتفاقاً مع رئيس الوزراء السابق والوقف الشيعي برعاية وإشراف ومباركة رئيس الحكومة، لكن المشكلة لا تزال قائمة، وتداعياتها على مستوى المحاكم والجماهير أيضاً، وفي كل مرة تخلق مشكلة جديدة حول عائدات أملاك الأوقاف، هل هي هذا الوقف أو ذاك عائد للشيعة أم السنة؟ وهي بالمحصلة تجربة غير ناجحة بالمطلق.
شرط الوقف
وعن رؤيته لسبل حل الأزمة قال الهميم إن "الحل أن كل الأوقاف تديرها وزارة المالية، شأنها شأن المالية العامة، مع الاحتفاظ بشرط الواقف، فعندما يقول أوقفت هذا الملك على أبي حنيفة أو الإمام علي الهادي أو على أي من الأشخاص تذهب عائداته وتوزع وفقاً لهذا الشرط".
من جانبه قال عميد كلية العلوم السياسية السابق والأستاذ في جامعة بغداد نديم الجابري "لم يشهد تاريخ الدولة العراقية الحديثة أي خلافات حادة حول إدارة الأوقاف الدينية للمدة 1921 - 2003، وذلك لأن إدارة الأوقاف استمرت على غرار ما كانت عليه إبان العهد العثماني، إذ لم تستحدث أية آليات جديدة على إدارتها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف الجابري "أما بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 فتغيرت الأمور إلى حد كبير بحكم التغير الذي طرأ على نظام الحكم السياسي من حيث البنية الاجتماعية والفلسفة السياسية التي قام بموجبها والمتمثلة بفلسفة المكونات".
وأشار إلى أن "هذا التحول طاول مؤسسات الدولة كلها بما فيها الأبعاد الإدارية الجديدة، ولعل في مقدمتها إدارة الأوقاف الدينية، حيث تم حلها وتقسيمها إلى ثلاثة دواوين: ديوان الوقف الشيعي، وديوان الوقف السني، وديوان أوقاف الديانات الأخرى، وقد تم ترسيخ هذا التقسيم المذهبي للأوقاف بموجب الدستور العراقي لعام 2005".
تقسيم على أساس مذهبي
ولفت الجابري إلى تفاقم المشكلة، إذ "أصبح هذا الإجراء أحد مغذياتها وليس حلاً لها، إذ بدأت عملية الرفض لمسألة تساوي الأوقاف ما بين الوقف السني والوقف الشيعي، وحدثت نزاعات كبيرة بهذا الصدد، ثم تطور النزاع ليطاول الوقف العقاري والزراعي والمساجد والأضرحة الدينية".
وأوضح "تفاقمت حدة النزاعات ما بين الوقفين بسبب دخول الأحزاب السياسية على خط الأزمة بحكم الموارد المالية التي تدرها تلك الأوقاف وما يترتب عليها من نشاطات دينية وسياسية على حد سواء".
بدوره يذهب الباحث منقذ داغر للقول إن "انفصال الأوقاف هو تكريس لحال المحاصصة التي فرضت على البلاد، وهي بالتأكيد حال غير صحية، وتقود حتماً لعواقب إدارية واقتصادية وسياسية حتى اجتماعية سيئة، لكنها تبدو الصيغة الوحيدة الممكنة في ظل نظام المحاصصة الطائفية، لكن العودة إلى وقف واحد في ظل هذا الانقسام الطائفي (السياسي) وليس الاجتماعي، وفقدان الثقة وضعف الدولة المركزية وقوة المؤسسات والفواعل الدينية ستخلق مشكلات كبيرة جداً وعواقب وخيمة".
ويرى المتخصصون في الأوقاف العراقية والمتبحرون في تداعيات ما يمكن أن تؤول إليه الأمور أن "مشكلة الأوقاف وتنوعها وتقسيمها إلى ثلاثة أنواع أهون الحلول قياساً لأبعاد ما يحدث في الشؤون الدينية وهي المهمة الثانية التي كانت تضطلع بها الوزارة المنحلة إبان التغيير في 2003".
وكشف الهميم عن أن "الوقف كان هو إدارة الأوقاف والشؤون الدينية، وأن إدارة الشأن الديني بالمطلق أخطر من إدارة الأوقاف، لسبب بسيط لأنها جزء مهم وأصيل في فلسفة الدولة وقيادة المجتمع، وتقسيمها إلى شؤون دينية سنية وشؤون دينية شيعية وشؤون مسيحية خطأ كبير وأحد أسباب تجزئة العراق وواحد من الأسباب الرئيسة في كثير من الاحتقانات بالبلاد".
وأوضح "لو كان إدارة الشأن الديني منوط بجهة واحدة، تفهم ما فلسفة المجتمع وما فلسفة الدولة في قيادة المجتمع أعتقد لم يحدث الذي حدث، وبالنسبة إلى الشؤون الدينية هناك ضرورة لعودة وزارة الأوقاف والشؤون الدينية وكذلك عزل الوقف لأنه إدارة أملاك واستثمارات، وعزل الوقف ليس مشكلة حتى وإن قسم لوقف شيعي وسني ومسيحي صابئي فهو ليس مشكلة، لكن أن يعزل الشأن الديني وهو جزء أصيل في إدارة الدولة".
وقف موحد لإقليم كردستان
تجاوز إقليم كردستان هذه الصراعات عبر اعتماده على وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية التي أبعدته عن جانب من الصراعات المذهبية حول الأوقاف.
عليه يمكن القول إن إدارة الأوقاف وفلسفتها المعتمدة ما بعد 2003 لم تكن موفقة، بل يمكن القول إنها غذت الفتنة الطائفية التي تطل برأسها بين الحين والآخر وتهدد الأمن المجتمعي، وآخر تلك الصراعات تلك التي أثيرت حول جامع سامراء الكبير، هذا ما يراه الجابري.
ومن هنا تبرز ضرورة العودة إلى سياقات الدولة التاريخية التي أخذت بأسلوب إدارة الأوقاف عن طريق وزارة الأوقاف والشؤون الدينية التي تمثل إدارة ناجعة في إدارة الأوقاف ووأد الفتنة الطائفية.