Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قانون الشراء العام في لبنان: إجراءات إصلاحية أم خطوة إلى الوراء؟

يلزم الشركات التي تتعاقد مع الدولة الكشف عن المستفيد الاقتصادي بغية محاربة الفساد وتضارب المصالح

يفرض قانون الشراء العام رقابة على التلزيمات العمومية (اندبندنت عربية)

يواجه قانون الشراء العام في لبنان مجموعة من العقبات تأتي في مقدمتها الثقافة السائدة في إبرام الصفقات، والتلزيمات المعتمدة على شبكة المصالح المتبادلة، وكذلك التجارب السابقة التي حولت كثيراً من القوانين الإصلاحية إلى "نصوص ميتة"، كما لا يمكن إغفال محاولات الإدارات العامة والمستقلة استيلاد "فتاوى قانونية" للتحايل على القواعد المقيدة لصلاحياتهم. 

تحرير الإدارة

جاء تأسيس هيئة الشراء العام لينهي الفوضى في العقود الإدارية والتلزيمات العمومية، إلا أن الواقع أبرز بعض العقبات في تطبيق القانون لناحية تقييد عمل البلديات التي تعد الإدارة المحلية ونواة اللامركزية الإدارية. لذلك، برز اتجاه تشريعي لتعديل نصوص قانون الشراء العام. وكانت البداية مع محاولة الحكومة تمرير التعديل الذي يحرر البلديات وبعض الإدارات من القيود الصلبة للقانون في المادة 119 من مشروع موازنة 2022، إلا أن المجلس الدستوري أبطل المادة. ويؤكد رئيس هيئة الشراء العام جان العلية لـ"اندبندنت عربية"، "أبطل المجلس الدستوري المادة ليس لمضمونها، وإنما لاعتباره إياها من فرسان الموازنة، وهو تعبير حقوقي يقصد به إدراج مواد في الموازنة لا علاقة مباشرة بينهما، وكأن السلطة تحاول تهريب تعديل قانوني ضمن نص آخر". 

اقتراحات

برزت شكاوى من رؤساء البلديات، لأن القانون "يشل البلديات"، ويعرقل حركتها. كما جاء الاعتراض من قوى الأمن الداخلي والعسكرية بسبب استحالة تطبيق النص عليها، وخصوصية عمل هذه المؤسسات لوجود مجالس ومحاكم خاصة بها، واختلاف الهيكلية والرتب بين الإدارات المدنية والعسكرية، ناهيك بعدم انطباق النظام الوظيفي على مؤسسات "أوجيرو" وشركتي الخليوي ومصرف لبنان بسبب أنظمتها الخاصة. 

وقدم للبرلمان أربعة مشاريع مختلفة، الاقتراح الأول من نواب الحزب "التقدمي الاشتراكي"، ينص على إخراج البلديات من نطاق تطبيقه لمدة عامين، وهو ما عارضته هيئة الشراء العام لعدم جواز استثناء فئات معينة من القانون، مما سيفتح الباب أمام تقديم استثناءات أخرى. أما النائب أديب عبدالمسيح فاقترح إخراج الهيئة العليا للإغاثة من نطاق القانون، وهو ما تحفظت عليه الهيئة أيضاً، لأن المادة 46 من القانون الحالي الفقرة الثانية تكفل الحركة والمرونة خلال الكوارث. وكذلك اقتراح حزب "القوات اللبنانية" الذي ينحصر في لجان الاستلام والتسليم. واقتراح رابع تقدم به النائب جهاد الصمد بعد التشاور مع هيئة الشراء العام، والذي تبنته الهيئة العامة لمجلس النواب، وتوجه التعديل نحو تأليف لجان الاستلام والتلزيم من أصحاب الاختصاص والكفاءة والتدريب، وعدم وجود تضارب المصالح على أن يخضع عمل تلك اللجان لرقابة ديوان المحاسبة والجهات الرقابية المختلفة، و"أن تتحقق هيئة الشراء العام بصورة لاحقة من التزام البلديات بالقوانين، وعند وجود المخالفات تبدأ الملاحقة، والإحالة إلى الجهات المختصة"، وكذلك "التأكد من مؤهلات لجان التلزيم والاستلام". وبالتالي، إلغاء بند تشكيل اللجان من موظفي الفئة الثالثة، بسبب عدم وجود فئة كهذه ضمن هيكلية جميع بلديات لبنان.

