الإعلام الإيراني المحافظ والتخادم مع إسرائيل (2 -4)

إذا ما كانت الصحافة المحافظة قد تعاملت مع الفريق الدبلوماسي المفاوض من منطلق التشكيك في الأهداف التي يعمل لها في المفاوضات النووية، على رغم معرفتها بالدعم والمواقف التي يحصل عليها من المرشد الأعلى ودوائر القرار الاستراتيجية التي تعمل تحت إمرة ونظر وضمن توجهات قائد النظام، إلا أنها لم تتردد في التخوين والاتهام، لأسباب متعددة، يأتي في مقدمها الدفاع عن مصالح الجهة التي تمثلها هذه الصحافة في سياق الصراع على السلطة من خلال التصويب على الجهود السياسية والدبلوماسية التي بذلتها حكومة لا تمثل تيارها أو اتجاهها السياسي بقيادة الرئيس حسن روحاني.

والذي ينطبق على الموقف من المفاوضات النووية، ينطبق أو يتطابق مع الموقف من جهود ومساعي الانفتاح التي قادتها حكومة روحاني باتجاه دول الجوار العربي، وتحديداً الدول الخليجية، انطلاقاً من مسلمة لدى الدبلوماسية الإيرانية بقيادة محمد جواد ظريف، كانت تقول وتعتقد أن الوصول إلى اتفاق نووي مع السداسية الدولية، بخاصة الولايات المتحدة الأميركية، قد لا يكون كافياً ولا يمكن ضمان استمراره، ما لم يقترن بالنجاح في تحصينه إقليمياً من خلال تفكيك الأزمات والتوترات وانعدام الثقة بين طهران وهذه العواصم بقيادة الرياض.

سعت حكومة روحاني، بعد التوقيع على الاتفاق النووي، بدعم واضح من رئيس البرلمان حينها علي لاريجاني الذي عمل على تفكيك كثير من العقد أمام توجهات الحكومة، لنقل العلاقة مع العراق من دائرة التعامل الأمني والعسكري المحض إلى مستوى التعاون والتعامل بين حكومتي البلدين، إلا أن هذه الجهود اصطدمت بجدار المؤسسة العسكرية التي كانت تتعامل مع الساحة العراقية بحصرية تامة ولا تسمح للدبلوماسية بتجاوزها أو القفز عليها، الأمر الذي أفشل أو حال دون ترجمة الخطوات والجهود التي قام بها وحاول تكريسها الوزير ظريف في العلاقة مع العراق، ولعل الكلام الذي كشفه ظريف في التسريب الصوتي الشهير وحديثه عن توظيف الدبلوماسية لصالح الميدان، وأن الميدان وشروطه أضرا بالمصالح الدبلوماسية، كان المقصود به، بالدرجة الأولى، الساحة العراقية وآلية التعامل مع حكومة هذا البلد ومؤسساته الرسمية، أكثر من غيره من ميادين وساحات النفوذ الإيراني في الإقليم، باعتبار أن الساحة العراقية وتجديد النظرة الإيرانية لهذه الساحة يعد المدخل الضروري لاختبار النوايا بين إيران والإدارة الأميركية من جهة، وبين إيران والدول الخليجية المتوجسة من تداعيات الاتفاق النووي من جهة أخرى.

وقد تكون تظافرت عوامل عدة قادت العلاقة بين الرياض وطهران نحو مزيد من التوتر والتصعيد، وليس فقط تداعيات الاتفاق النووي، فقد كان للانقلاب الذي حدث في اليمن بقيادة الحوثيين عام 2014 عشية التوقيع على الاتفاق النووي، دور كبير في رفع مستوى القلق السعودي من النوايا الإيرانية في الإقليم، وقد توجت هذه الهواجس بالاعتداء على السفارة والقنصلية السعودية في طهران ومشهد، الأمر الذي عقد المشهد وأدخله في نفق القطيعة والتصعيد المفتوح.

