ملخص
مع ترشيح جو بايدن نفسه لانتخابات 2024 الرئاسية، تتساءل ماري ديجيفسكي إن كانت ستتوافر لدى الرئيس الأميركي الهمة اللازمة والصحة الجيدة لإكمال المعركة
بعد عامين وخمسة أشهر تحديداً [من بدء ولايته] أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن أنه عازم على خوض الانتخابات الرئاسية للفوز بولاية ثانية ـ أو كما نقول نحن بالإنجليزية البريطانية بأنه "سيقف" stand، مرشحاً في تلك الانتخابات، وهو ما قد يكون أكثر دقة هنا. إذا كان ليكتب الفوز لبايدن، سيكون عمره يوم التنصيب 82 سنة، ويوم مغادرته السلطة سيبلغ عمره 86 سنة، حال نجاحه في شغل المنصب طوال الفترة المحددة بأربعة أعوام.
حالياً، أنا أعرف عدداً محدوداً جداً من الأشخاص من أبناء ذلك الجيل الذين ربما أشعر بالسعادة لمنحهم ثقة الإمساك بالسلطة والإقامة في المكتب البيضاوي، وتحمل مسؤولية الحقيبة النووية التي تأتي كجزء من ذلك المنصب. لكنني أشك بأنهم سيكونون سعداء بتحمل مثل تلك المسؤولية. لكن كل من يرى أن عمر الرئيس لن يكون أمراً يشغل بال الناخبين الأميركيين مع اشتداد الحملات في الأشهر الـ18 المقبلة قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2024، فهو حتماً لا يعايش الواقع.
بالطبع، سيكون ذلك الموضوع محل جدل، لكن جدلاً من أي نوع، ولأي مدى سيكون صعباً تخطيه؟ من العدل أن نقول إن الرد الشهير للرئيس رونالد ريغان الذي استخدمه لدى تعامله مع مسألة عمره خلال المناظرات عام 1984، ضد غريمه والتر مونديل استنفد فاعليته. وريغان كان نجح في تسديد ضربة استباقية ناجحة حين قال "أنا لن أقوم باستغلال، لأسباب سياسية، سن غريمي اليافعة وعدم خبرته"، لكن ربما ذلك الرد لن يكون بالفاعلية نفسها هذه المرة.
الرئيس ريغان كان في ذلك الوقت بلغ عمر 73 سنة، أي كان أصغر بفارق يبلغ عقداً من الزمن من الرئيس بايدن عندما يحين موعد المناظرات بين المرشحين الرئاسيين، لكن الأميركيين يعلمون الآن ما كانوا يجهلون وقوعه في تلك الفترة، أن أعوام ريغان الأخيرة في السلطة كانت طبعتها مؤشرات إلى إصابته بمرض ألزهايمر الذي أفسد حياة ريغان في آخر أيامه.
كذلك، إلى أي درجة يمكن للرئيس الأميركي أن يشكل تهديداً، عندما يكون هو أو في يوم من الأيام هي ــ بوضع صحي جسدي أو نفسي ضعيف؟ هناك من برأيهم أن نظام الحكم القائم هو على درجة من القوة تجعله قادراً على احتواء رئيس يصاب بالعجز، لأن كثيراً من السلطات موزعة ومحددة بشكل أكبر مما يبدو عليه الوضع من مركزية منصب شخص الرئيس، وأن كل شيء يمكنه أن يواصل العمل في الدولة بشكل مقبول (خصوصاً إذا كان الرئيس يتمتع بمواهب ممثل من نوع ريغان).
ثم انظروا للحظة، فهناك رأي آخر ربما يدعم تلك الفرضية ويقول كيف نجحت الدولة العميقة في واشنطن في احتواء رئيس متمرد مثل دونالد ترمب، وأبقته ضمن حدوده بشكل فاعل لأكبر فترة من عهده الرئاسي. وهذا ينطبق، خصوصاً على وعده خلال حملته الانتخابية ورغبته في العمل من أجل التقارب مع روسيا، وأيضاً في أمور كثيرة أخرى.
والقول إن بعض تلك الآليات المستخدمة كانت زائفة، مثل الادعاءات حول ما يسمى فضيحة "روسيا غيت" (وعن أن ترمب يتآمر بالتعاون مع موسكو) والاتهام المرتبط بروسيا بخصوص ما تضمنته المعلومات التي عثر عليها على الحاسوب الشخصي القديم لابن بايدن [هانتر]، من شأنها أن تدعم هذا الرأي. فهناك طرق للعمل على احتواء رئيس غير تقليدي، ولذلك فإن عمر الرئيس لا يجب أن يكون بالضرورة السلاح الذي من شأنه أن يحسم الجدال بالنسبة إلى منافس أصغر سناً.
فقوة تلك الإدعاءات تعتمد بجزء منها على مدى صغر سن أي مرشح منافس آخر، وإلى أي درجة ربما ينجح معسكر بايدن في استغلال عامل العمر والخبرة وفي التقليل من التهديدات.
