ملخص
العراق ضيف شرف معرض تونس الدولي للكتاب وابن خلدون شخصية العام وحركات احتجاج وتضامن مع كمال الرياحي
تحت شعار "حلق... بأجنحة الكتاب" انطلقت، أول من أمس ، الدورة الـ37 لمعرض تونس الدولي للكتاب في قصر المعارض– الكرم، وتتواصل حتى السابع من مايو (أيار) 2023. وتحمل هذه الدورة اسم وزير الشؤون الثقافية الأسبق ومؤسس هذه التظاهرة سنة 1982 البشير بن سلامة الذي وافته المنية منذ أكثر من شهرين.
حضر افتتاح الدورة رئيس الجمهورية قيس سعيد ووزيرة الشؤون الثقافية التونسية حياة قطاط القرمازي ووزير الثقافة والسياحة والآثار العراقي أحمد فكاك البدراني ومديرة المعرض الأكاديمية زهية جويرو وعدد من السفراء والكتاب والشعراء والناشرين التونسيين والعرب والأجانب. تستضيف الدورة لهذه السنة دولة العراق "ضيف شرف رسمي"، ولاتفيا ضيف شرف برنامج الأطفال واليافعين ومؤسسة "كتارا" القطرية ضيف شرف المؤسسات الثقافية.
وتسجل هذه الدورة التي ترأسها للمرة الأولى منذ تأسيس التظاهرة، امرأة هي الأستاذة الجامعية ومديرة معهد تونس للترجمة، زهية جويرو، مشاركة 323 دار نشر من 22 بلداً أي بزيادة أكثر من 100 دار مقارنة بالدورة السابقة للمعرض. وقد برمج المنظمون أكثر من 100 نشاط موجه للكبار، تتراوح بين الندوات الفكرية والأدبية والقراءات الشعرية والقصصية وتواقيع الكتب وغيرها. أما البرنامج الموجه للأطفال واليافعين، فيتضمن أكثر من 300 نشاط.
وحافظت الهيئة على شعار المعرض المتمثل في لوحة "فيرجيل" وهي لوحة فسيفسائية نادرة ووحيدة في العالم، توجد في متحف باردو في العاصمة التونسية، كما اختارت لجنة التنظيم تمثال العلامة عبدالرحمن بن خلدون شخصية رئيسة للدورة الراهنة.
في يومه الأول شهد المعرض عديد الأنشطة على غرار العروض المخصصة للأطفال التي تشرف عليها فرق من 18 بلداً تقدم طيلة أيام المعرض برنامجاً ثرياً ومتنوعاً في جميع الاختصاصات الفنية على غرار الرسم والسينما ومسرح العرائس وفن الحكي والأدب.
يتناول البرنامج موضوع العلاقات العراقية التونسية، خصوصاً تلك التي تستدعي إلى الذاكرة المشتركة قصة أبي جعفر المنصور مؤسس بغداد وزوجته أروى القيروانية التونسية، في تاريخ هذه العلاقات، إضافة إلى تخصيص جلسات لقراءات قصصية وأمسيات شعرية عراقية وندوات فكرية وأكاديمية، ولقاء مع المفكر العراقي عبدالجبار الرفاعي صاحب المشروع الفكري حول الإصلاح وتجديد الفكر الديني بعامة، وعلم الكلام بخاصة. ومن المنتظر أن ينظم المعرض جلسات تعنى بالكتاب التونسي وبالمعرفة وبالمجالين الرقمي والتكنولوجي. وسيحتفي المعرض بمئوية ميلاد الشاعرة العراقية نازك الملائكة، رائدة الشعر الحر وقصيدة التفعيلة.
الثقافة السعودية ستكون حاضرة بقوة أيضاً من خلال جملة من الندوات واللقاءات المهمة والقيمة على غرار: استشراف مستقبل الإعلام الذي يمثل تحدياً كبيراً، نظراً إلى تطور التكنولوجيا وتغير الأذواق والتفضيلات مع مرور الوقت. وثمة جلسة ثانية تعنى بصناعة المحتوى الثقافي بما هي عملية إبداعية تتضمن تطويراً وإنتاجاً ونشراً للمحتوى المرتبط بالثقافة والفنون والتراث والتعليم والقيم الاجتماعية والأفكار المتعلقة بالعالم المعاصر والتاريخي. أما اللقاء الثالث فسيخصص لموضوع "الروائي في مواجهة قراءة المتلقي" عبر طرح سؤال "كيف قرأك الآخر، أو كيف وجدت قراءة المتلقي لك؟". وتختتم اللقاءات بندوتين الأولى حول "الرواية الصحراء... الصحراء الرواية" والثانية حول "الرواية العربية والحداثة: الهوية والأسلوب".
مصادرة وإغلاق يوم الافتتاح
بعد مغادرة رئيس الجمهورية معرض الكتاب مباشرة فوجئ صاحب دار الكتاب للنشر، وبلا سابق إنذار، بإقدام مسؤولين أمنيين على إغلاق جناحه. وقيل إن وزيرة الثقافة حياة قطاط القرمازي هي من اشتكت عليه لدى الشرطة طالبة مصادرة كتاب التونسي كمال الرياحي "فرنكنشتاين تونس". حادثة الإغلاق أثارت جدلاً واسعاً أشعل مواقع التواصل الاجتماعي وقسمت المثقفين إلى قسمين. جزء منهم دعم عملية المصادرة والإغلاق، وجزء آخر رفض القرار من باب الخوف على حرية الرأي والتعبير والعودة إلى مربع الديكتاتورية والرقابة التي خالها المثقف التونسي قد ولت منذ ما يناهز 15 عاماً، أي زمن الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.