وقد لعب الإعلام المحافظ دوراً بارزاً في تغذية المواقف العدائية ضد السعودية، مستغلاً في ذلك قضية إعدام الشيخ نمر النمر، وعملية "عاصفة الحزم" في اليمن، أولاً لمنع حكومة روحاني من القيام بأي خطوة باتجاه تبريد الأجواء مع الرياض أو التوصل إلى تفاهمات تعيد ترطيب العلاقة معها بما يسمح لهذه الحكومة من توظيف نتائج الاتفاق النووي في تعزيز علاقاتها الإقليمية وانطلاق مسار انفتاحي على هذه الدول.

وقد لعب هذا الإعلام دوراً واضحاً في التعبير عن بعض مراكز القرار داخل منظومة السلطة والتيار المحافظ بعدم الرغبة في إبداء أي ليونة أو إمكانية حوار مع الرياض أو العواصم الإقليمية الأخرى، انطلاقاً من شعور عارم بالقوة والقدرة على تحقيق مزيد من النقاط على طريق تكريس النفوذ والهيمنة الإيرانية، وعدم وجود حاجة إلى فتح قنوات حوار قد تفرض عليها تقديم تنازلات نسبية، فضلاً عن أن نجاح حكومة روحاني على خط إعادة ترميم العلاقات مع الدول الخليجية يعني الاعتراف بقدرة هذا الفريق على تكريس دوره وموقعه داخل معادلة الصراع الداخلي على السلطة، بالتالي، كانت وسائل الإعلام المحافظة السلاح الذي لعب دوراً محورياً في الحرب على هذه الحكومة.

وليس بعيداً من طهران، كانت تل أبيب ودوائر القرار في إسرائيل، متوجسة من تداعيات الاتفاق النووي، وفي ظل عجزها عن عرقلة عملية التوقيع، وعلى رغم كل الضمانات التي حصلت عليها من واشنطن وعواصم الدول المشاركة في المفاوضات حول موقعها على خريطة الشرق الأوسط، إلا أنها ركزت جهودها وأدواتها السياسية والأمنية والدبلوماسية على رفع مستوى التصعيد مع إيران، والعمل على تضخيم التهديد الإيراني على المنطقة، واعتبار الاتفاق النووي مصدر خطر وتهديد ليس لإسرائيل وأمنها وحسب، بل أيضاً بالنسبة إلى الدول الخليجية ومصالحها الاستراتيجية والقومية، لأنه أعطى النظام الإيراني حرية العمل في الإقليم والسيطرة على عديد من عواصمه على حساب مصالح الدول العربية وموقع الرياض القيادي.

وفي هذا السياق، كان هجوم المحافظين الإيرانيين واليمين الإسرائيلي على الاتفاق النووي، واستخدام كل طرف لهذا الهجوم من أجل تعزيز مواقعه وأهدافه ومصالحه الداخلية والإقليمية، على حساب علاقات إيران مع الدول العربية ومساعي ترميم العلاقة مع الرياض باعتبارها المفتاح الذي يساعد على التهدئة مع الإقليم العربي والعالم الإسلامي، بالتالي، يمكن القول إن التخادم بين "بيت أغيون" في حي رحافيا بالقدس (مقر رئاسة الوزراء الإسرائيلية) و"زقاق شاهجراغي" المتفرع من "شارع فردوسي" بطهران، مقر جريدة "كيهان"، كان بأعلى مستوياته في عدائه للاتفاق النووي، ويمكن القول أيضاً إنه استطاع تحقيق النتيجة التي يريدها في تعطيل هذا الاتفاق وإفشاله مستفيداً من كل العوامل التي أحاطت به، الأمر الذي يطرح سؤالاً، هل كان الإعلام الإيراني المحافظ غبياً ليقدم خدمة مجانية لجهة من المفترض أنها خصم أيديولوجي وعقائدي؟ أم أن المصالح وتحقيق انتصار في الصراعات الداخلية دفعته لتقديم هذه الخدمة، طبعاً مع الابتعاد عن أي تفسيرات أخرى؟!