Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تونسيون يواجهون تقاليد العرس البالية بالذهب المزيف

الضغوط الاقتصادية وارتفاع الأسعار بشكل كبير أسهما في عزوف الشباب عن شراء المعدن الأصفر

يلجأ بعض المقبلين على الزواج في تونس إلى الذهب "الفالصو" لتفادي ضغوط المجتمع (اندبندنت عربية)

ملخص

تنازلت بعض الفتيات المقبلات على الزواج في تونس عن شرط الذهب الذي يقدمه لها العريس وعوضته أخريات بحلي مزيفة لتفادي" القيل والقال"

اقترن الزواج في المخيلة الشعبية التونسية بالذهب فهو رمز السعادة والخير، وكلما زاد وزنه زادت معه قيمة العروس لدى العريس وأهله، حتى إن أهل العروس يشترطون في بعض المناطق بالبلاد "غربالاً" ممتلئاً بالذهب وهو إناء يستعمل في المطبخ لغربلة الحبوب ويعتقد التونسيون بأنه يطرد الحسد في الحفلات. كما يشترط في مناطق أخرى أكثر تمدناً إهداء طقمين من الذهب، واحد من الذهب الأصفر والآخر من الذهب الأبيض أي البلاتين. إلا أن هذه العادات أصبحت من الماضي ولا تهم الغالبية الساحقة من التونسيين وانحصرت بفئة محدودة قادرة على تحمل غلاء هذا المعدن الثمين. أما الباقين، فبحثوا عن حلول لتعويض الذهب الخالص بـ"الفالصو" أو المزور ليقدمه العريس إلى عروسه أمام المدعوين لتجنب "القيل والقال".
تستحضر مروى، وهي شابة تونسية متزوجة حديثاً، الجدل الذي حصل قبل مراسم زواجها، قائلة إنه "لم يكن من السهل إقناع عائلتي، خصوصاً أمي بأنني اتفقت مع خطيبي على شراء طقم من الفالصو عوض الذهب الخالص، الأمر الذي أقلق والدتي واعتبرته فضيحة ونذير شؤم، إذ كان همها الناس ونظرتهم"، وتضيف "بالنسبة إلى أمي وبقية العائلة فإن العروس التي تتنازل عن الذهب تنازلت عن كرامتها، لكن في الأخير قبل الجميع بالأمر الواقع لأنهم أدركوا جيداً وجود أولويات أخرى أهم من الذهب على غرار المسكن ومصاريف الزواج الأخرى".
أما ريم، فضحكت وقالت "أذكر جيداً قبل سبعة أعوام كيف اتفقت مع خطيبي على شراء طقم لا يمكن أن تشك بأنه مزيف، حتى إن خاتمي الزواج اشتريناهما من الفضة، ولا يعلم عن هذا الاتفاق إلا أختي الصغرى لأنني كنت متأكدة من رفض أمي. ولهذا تركت الأمر سراً ليتم الزواج على أحسن ما يرام من دون مشكلات أو تعطيل نحن في غنى عنها"، وواصلت "في النهاية هذا الأمر يهم فقط الزوجين، لكن الضغوط الاجتماعية وكلام الناس جعلانا نتصرف بهذه الطريقة".

تقاليد بالية

لكن ريم لم تتنازل عن حقها تماماً، ففي عيد زواجها الخامس استطاع زوجها تغيير خاتم الزواج الفضة بالذهب فكانت "هدية العمر"، بحسب تعبيرها وانتقدت ضغط المجتمع على شباب اليوم الذي لم يعد قادراً على مجاراة تقاليد وصفتها بـ"البالية" والتي "لم تعد ممكنة في وقتنا الحالي بسبب تغير الأذواق، فلم يعد الذهب يروق لبعض الشباب، ناهيك عن غلائه".
من جانبه صرح رئيس الغرفة النقابية الوطنية لتجار المصوغ حاتم بن يوسف بأن "تجارة الذهب أصبحت كاسدة في تونس والإقبال عليها يشهد تدهوراً شديداً بسبب غلاء المعدن النفيس في السوق العالمية وانهيار الدينار التونسي، الأمر الذي أثر في نسبة الإقبال"، مضيفاً "في السابق كان أقل طقم زواج يزن 40 غراماً، لكن اليوم لا يزيد وزنه على 18 غراماً فقط بسعر يفوق الـ70 دولاراً للغرام الواحد وهو سعر مرتفع جداً".
كما ربط بن يوسف ضعف الإقبال على شراء الذهب باندثار المناسبات الاجتماعية المتعلقة بإهداء الذهب كالأعياد الدينية والمناسبات الخاصة ومواسم الجني عند الفلاحين عندما كانوا يشترون ذهباً بأرباحهم، إضافة إلى اندثار بعض العادات التي يهدي فيها الزوج أو العريس ذهباً لزوجته".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ورأى أن "المرأة التونسية تنازلت كثيراً عن حقها بسبب تدهور القدرة الشرائية ولم تعد تطالب بأكثر الأشياء التي تبهرها وتعشقها وهي ارتداء الحلي النفيسة"، ولفت إلى أن "شراء الحلي المزيفة وتقديمها على أنها ذهب في الأعراس يندرجان ضمن تنازل العروس عن أبرز شروط الزواج".