في غياب أي أخطاء ربما ترتكب في آخر لحظة، من شبه المؤكد أنه يمكن لمعسكر بايدن أن يجادل بأن الرئيس لعب دور الشخصية السياسية القادرة على احتواء الأمور في مرحلة تشهد تقلبات، وأنه نجح في العمل بشكل جيد مع "الطرف الآخر" [أي الجمهوريين]، وتحت قيادته حقق الديمقراطيون نتائج كانت أفضل من المتوقع في الانتخابات النصفية، وذلك يظهر أنه لا يزال بإمكان بايدن الفوز في أي انتخابات، وأن مسؤولية الفوضى التي شهدتها عملية الانسحاب من أفغانستان تقع على عاتق الرئيس الجامح السابق الذي كان وافق على خطة الانسحاب في الأساس.
وهناك دليل آخر ــ وكثيرون يتحدثون عنه ــ وهو أن تصرفات بايدن الرسمية جداً التي تظهره متيبساً حتى، لا علاقة لها بعمره، فهو لطالما كان كذلك. وأيضاً، لم تكن مسألة إلقاء الخطب العامة من ميزات بايدن، في الأقل بالطريقة الملهمة التي اشتهر بها كل من جون أف كينيدي وباراك أوباما، وأن مصدر قوته لطالما كان مرتكزاً على التعاطف الذي يبديه، خصوصاً من خلال تعامله على المستوى الفردي، (وذلك مرده جزئياً إلى ما عاناه من مآس شخصية، ومن ضمنها موت زوجته الأولى ونجله الأكبر).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
على رغم ذلك لا يزال هناك سؤال وحيد. أنا أتذكر متابعتي لتصريح بايدن ومؤتمره الصحافي الذي عقده بعد قمة جنيف التي جمعته بالرئيس فلاديمير بوتين التي عقدت بعيداً من الأضواء في الأشهر الأولى على بداية عهده الرئاسي. وإذا قمنا بمقارنة حديثه المشوش وغير المترابط مع وضوح وسلاسة كلمة الرئيس الروسي خلال مؤتمريهما الصحافيين اللذين عقدا بالتوازي، ومن خلال ذلك إذا كان الرئيس الأميركي يرى نفسه، أو يود أن يراه الآخرون على أنه القائد للعالم الحر ــ وإذا اعتبرنا أنه لم يعد يلعب دور الشرطي العالمي ــ إذاً كان يفترض به أن يظهر إيماناً أكبر بذلك الدور. لأنه لن يتمكن أي عدد من المستشارين ووزراء الخارجية القيام بذلك عوضاً عنه.
وهناك أيضاً ما يمكن تسميتها مسألة "أف دي آر" FDR (أي فرانكلين روزفلت). إن عملية حماية رئيس مريض أو رئيس ضل طريقه، يمكنها أن تكون محدودة للغاية. فإن مدى الدور الذي كان يمكن لروزفلت أن يلعبه وربما بشكل مختلف إبان المراحل الأخيرة للحرب العالمية الثانية وما شهدته تلك المرحلة من عملية التفاوض حول اتفاق يالطا، لو لم يكن مريضاً إلى تلك الدرجة ما زال محل جدل.
إن مرض الرئيس روزفلت وموته بعد 82 يوماً من بداية ولايته الرئاسية الرابعة كان له على رغم كل شيء تداعيان محددان. الأول من خلال رفعه من مستوى أهمية وظيفة نائب الرئيس. فالرئيس فرانكلين روزفلت اختار هاري ترومان، بدلاً من نائبه في ذلك الوقت هنري والاس، معتمداً على من سيمكنه أن يؤدي مهمات الرئيس بشكل أفضل.
في ولايته الأولى (بالكاد) نجح بايدن في تحقيق "التوازن" على بطاقته الانتخابية، واختار كامالا هاريس وهي إمرأة من أصول عرقية غير بيضاء. وبما أنها لم تظهر نفسها على قدر من الكفاءة الكافية لتكون خامة رئاسية ذات مصداقية، فهل سيتم تغييرها خلال سباق بايدن للفوز بولاية ثانية؟ هل سيخسر أصواتاً في غياب شخصية "نائب للرئيس" مؤهلة بشكل أوضح لتحل مكانه [لو استدعت الحاجة ذلك]؟
إن التداعيات المباشرة الأخرى لولاية فرانكلين روزفلت الرئاسية كانت في التعديل الدستوري الـ22 الذي تمت المصادقة عليه عام 1947 والذي حدد عدد الفترات الرئاسية بعهدين فقط. يمكننا أن نجادل إذا ما كانت تلك مدة محدودة للغاية من أجل تحقيق وعود أي برنامج انتخابي ــ فقد كان من الممكن لكل من الرئيسين بيل كلينتون وباراك أوباما أن يفوزا بولاية رئاسية ثالثة، لو كان المجال متاحاً من خلال الدستور. ولكن لا يبدو حالياً أن هناك أي رغبة في تغيير ذلك الواقع.