"اندبندنت عربية" تحدث في حوار خاطف، مع صاحب الكتاب المصادر الكاتب كمال الرياحي المقيم حالياً بكندا (يقيم منذ سنتين في مونتريال). وسأله عن فحوى الكتاب وسبب المصادرة التي تنبأ بها مسبقاً في إحدى تدويناته فرد قائلاً، "منع كتابي وسحبه من المعرض والتحريض علي، فضيحة كبرى وعلى مستوى عالمي، فما حدث أمر غير مسبوق منذ أكثر من 15 عاماً تقريباً، وحتى قبل الثورة لم تصادر الكتب بهذه البشاعة وبمثل هذه القرارات الأمنية التي تورط فيها جامعيون تونسيون وكتاب يسهمون في مصادرة كتاب ومنعه". صاحب كتب "عشيقات النذل" و"المشرط" و"البيريتا يكسب دائماً" أوضح أن محتوى الكتاب وراء قرار المصادرة قائلاً، "كتابي عبارة عن مقالات رأي لمثقف ومبدع تونسي. وكان لا بد لهذا الكتاب أن يكون اختباراً للساحة الثقافية في تونس واختباراً للسلطة الحاكمة، وسلطة ما بعد 25 يوليو (تموز) 2021 بعد أن صادرت كل المؤسسات وطاردت الحريات العامة والخاصة" .
وأضاف مدير بيت الرواية التونسية الأسبق: "الآن تضرب حرية التعبير ضرباً بشعاً أمام العالم كله من خلال منع كتاب مبدع تونسي، وكتاب مقاربة ثقافية للشأن السياسي التونسي. أنا لست حزيناً إنما أكثر من ذلك. أنا أعيش فاجعة نهاية الحريات في تونس، ومن بينها حرية التعبير وكل مكتسبات الثورة التي كنت واحداً من رجالاتها من خلال أعمالي الروائية وغير الروائية، منذ أعمالي الأولى وآخرها ’البيريتا يكسب دائماً’ التي تتناول قضية الاغتيالات السياسية. وكل كتبي كانت دائماً سياسية، لكنني اخترت هذه المرة أن يكون الكتاب في اللاخيال، لأن من يحكمنا رجل وصف بأنه رجل بلا خيال".
وعن عنوان كتابه المصادر قال الرياحي: "الكتاب هو عبارة عن إسقاط شخصية فرنكشتاين المفاهيمية للروائية البريطانية ماري شيلي التي صنعها المهندس الطالب فيكتور في السر في بيته، ثم أخرج فرنكشتاين إلى العالم ودمره. وهي الصورة نفسها التي أراها لما حصل لنا في تونس بالسر".
والكتاب هو عبارة عن مقالات سياسية يتناول الرياحي في جزء منها ما قبل وصول سعيد إلى الحكم، حيث شبه فيه كل المرشحين للرئاسة بشخصيات روائية عالمية، وحتى الوصول إلى 25 يوليو، وما حدث من ثم كله مدونة في مقالات رأي في الكتاب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما الحبيب الزغبي صاحب دار "الكتاب" للنشر، الممنوع من المشاركة بموجب قرار إغلاق جناحه، فأكد أنه تم عرض الكتاب للبيع في المكتبات الخاصة في 24 أبريل (نيسان)، وأنه قبل طباعته اتفق مع صاحبه طبقاً لعقد بينهما. ولفت إلى أن الدار استوفت شروط الإيداع القانوني عبر إرسال نسخ إلى دار الكتب الوطنية التابعة لوزارة الثقافة التونسية.
الزغبي قال في تصريح لـ"اندبندنت عربية" إن "الدار أرسلت قائمة إضافية تضم خمسة عناوين كانت بصدد الطباعة، إلى وزارة الثقافة في 25 أبريل، لكن الوزارة رفضت بسبب انتهاء لجنة القراءة من مهامها قبل أيام، علماً أنه لم يتم رفض الكتب الأربعة المعلن عنها، بل تمت مصادرة كتاب كمال الرياحي فقط". وأكد أن الوزيرة لم تقم بأي إجراء قانوني ولم يتم إعلامه مسبقاً بقرار الإغلاق.
ونظم الناشرون التونسيون أمس السبت وقفة احتجاجية في المعرض، تضامناً مع دار الكتاب، وتنديداً بقرار الإغلاق، داعين الناشرين العرب والأجانب إلى دعمهم، للضغط على الوزارة ولإعادة فتح جناح الدار.
.الجوائز والتكريمات
في الوقت الذي تمت فيه مصادرة الكتاب وإغلاق جناح دار الكتاب للنشر، تعالت أصوات الموسيقى بقيادة المايسترو أمينة الصرارفي وفرقتها "العازفات" في رحاب المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون "بيت الحكمة" القابعة على حافة البحر، جهة قرطاج القريبة من القصر الرئاسي. حفلة رسمية جميلة وباقة من الأغاني العربية لا تعكسان التجهم المكشوف على وجوه المشرفين على المعرض من الوزارة، بعد اتخاذهم قرار منع كاتب من عرض كتابه وإغلاق دار النشر التي أصدرت الكتاب.
أما مستشار وزيرة الثقافة التونسية الأسعد سعيد فبدا عليه الارتباك والتعثر خلال قراءته كلمة الترحيب بالحضور إلى درجة أن العرق كان يتصبب من جبينه حتى غطى كامل وجهه رغم أن الجو لم يكن حاراً.
وبعد وصلة غنائية دامت ساعة ونيفاً أعلن الأكاديمي هشام الريقي رئيس الهيئة المديرة للدورة الحالية لمعرض تونس الدولي للكتاب عن الفائزين بجوائز الإبداع الأدبي والفكري.