ملخص
السودانيون الفارون شمالاً يكابدون رحلة شاقة للعبور إلى مصر فيما يستغل "تجار الحرب" الأزمة للتربح
تركت ملاذ عمر، الحامل في شهرها الثامن، كل شيء وراءها للفرار مع زوجها وطفليها الصغيرين وقريبة مسنة من القتال الذي اجتاح العاصمة السودانية منذ أكثر من أسبوعين. وعندما وصلت السيدة التي تبلغ من العمر 34 سنة إلى مصر، لم تكن قد تناولت طعاماً أو اغتسلت لأربعة أيام. وقد مرت عبر معبر قسطل الحدودي، حيث يفترش الراغبون في العبور الأرض فيما لا يوجد ما يحمي رؤوسهم من أشعة الشمس الحارقة.
وتعكس محنتها محنة الآلاف غيرها الذين تحملوا كلفة باهظة للسفر شمالاً إلى مصر على متن حافلات وشاحنات، لتتقطع بهم السبل على المعابر لعدة أيام.
وتروي ملاذ بينما تتناول السمك المقلي في مطعم في أبو سمبل شمال الحدود، "تناولنا مسكنات للآلام على معدة خاوية... كان الأمر صعباً للغاية. بلادنا دمرت، لكننا سنعود وسنبنيها من جديد".
وشهد القتال الذي اندلع في 15 أبريل (نيسان) بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية شن غارات جوية ومعارك بالمدفعية في الخرطوم ومدينتي أم درمان وبحري المجاورتين لها، الأمر الذي ترك الشوارع فارغة من أي مظهر من مظاهر الحياة المدنية.
انهيار الأمن
ويقول محمد النعمان أحمد، وهو تاجر سوداني يبلغ من العمر 46 سنة، كان على حدود مصر عندما علم بأن القتال قد اندلع في 15 أبريل، "لقد أصابت هذه الحرب مركز البلاد وقلبها".
وهرع أحمد إلى الخرطوم لاصطحاب والدته وزوجته وأبنائه الأربعة وإحضارهم إلى الحدود. ويقول قرب معبر قسطل الذي عبره بعد عودته لاصطحاب عمه المصاب بالسرطان، "لقد انهار الأمن".
ويخشى البعض في الخرطوم من ترك منازلهم وممتلكاتهم من دون حماية أو المغادرة في رحلة شاقة مع أقاربهم المرضى أو المسنين.
أما من غادروا فإنهم يبحثون عن الأمان في المناطق السودانية البعيدة من العاصمة أو اتجهوا إلى حدود البلاد الغربية والجنوبية والشمالية، فيما غادر البعض بحراً من بورتسودان إلى السعودية.
وقالت مصر، أمس الإثنين، إن 40 ألف سوداني عبروا حدودها، فيما حذرت الأمم المتحدة من أن أكثر من 800 ألف قد يفرون من السودان الذي يبلغ عدد سكانه 46 مليون نسمة إذا استمر القتال.
"تجار الحرب"
ومع ارتفاع الأعداد وندرة الوقود، ارتفعت كلفة الحافلات المتجهة إلى مصر إلى نحو 500 دولار للفرد.
وأولئك الذين يستطيعون تحمل كلفة هذه الرحلة هم الأثرياء نسبياً، لكن كثيرين يصلون عبر معبري أرقين وقسطل على جانبي بحيرة ناصر في حالة متردية.
وتقول ليم الشيخ، وهي طبيبة أسنان تبلغ من العمر 23 سنة تطلب الأمر منها ما يقرب من أسبوع للوصول من أم درمان إلى أبو سمبل، إن "تجار الحرب يستغلون الأزمة للتربح". وأضافت "نحن أفضل حالاً من غيرنا... فهناك كثيرون لا يستطيعون الفرار من الحرب".
ويمكن رؤية مجموعة من النساء والأقارب المسنين والأطفال وهم يعبرون إلى الأراضي المصرية عند أرقين، بينما يكسو الغبار وجوههم وملابسهم فيما يسحبون عربات مكدسة بالأكياس قبل أن يستقلوا حافلة متوجهة إلى القاهرة.
وبالنظر إلى أن الذكور البالغين يحتاجون إلى تأشيرات لدخول مصر، فإنهم عادة ما يبقون في السودان وينتظر كثيرون منهم في وادي حلفا في شمال السودان للتقدم بطلبات للحصول على تأشيرات.
ويشكو البعض من شح الطعام والماء والمأوى والمراحيض عند المعابر. ويقولون إنهم ينامون في حافلات أو وسط طرقات مليئة بالقمامة أو داخل منطقة مغلقة بين المعبرين الحدوديين.
"الوضع مريع"
ويروي فريد محجوب طه (77 سنة) الذي فر من الخرطوم، كيف أنه وجد الوضع "مريعاً جداً" في أرقين، وإن كانت الخدمات أفضل على الجانب المصري. وتابع "الوضع ليس آدمياً، ولا حتى يناسب الحيوانات".
وتقول الطبيبة ليم الشيخ إن الناس يتعرضون لاستجواب مطول وحاد من جانب المسؤولين المصريين. وتضيف أنهم يتعرضون في بعض الأحيان للإهانة والتهديد بإعادتهم من حيث أتوا.
وقال عنصر من حرس الحدود المصري إن الموظفين يعملون على مدار الساعة في ظل التدفق. وقالت وزارة الخارجية المصرية إن السلطات تقدم خدمات الإغاثة والطوارئ عند المعابر وتحاول تسريع إجراءات الدخول من خلال زيادة أعداد الموظفين على الحدود.
وعلى الجانب الآخر، يقول خالد، وهو من سكان الخرطوم، وذكر اسمه الأول فقط، إنه قرر البقاء في العاصمة بسبب قلقه في شأن قدرة تحمل جدته المريضة وشقيقته التي أحياناً ما تعاني نوبات صرع، فضلاً عن كلفة الرحلة.
وأوضح لوكالة "رويترز"، "رأيت قلة من أصدقائي الذين سافروا بالفعل. لا يزالون على الحدود تتقطع بهم السبل في الشوارع... لا أستطيع أن أعرض عائلتي لمثل هذا الموقف".