المرونة في القانون 

تعرضت جلسة تعديل قانون الشراء العام لانتقادات اتخذت طابعاً هجيناً لناحية عدم وجود توافق سياسي لعقد جلسة تشريعية، وكذلك ثغرة دستورية بسبب تحول مجلس النواب إلى هيئة ناخبة عند شغور منصب رئاسة الجمهورية بغية الحث على انتخاب رئيس جديد للبلاد. ويؤكد جان العلية أن "هيئة الشراء العام غير معنية بالسجالات حول الجلسة النيابية لأن القانون كان يحتاج إلى تعديل بعض مندرجاته لجعله نصاً قابلاً للتطبيق ويسهل الرقابة"، رافضاً تحويله إلى ما يعرف بالفقه القانوني بـ"النصوص الميتة"، لأن "هناك كثيراً من القوانين التي تشرع لتكون مجرد ديكور، وربما كانت العراقيل الموضوعة داخل قانون الشراء العام من أجل جعله غير قابل للتطبيق". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يضع رئيس هيئة الشراء العام التعديل في إطار "التعاطي المرن مع القوانين التي يجب أن تستجيب للواقع المتغير وإعادة النظر بالتشريعات عقب تقييمها"، لأن "القانون القديم ما كان ليطبق، فمخاطره أكثر من مخاطر تعديله"، مؤكداً أنه يتضمن نصاً إصلاحياً مهماً لناحية "إلزام الشركات التي تتعاقد مع الدولة اللبنانية الكشف عن المستفيد الاقتصادي أي المالك الحقيقي بغية محاربة الفساد وتضارب المصالح"، ناهيك بتقديم إفادة بتطبيق أحكام مقاطعة إسرائيل، و"أن تخضع معايير التأهيل في الصفقات الكبرى لموافقة هيئة الشراء العام"، مضيفاً أن "هذه النقاط هي السبب في الحملة ضد القانون".

يطرح جهد هيئة الشراء العام السؤال حول قدرتها على متابعة كافة التلزيمات، ومدى توافر الكادر البشري المؤهل للقيام بتلك الأعمال. ويؤكد العلية "أن الإدارة تملك القدرة على تطبيق القانون، ومن ثم لا يمكن تجاوز صلاحياتها"، مذكراً بما قامت به دائرة المناقصات بهيكلية قائمة على ثمانية موظفين، حيث أوقفت "مناقصات في مجال الاتصالات وبواخر الطاقة ومناقصات المطار ومراكز المعاينة الميكانيكية والنفط المفصل على قياس إحدى الشركات وبواخر الفيول". ويكشف عن وجود "برنامج دعم وتدريب من الاتحاد الأوروبي" و"الوكالة الفرنسية للتنمية" لتأمين الخبراء وتقديم المساعدة التقنية، وعليه، فإن 10 موظفين يكفون للقيام بالمهام، مطالباً بتعيين أعضاء الهيئة، والإفراج عن الأنطمة من قبل مجلس الخدمة المدنية، ومجلس شورى الدولة، وصولاً إلى بناء القدرات الذاتية من خلال استثمار الحكومة في المؤسسات الرقابية. 

ويعتقد العلية أننا قد نتجه إلى مرحلة "تتضمن استثمارات كبيرة"، متسائلاً "لمصلحة من رفض وعرقلة قانون يكشف صاحب الحق الاقتصادي والتدقيق في هوية الشركات وإنزال العقوبة بمن يتقدم بتصريح كاذب؟". لذلك، يرى أن "قانون الشراء العام هو "خطوة أصلاحية حقيقية"، و"لا بد من منح الهيئة وضع معايير تأهيل العقود وعدم تركها للوزارات بالمطلق". 

