إن الحقائب الاقتصادية في الحكومة البريطانية الجديدة هي الأكثر عرضة، على الأرجح، للتداعيات السلبية للخروج من الاتحاد الأوروبي من دون صفقة وهو أمر يبدو رئيس وزرائنا مصمما على تنفيذه. بالتالي فهي ليست بالمكافآت كما قد يتخيل البعض.
ومع ذلك، دعونا على الأقل نقدر للمهرج بوزو، المعروف بانتظاره غودو في مسرحية صامويل بيكيت، انجازه مسألة واحدة بعد تولي منصب رئيس الوزراء، وهي أنه عيّن وزير المالية المثالي لخلق الثروة السحرية التي قيل لنا إنها غير موجودة.
سيحتاج ساجد جاويد إلى مساعدة دمبلدور، الشخصية الساحر في سلسلة هاري بوتر، لتمويل الخطط الضريبية والإنفاق الرهيب الذي تعهد به بوريس جونسون تماشيا مع مقترحه لتدمير الاقتصاد.
إذا عجز عن ذلك فقد تلزمه خدعة أو اثنتين للاحتفاظ بمنصبه وزيرا للمالية. إلا أن أصحاب الخبرة في الخدمات المصرفية الاستثمارية التي تشبه ألعاب الميسر في عالم الراسمال، قد أثبتوا براعتهم في خلق الأوهام. ويُعد جاويد ممن تتلمذوا في مصرف دوتش بنك الذي أساء أخيراً إلى سمعته حين كافأ عدداً من مدرائه فيما كان يُنهي خدمات العديد من موظفيه. وفي ذلك عبرة.
قيل الكثير عن خلفية وزير المالية لأنها ملهمة حقًا وتسمح للسياسيين اليمنيين أن يقولوا، انظروا كيف أن بريطانيا تعد ناجحة حقًا كدولة للفرص، على الرغم من الهيمنة الساحقة لتلاميذ المدارس العامة من الذكور ذوي البشرة البيضاء على الحياة العامة (تأملو فقط جونسون جار جاويد الجديد في عشرة داوننغ ستريت).
يُعد جاويد، المولود في روتشديل لأب مهاجر من باكستان عمل كسائق حافلة، أول مسلم يتبوأ منصب وزير المالية، وهو ثاني منصب كبير يشغله في الدولة.
كما أنه يُعتبر أول مصرفي يحتل هذا المنصب منذ ربع قرن، وقد يكون هناك سبب لذلك. كان آخر مصرفي تسلّم حقيبة المالية هو نورمان لامونت، الذي لم ينجح في ابتكار حيل مُسلّية لفترة طويلة. فقد أخبرنا أنه كان يغني أثناء الاستحمام عندما خرجت المملكة المتحدة من آلية سعر الصرف الأوروبي على نحو ألحق بنا الأذى. وأساء ذلك إلى سمعته. فمن المرجح أن المشاكل الأوروبية التي ألمّت بلومونت، الذي لم يكن سجله مميزا، ستُلطخ سجل خلفه جاويد أيضاً. وربما كان بإمكان الوزير الجديد استعارة البطة المطاطية التي كان سلفه يستعملها وهو يستحم؟
إذا اختار جاويد أن يغني وهو يستحم، ويحذو حذو جونسون في التحدث بكثير من الهراء عن التفاؤل والثقة في بريطانيا بينما ينهارسقفها على رؤوسنا، فلن يكون حظه في النجاة من تبعات الانهيار أوفر من حظ آخر المصرفيين الذين دمروا الاقتصاد.
أنا أتحدث هنا عن الذين مثلوا بثقة أمام اللجان المختصة وزعموا بأنه لم يكن بمقدورهم توقع أزمة الائتمان، التي تطورت إلى الأزمة المالية، على الرغم من أن مؤسساتهم كانت تنشر السموم المالية حول العالم لسنوات.