وفي جولة بسيطة داخل سوق "البركة" وهي سوق الذهب بالمدينة العتيقة بالعاصمة التونسية، يمكن ملاحظة كساد هذه التجارة القديمة، فمعظم التجار يضعون كراسي أمام محالهم لاصطياد المارة، ليس من أجل بيع الذهب بل لشرائه ممن اضطر إلى بيعه.
وذكر مهدي وهو صاحب متجر لبيع الذهب، "لم نعد نستقبل إلا من يريد بيع ذهبه، فالناس هنا لم تعد قادرة على شراء الذهب بسبب الغلاء"، وتابع "نحن على أبواب موسم الزواج، لكن الوضع على غير العادة منذ أعوام عدة. لم يعد الذهب ركناً مهماً من أركان الزواج ويمكن استبداله بحلي مزيفة". واستدرك قائلاً "تبقى قيمة الذهب رفيعة فهو بمثابة المال الذي ندخره ونخرجه وقت الحاجة".
في سياق متصل توضح الباحثة في علم الاجتماع نعيمة الفقيه أن "الذهب سيد المعادن وأنبلها عند العرب عموماً وصاحب هذا المعدن العرب عبر تاريخهم الطويل واستخدموه في عملاتهم وزينتهم وانعكس ذلك على مجالات عدة في حياتهم الاجتماعية فهو يمثل الشمس".
وعلى بعد أمتار من سوق الذهب بالعاصمة التونسية، قال مراد، وهو صاحب محل مجوهرات مزيفة إن "معظم النساء اليوم يفضلن هذا النوع من الحلي لأنه يمتاز باختلاف ألوانه وأشكاله وهو أيضاً مناسب من ناحية الثمن وهذا ما جعل بعضهم يلجأ إليه في المناسبات، بخاصة عند الزواج"، مفسراً أن "كثيراً من الشباب المقبل على الزواج يطلبون حلياً مذهبة لكنها ليست ذهباً خالصاً ليقدمها العريس لعروسته عند الزواج".

رمز الخصوبة والثراء

ويعد المعدن النفيس رمزاً للنور والذكاء والمعرفة ويرتبط أيضاً بالجمال والمثالية ويجسد عند بعض القبائل الخصوبة والثراء والسيطرة.
وهنا ترى الفقيه أن "هذه العلاقة التاريخية بين الذهب والمجتمع العربي عموماً والتونسي خصوصاً، علاقة وطيدة جعلت مكانته ضرورية في معظم المناسبات، تحديداً مناسبة الزواج فيكون الذهب شرطاً ضرورياً لإتمام القران".
أما في خصوص تخلي بعض شباب اليوم عن هذا الشرط، فيعود لأسباب عدة بحسب الفقيه "أهمها غلاء الذهب والوضع المادي والاقتصادي الصعب الذي تشهده البلاد وأيضاً تغير الأولويات بالنسبة إلى العرسان الشباب، فلم يعد الذهب أولوية بالنسبة إليهم، فبعضهم مثلاً يرى أن قضاء شهر عسل في مكان ما في العالم أهم من شراء طقم ذهب ربما لا تلبسه الزوجة".
إلا أن اضطرار بعضهم إلى تعويض الذهب الخالص بالمزيف فيندرج ضمن الضغوط التي يمارسها المجتمع باعتبار أن إهداء الذهب للعروس شرط ضروري لا يمكن التخلي عنه، إذ يرمز اجتماعياً إلى قيمة المرأة لدى الرجل، فكلما قدر الزوج قيمة زوجته كلما زاد وزن الذهب.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي