ملخص
الآن يحاول كثير من الطلبة والطالبات الصوماليين في السودان الانتقال إلى مناطق آمنة والعبور إلى بلادهم بسلام، فما حكايتهم؟
آلاف الطلبة الصوماليين على مدى عقود اعتبروا السودان وجهتهم المثلى للتعليم الجامعي والعالي، لكنهم اليوم يعانون مع دخول الصراع المسلح في السودان أسبوعه الثالث، هذا الصراع الذي لم تشهد له البلاد مثيلاً منذ فترة طويلة، والذي أسقط أكثر من 459 قتيلاً، مع تدهور الخدمات وانقطاع التواصل، مما يزيد الشعور بالقلق على مصير أولئك الطلبة لدى أسرهم وأقربائهم. والآن يحاول كثير من الطلبة والطالبات لانتقال إلى المناطق الحدودية، والعبور إلى موطنهم بسلام.
ضعف التجاوب
يرى كثير من الطلبة والمتابعين لشؤون الجالية الصومالية في السودان، أن السفارة الصومالية في الخرطوم فشلت في مواجهة التحديات المستجدة، على رغم امتداد فترة معاناة مواطنيها، ومن بينهم الطالب عبدالعزيز أحمد من جامعة "أفريقيا العالمية" العالق في العاصمة الخرطوم، يقول عبدالعزيز "معظم البعثات الدبلوماسية لديها قوائم بأسماء مواطنيها المقيمين في السودان، وكانت لديها القدرة على التواصل معهم ومتابعتهم وتقديم المعلومات والخدمات لهم، وكثير من البعثات الدبلوماسية الأخرى نشطت في توفير التأمين والترحيل لمواطنيها العالقين في المناطق الخطرة إلى مناطق أكثر أمناً، ومنها من نجح في نقلهم وإجلائهم إلى وطنهم الأم عبر إحدى دول الجوار، لكن كل ذلك لم يتوفر لنا حتى الآن، إننا متروكون لنواجه مصيرنا ونتدبر أمورنا بأنفسنا على رغم تدهور الخدمات إن لم نقل انعدامها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل، يوضح محمود يوسف حسين، النقابي الطلابي الذي نجح في الانتقال مع 300 طالب وطالبة إلى نقطة "المتمة" على الحدود السودانية - الإثيوبية، أسباب ضعف تحركات السفارة الصومالية في الخرطوم بقوله "نعم نواجه تقصيراً كبيراً من قبل الحكومة الصومالية بالمجمل، لكن ذلك ليس مقتصراً على البعثة الدبلوماسية الصومالية، إذ كنا ولا نزال على تواصل مباشر معهم، ومتطلبات الوضع الحالي تفوق إلى درجة كبيرة قدرات وإمكانات البعثة من حيث عدد المواطنين الذين هم في حاجة للمساعدة، والامتداد الشاسع لأماكن وجودهم، وتنوع احتياجاتهم التي على رأسها الحاجة إلى العون المادي، وتوفير وسائل النقل وأماكن السكن، وهذه أمور بطبيعة الحال لم تكن ضمن الأنشطة المعتادة للسفارة، وليس في أيدي مسؤوليها الموارد اللازمة لها في هذه اللحظة، وهذا يضعنا أمام مشكلات كبيرة، منها العجز عن توفير السكن والغذاء والمياه، إننا أمام مخاطر صحية حقيقية بخاصة بالنسبة إلى الطالبات".
معاناة وتحديات
انقطاع الخدمات أو تدهورها زاد من صعوبة أوضاع الطلبة الصوماليين في السودان، يقول الطالب سعيد "اضطررنا للانتقال إلى إحدى القرى على بعد 50 كيلو متراً من "مدني" في ضيافة أصدقاء من أشقائنا السودانيين، حيث لم تتأثر خدمات المياه والكهرباء هناك، لكننا تعرضنا لصعوبات في الحصول على الإنترنت، إذ كنا نرسل الرسائل عبر تطبقات التواصل الاجتماعي كـ"الواتساب" من دون أمل حقيقي بوصولها، لكننا كنا أفضل حالاً من عدد من الزملاء الذين كانوا في مناطق أخرى عانت انقطاعات في الإنترنت لأيام متتالية منعهتم من طمأنة أهاليهم، أو تلقي المعلومات حول طرق إيجاد حل للمصاعب التي يواجهونها".