ومع ذلك، إذا كان العمل كوزير للمالية منصبًا لا يحسد عليه في المناخ الحالي، فهو ليس الأسوأ بالتأكيد. فمثلاً، تواجه أندريا ليدسوم وزيرة الأعمال الجديدة تحد صعب يتمثل في ملء الفراغ الذي تركه سلفها كريغ كلارك، ولاسيّما انه كان يتمتع بشعبية وسط طبقة رجال الأعمال، وكان فعّالا في الدفاع، من دون صخب، عن مصالحهم في مجلس الوزراء.
سيكون مجتمع الأعمال لطيفًا معها في البداية لأن من الأفضل له أن يعمل مع اي حكومة قائمة بدلاً من أن يعارضها. لكن النوايا الحسنة لن تدوم طويلا مع ليدسوم، التي تضع نفسها في موقع المؤيد المتشدد للخروج من الاتحاد الأوروبي، إذا تبنّت أسلوب الغطرسة المفضل لديها وقررت الإملاء على قطاع الأعمال ما تراه جيدا لهم.
ومع ذلك، فإن منصب وزير الأعمال، الذي سيتحمل مسؤولية تفسير سبب قيام حزب رجال الأعمال بتشويه قطاع الأعمال، ليس هو الأسوأ في حكومة جونسون.
فالحقيبة الوزارية الاسوأ كانت من نصيب ليز تروس، المتطرفة المجنونة التي باتت مؤيدة لبريكست بعدما عارضته. كانت لديها آمال كبيرة في الفوز بمنصب وزير المالية الذي أخذه جاويد، وبدلاً من ذلك، سُلّمت وزارة التجارة الدولية، التي استُحدثت بادئ الأمر للوزير السابق ليام فوكس. وقد يكون هذا هو الأكثر سميّة بين المناصب السامة في الحكومة.
وفوكس، الرجل الذي ادعى أن التوصل إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي سيكون "أسهل شيء في تاريخ البشرية،" تحول تحولا مهماً خلال وجوده في في الحكومة الأخيرة. فرغم أنه حافظ دائماً على موقفه المؤيد لبريكست، فهو صار على نحو غير متوقع إلى داعٍ للتعقل في مسألة بريكست وذلك خلال انتخابات زعامة حزب المحافظين. هكذا فضح فوكس أوهام جونسون الفارغة بشأن قواعد منظمة التجارة العالمية، التي قال الأخيرإنها ستكون أساس العلاقة التجارية بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، وأحرجه أثناء الانتخابات الأمر الذي أدى إلى حرمانه من العودة إلى الحكومة.
لكن كيف حقّق فوكس هذا التحول المثير؟ لاشكّ أن السبب كان اصطدامه بالواقع. فحين كان لايزال وزيراً للتجارة الدولية، استمات فوكس للوفاء بوعود كان قد أطلقها عن عقد عدد كبير من الصفقات التجارية التي تستفيد منها بريطانيا حاليا من خلال عضويتها في الاتحاد الأوروبي. لكنه فشل.
تُعد التجارة الدولية من الأمور الحساسة والمعقدة للغاية، وتعاني بريطانيا من قلة الخبرة في هذا المجال لأنها لم تكن بحاجة للقلق بشأنها على مدى 40 عامًا، وخصوصاً أن الاتحاد الأوروبي تولى أمرها بنجاح كبير. أضف إلى ذلك الموقف التفاوضي الضعيف جدا للمملكة المتحدة حاليا، وستواجه الوزيرة تروس نفس المشكلات التي واجهها سلفها.
المشكلة بالنسبة لتروس هي أن لدى المهرج بوزو ورجاله انطباعاً بأن الأمر سيكون سهلاً، وأنه بقليل من الجرأة وشيء من "عصير" جونسون سيتيسر الأمر.
وهل ترغب بالتكهن بمن سيتحمل التبعات عندما يتبين أن العكس هو الصحيح؟ إحدى العلامات التي ستساعدك في العثور على الجواب هي أن بوزو لن يكون ذلك الشخص. من المؤكد أن الوزيرة تروس هي التي تمضي إلى حافة الهاوية، وكذلك هي البلاد. لكن مالذي كنت تتوقعه بعد تولي البشع غرانت شابس حقيبة وزارة النقل خلفاً لكريس غرايلين الذي كان كارثة تمشي على قدمين؟
© The Independent