مواجهة الصفقات الكبرى 

يشدد العلية على أن "هيئة الشراء العام" تقف في وجه الشبهات التي تشوب الصفقات العمومية الكبرى. ويتطرق إلى جملة المخالفات في تلزيم السوق الحرة في المطار، حيث كان الملتزم يقبض بالدولار من العملاء فيما يدفع للدولة اللبنانية بالليرة اللبنانية، فكانت المطالبة بإجراء مزايدة جديدة "تعتمد سعر الدولار معياراً، وأن يدفع للدولة وفق ذاك السعر المتغير، وقد تجاوب وزير الأشغال علي حمية مع هذا الطرح، مما أدى إلى زيادة مردود الدولة إلى حوالى 60 مليون دولار (فريش)". 

كما يتحدث عن ملف "توسيع المطار" الذي شكل تلزيمه تجاوزاً لقانون الشراء العام والهيئة، فما كان من الهيئة إلا أن طلبت الملف، وأبلغت وزير الأشغال أنه تلزيم غير قانوني، و"تمنينا عليه عدم إكمال السير بالملف وإحالته إلى ديوان المحاسبة". وتكشف أوساط ديوان المحاسبة موقفه من "إنشاء مبنى للمسافرين في مطار رفيق الحريري الدولي - بيروت Terminal 2"، لجهة تشكيل الاتفاقية المتعلقة بتشييد وتشغيل مبنى للمسافرين امتيازاً لمرفق عام بطريقة BOT، ويقتضي منحه بموجب قانون تطبيقاً للمادة 89 من الدستور، وإن عدم احترام هذا المبدأ يجعل هذا العقد باطلاً بطلاناً مطلقاً، بالتالي لا يمكن الاستناد إلى قانون رسوم المطارات لإنشاء المبنى الجديد. وقد نتج من سلسلة التحفظات تراجع وزارة الأشغال والنقل عن هذا التلزيم. 

يعدد العلية سلسلة من الملفات، في ما يتعلق بملف الفيول الذي رتب غرامات على الدولة بسبب تأخر تفريغها وبقائها في عرض البحر، ويوضح أن الهيئة أعدت تقريراً وسلمته إلى مجلس النواب. كما عارضت تلزيم امتياز كهرباء زحلة، حيث هناك توجه لإجراء مزايدة من جديد، وعدم الاكتفاء بعارض واحد. وكذلك ملف "البريد" حيث ربحت المزايدة شركة GMC، في ظل عدم وجود مزايدين آخرين، مما يلحق ضرر بمالية الدولة اللبنانية. 

تحدي المزايد الواحد 

تشكل مشاركة "مزايد واحد" في التلزيمات والمزايدات تحدياً للإدارة العامة، وكذلك لتطبيق قانون الشراء العام، وهذا ما حصل على سبيل المثال في ملف البريد بعد انتهاء عقد "ليبان بوست". يجيب العلية "يفترض بالوزارات والإدارة العامة توسيع نطاق نشر الدعوة للمشاركة في المزايدة، فليس هناك مانع للتواصل مع وزارة الخارجية والتمثيليات القنصلية والسفارات في الخارج من أجل استدراج مزيد من العروض". 

ألعاب الميسر تحت الرقابة

يلفت العلية أنه في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، أرسلت الهيئة كتاباً لكل الجهات التي يمكن أن تخضع لقانون الشراء العام، ومن ضمنها "كازينو لبنان" الخاضع لوصاية وزارة المالية، ويدير مرفقاً عاماً لصالح الدولة. وينبه إلى مخالفة القانون من خلال تلزيم ألعاب الميسر الرقمية لشركة لا تنطبق عليها أحكام المقاطعة، بحسب العلية، الذي يكشف عن أنه وجه كتاباً إلى ديوان المحاسبة لمطالبته بإنزال عقوبة مالية لمخالفتهم القانون. 

كما يناقش عقد التلزيم من وجهة نظر محض قانونية، لأن "الكازينو" يمتلك حقاً حصرياً من قبل الدولة لممارسة تلك الألعاب، لقاء حصة من الأرباح. ومن ثم، إبان الخمسينيات عندما حصلت الشركة على الاحتكار لم يكن هناك ألعاب الكترونية، متسائلاً "لماذا الكازينو هو من يقوم بتلزيم شركة خاصة، ولا تقوم به وزارة المالية التي تمتلك الحق الأصلي؟". ويجزم العلية بأن "ألعاب الميسر في ظل رقابة لصيقة من هيئة الشراء العام التي لن تتنازل عن صلاحياتها القانونية". 

المزيد من تقارير