لكن ما فشل ذلك التعديل الدستوري في توقعه هو أنه ماذا سيحدث إذا كانت ولاية الرئيس الأولى بدأت فقط عندما يكون ذلك الرئيس في أواخر السبعينيات من عمره. إن الدستور الأميركي يحدد ألا يقل عمر أي مرشح عن 21 سنة للمجلس النيابي، وعن 30 سنة لمجلس الشيوخ، وعن 35 سنة للرئاسة. إلا أنه لا ينص ا على أي حد أقصى لعمر المرشحين. فعضو مجلس الشيوخ الراحل ستروم ثورموند غادر منصبه بعد بلوغه 100 سنة. أما أكبر أعضاء مجلس الشيوخ عمراً الحاليين، فهي ديان فينستين، والبالغة من العمر 89 سنة. ونظراً إلى كيفية تطور ولاية الرئيس بايدن الثانية، في حال فوزه طبعاً، فهل سيكون هناك حراك أميركي من أجل وضع سقف لعمر الرئيس الذي ينتخب لقيادة البلاد؟
لكن وأولاً، على الرئيس بايدن أن يفوز بولاية ثانية، وفيما سيكون أكبر عامل يحتسب هو عمره، فإن مدى أهمية هذا العامل ستحدده هوية المرشح الجمهوري المنافس. فإذا كان ترمب هو ذلك المرشح، فإن فارق العمر والبالغ ثلاثة أعوام [بين الرجلين]، سيكون أقل أهمية لكثير من المقترعين، مقارنة بما يعتبرونه الفارق بمستوى الحكمة. هكذا فاز بايدن بالرئاسة عام 2020. لو كان هناك مرشح أكثر شباباً، وأقل شبهاً لترمب، فإن من شأن ذلك أن يفرض طرح مسألة العمر على أعلى سلم الأولويات وأن يسهم في الخروج بنتيجة مختلفة.
في شكل من الأشكال، من المفاجئ كيف أن صف القيادة في الولايات المتحدة الأميركية - البلد الذي لطالما افتخر بصورته الشبابية - بدأ يظهر شبهاً أكبر بقادة الكرملين من حقبة ثمانينيات القرن الماضي. وهنا من المفيد ملاحظة تأثير الحافز في السياسة الأميركية، ففي حال ترشح جون أف كينيدي للرئاسة، وثنائي كلينتون- غور للرئاسية عام 1992، عندما رفض كلينتون النصيحة باختيار نائب للرئيس يكون أكبر سناً، وشخصية تتمتع بخبرة أكبر قادرة على مساعدته في تحدي الرئيس السابق جورج أتش دبليو بوش. فلو امتنع كل من ترمب أو بايدن عن الترشح للسباق في العام المقبل، فإن من شأن المشهد السياسي أن يتغير ربما بشكل دراماتيكي من جديد.
في هذه الأثناء، إن إعلان الرئيس بايدن عن ترشحه للرئاسة لولاية ثانية، يجب وضعه ربما في إطاره الأضيق. فلو كان عزف عن ترشيح نفسه، كان من شأنه أن يصبح فوراً رئيساً هامشياً، وكان الحزب الديمقراطي ليبدأ بنشر غسيل اختلافات تياراته الحزبية بشكل علني مباشرة ــ بدلاً من الأسلوب الأكثر هدوءاً المتبع اليوم ــ عندما سيبدأ المتنافسون حربهم للفوز بالتاج. إن كشف بايدن عن نياته في وقت مبكر، أضاف ضغوطاً على الحزب الجمهوري لدفعه إلى بت اسم مرشحه، حتى لو كان ترمب لا يزال متورطاً مرة جديدة بمشكلات مع النظام العدلي الأميركي.
لكن الفترة الفاصلة حتى تاريخ الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 المقبلة ما زالت طويلة، والطريق يمر في واحدة من أصعب الحملات الانتخابية التي ربما تشهدها أي منطقة في العالم، حتى في ظل بقاء كثير من الأسئلة من دون إجابات. هل سيتمكن الرئيس بايدن من تفادي ارتكاب أي أخطاء من الآن وحتى حلول ذلك التاريخ؟ هل سيسقط بسبب سلوك نجله الجنائي؟ وحتى لو توافرت لديه الرغبة في الفوز بولاية ثانية، هل ستتوافر لدى بايدن الهمة اللازمة والقدرة على الصمود والصحة الجيدة التي تسمح له بمواصلة خوض المعركة؟ وحتى لو كان هو نفسه مؤمناً بذلك، فهل سيوافق عدد كاف من المقترعين على ذلك أيضاً؟
إذا بدأت استطلاعات الرأي بطرح قراءات مختلفة، ربما يجد جو بايدن أن حملته ستواجه نهاية مبكرة.
© The Independent