وتضيف عائشة محمد الطالبة العالقة في القضارف "تلقينا كثيراً من المساعدة من أبناء الشعب السوداني الكريم، وهذا جزء من طبيعتهم التي عهدناهم عليها، لكن الوضع استثنائي وضاغط على الجميع، خصوصاً أننا نواجه مشكلة حقيقية في الوصول إلى التحويلات المالية، فالبنوك مغلقة وكذلك مكاتب الحوالات، ونعاني منذ انتقالنا إلى القضارف من تضاعف أسعار أماكن السكن، فأنا أقيم الآن في غرفة ليس فيها ماء أو كهرباء أو مكان لإعداد الطعام مقابل 30 دولاراً أميركياً لليوم الواحد، وهذه كلفة كبيرة جداً وغير مبررة، وليس هنالك من يساعدنا من الجهات الرسمية في بلدنا".
حلول ذاتية
يشير الصحافي محمود حسين الذي يتابع شأن الطلبة الصوماليين في السودان عن كثب، إلى لجوء هؤلاء الأفراد إلى تدبر أمورهم بأنفسهم، فـ"حتى الآن تم إجلاء 18 مواطناً صومالياً من قبل الحكومة الكينية بعد تدخل وزير الدفاع الكيني آدم دعاله بري المنتمي للقومية الصومالية، لتشملهم الجهود بانتشالهم مع من كانوا برفقتهم من المواطنين الكينيين من القومية الصومالية عبر جنوب السودان، كما أن 27 مواطناً آخرين تمكنوا من عبور الحدود السودانية - الإثيوبية بعد تعرضهم للابتزاز من قبل عناصر أمنية في منطقة الجلابات واضطرارهم لدفع 50 دولاراً للفرد ليسمح لهم بالمرور إلى الجانب الإثيوبي من الحدود، فضلاً عن الارتفاع الهائل لأسعار المواصلات، إذ بلغت كلفة الانتقال من العاصمة الخرطوم إلى القضارف 200 دولار بعد أن كانت بـ60 دولاراً والارتفاع مستمر، كما شمل الغلاء أيضاً أجرة السكن".
في السياق نفسه يقول الطالب سعيد "لم أجد تجاوباً من السفارة الصومالية، إذ يبدو أن حجم العمل الذي تتطلبه المرحلة يفوق قدرات الفريق العامل فيها، لكنني شأن آخرين لم أيأس وحاولت البحث عن كل الوسائل التي تمكنني من العودة إلى أسرتي التي تقيم في السعودية، وهو ما يجعلني أنوه إلى دور القائمين على السفارة السعودية في الخرطوم في إيجاد حلول لمن هم في مثل حالتي من حملة الإقامة، وذلك باستقبالهم لإرشادنا وتسجيلنا وتسهيل وصولنا إلى السعودية أياً كانت جنسياتنا، وهو ما كان مبعث اطمئنان كبير، على رغم قلقي من عدم قدرتي على الانتقال إلى مدينة بورسودان".
تكرار لمأساة أخرى
حول ما هو متوقع من الحكومة الفيدرالية الصومالية، يصرح الصحافي حسين بضعف الأمل في قدرتها على القيام بما هو لازم في الوقت المناسب، مضيفاً "على رغم إعلان الحكومة على لسان وزارة الخارجية أنها ستقوم بإجلاء الطلبة الصوماليين إلى إثيوبيا، وتصريح عبد الرحمن نور ديناري، أمين عام وزارة الخارجية الصومالية، بإجلائه 50 طالباً إلى خارج العاصمة الخرطوم باتجاه الحدود الإثيوبية معظمهم من الإناث، وما أعلنه أخيراً من تحرك دبلوماسيين صوماليين على جانبي الحدود السودانية - الإثيوبية في مسعى لتسهيل عبور 100 مواطن ومواطنة وتقديم الدعم لهم، وكذلك إصدار السفارة الصومالية في الخرطوم لأكثر من 200 وثيقة سفر لمن لا يمتلكون جوازات سفر سارية، فإن كل الجهود التي تقوم بها الخارجية الصومالية لا تتناسب مع حجم الخطر والمعاناة التي يشهدها الطلبة العالقون في كل من القضارف وقرب نقطة "المتمة" الحدودية، وهو ما يذكرنا بما واجهته الأسر الصومالية التي علقت لأسابيع على الحدود السورية - التركية في بواكير الأحداث في سوريا قبل عقد من الزمان، والمعاناة الصحية التي مر بها كثيرون من أبنائها نظراً إلى الأحوال الجوية السيئة وانعدام المرافق وسوء التغذية".