Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أسرار الحضارتين الإغريقية والرومانية تسكن زوايا كهوف ليبيا الصخرية

تتناثر أغلب التجاويف على امتداد تضاريس الجبل الأخضر من مدينة المرج شرق بنغازي وصولاً إلى طبرق على الحدود المصرية

صممت الكهوف الليبية بهندسة متميزة تحافظ على الحرارة بين 12 و23 درجة مئوية طوال العام (مصلحة الآثار الليبية)

ملخص

كهوف كثيرة منتشرة في ليبيا استخدمها وشغلها الإنسان القديم في عصور البشرية الأولى وبعضها اكتشف حديثاً آخرها منذ عامين

تزخر ليبيا بكثير من الكهوف المتنوعة التي لا تشكل فقط مزارات سياحية مغرية لعشاق الاكتشافات وهواة الأماكن الطبيعية الغامضة، بل لها قيمة تاريخية كبيرة باعتبار أنها تحتفظ بتاريخ حضارات وأمم متنوعة الأجناس عرفتها البلاد، وبعضها له أهمية دينية خصوصاً لطوائف ضاربة في القدم.

وعلى رغم القيمة التاريخية والسياحية الكبيرة لهذه التجاويف الصخرية المسكونة بكثير من الأسرار، التي ما زالت تتكشف حتى يومنا هذا، إلا إنها لم تدرس أو تستثمر بالشكل المثالي من السلطات التي تتابعت في حكم البلاد، وعديد منها مهدد بالتعديات المتنوعة وأغلبها غير معروف خارج ليبيا، على رغم شهادتها على أحداث تاريخية مهمة للبشرية عامة وليس للسكان المحليين فقط.

 

كهوف الجبل الأخضر

تتناثر أغلب الكهوف الصخرية في ليبيا على امتداد تضاريس الجبل الأخضر، بداية من مدينة المرج شرق بنغازي بنحو 100 كيلومتر وصولاً إلى مدينة طبرق على الحدود المصرية، وهي مسافة تقدر بنحو 400 كيلومتر يشغل أغلبها الجبل الأعلى في ليبيا، الذي عرف حضارات كثيرة مثل الحضارة الإغريقية والرومانية، كما اكتشفت به كهوف استغلت مأوى للإنسان القديم في عصور البشرية الأولى.

وعلى امتداد أودية وسفوح الجبل الأخضر توجد عشرات الكهوف التي استخدمت لأغراض متنوعة في عصور مختلفة مثل "كهف مرقس"، الذي رجحت دراسات كثيرة أنه كان شاهداً على تدوين أول إنجيل في التاريخ بيدي القديس مرقس، الذي عاش أغلب فترات حياته بهذا الوادي ذي التضاريس الوعرة التي تجعل الوصول إليه شاقاً.

كما توجد في الجبل الأخضر كهوف مهمة أخرى مثل كهف "هوا فطيح" - واحد من أهم وأضخم الكهوف الصخرية في شمال أفريقيا، و"هوا حجري" وهو تجويف أرضي مذهل يصل عمقه إلى مئات الأمتار تحت الأرض، وكهف وادي زازا وكهوف وادي الكوف التي كانت لفترة مقراً ومخبأ لقائد المقاومة الليبية ضد الاستعمار الإيطالي عمر المختار، وغيرها كثير.

 

كهف الإنجيل

ما بين مدينتي الأثرون ورأس الهلال الجبليتين، حيث الغابات الوارفة والشلالات الساحرة وسحر الطبيعة المدهش، يوجد الكهف الأثري الذي يمكن أن يتحول إلى أحد أهم المزارات المسيحية في العالم، لا سيما لأتباع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والكنائس الشرقية الأرثوذكسية. فهناك كان مقر مؤسسها الأب مرقس الرسول، وفيه دون إنجيله، وفيه توجد تفاصيل مسيرة السيد المسيح من المعمودية على يد يوحنا المعمدان إلى الموت والدفن واكتشاف القبر الفارغ، وتم اعتباره في القرن الـ19 أقدم الأناجيل.

وكهف الإنجيل كما بات يعرف منذ اكتشافه، هو تجويف محفور بين الصخور من ثلاثة طوابق، وكانت للطابق الأخير طريق يصله بالثاني، وبات بسبب عوامل التعرية، غير قابل للاستخدام‏. ووجدت به رموز مسيحية وصهريج صخري ضخم لحفظ المياه، ومعاصر زيوت وممرات ومداخل سرية ونقوش ورسومات دينية عن صلب المسيح.

وفي أحد أدوار الكهف الضخم، اكتشف ما يدل على أن هذا الموقع كان كنيسة، كما اكتشفت بقايا تمثال رأس أسد منحوت في الأصل من الصخر، وهو علامة مرقس الإنجيلي وشعاره. وفي الوادي المجاور، عثر على صليب محفور بطريقة المسيحيين الأوائل عند مدخل كهف الإنجيل، وعلى مقر ديني يحوي ثمانية صلبان ومعمودية عامة تعرف اليوم باسم "عين سربلي". كما عثر داخل كهف معلق على مصطبة حجرية صالحة للجلوس والكتابة يرجح أن مرقس كان يكتب عليها إنجيله.

 

ومرقس أو مرقص ويطلق عليه اسم "مرقس البشير"، هو أحد الحواريين والرسل والكاتب للسفر الثاني من العهد الجديد المعروف بإنجيل مرقس ولذلك يلقب بـ"الإنجيلي". ويعرف في اللغة اللاتينية باسم سان ماركو الذي شيدت باسمه واحدة من أعظم كنائس العالم وهي كنيسة سان ماركو في البندقية. أما اسمه الأصلي فهو سمعان أرسطو بوليس، الليبي المولد، الكنعاني الأصل، ويرجح مولده في فترة مولد السيد المسيح، نشأ في أسرة يهودية متدينة وثرية عملت بالزراعة، أقامت في قرية "أبرتاتولس" التي تعرف اليوم باسم "برطلس" بالقرب من مدينة شحات الحالية "قورينا القديمة".

وبحسب "البطريركية الأنطاكية"، فإن أم القديس مرقس كانت تدعى مريم، وهي إحدى المريمات التي تبعت السيد المسيح، كما أنها هي من أشرف على تثقيف ابنها مرقس وتعليمه اللغات اليونانية واللاتينية والعبرية. وفي فلسطين آمن مرقس بتعاليم المسيح وسار معه، وعهد إليه المسيح التبشير بالدين الجديد بين بني قومه في الجبل الأخضر الذي يضم الليبيين الأصليين والإغريق واليهود.

كهف الخزعلية

يعتبر "كهف الخزعلية" من أشهر كهوف الجبل الأخضر الليبي وهو عبارة عن مغارة منحوتة، تحيط بها منطقة رسمت حدودها بسور من الحجارة المصقولة، ويطلق على الكهف والمنطقة المحيطة به محلياً اسم "مكدس المحاريث".

ورجحت الدراسات الأثرية والتاريخية التي أجرتها فرق ليبية وأجنبية على مدار العقود الخمسة الماضية، أن أهل الوادي من الليبيين القدماء اتخذوا هذا الكهف معبداً لممارسة شعائرهم الدينية، واتخذ لاحقاً في "العصر الهلنستي" مقراً للعبادة بعد توسعته وتحويره.

والفترة "الهلنستية" هي التي سادت فيها الثقافة اليونانية بليبيا، وبدأت بعد وفاة الاسكندر الأكبر عام 323 ق.م، واستمرت حوالى 200 عام في اليونان، إلا أنها ظلت سائدة لأكثر من 300 عام في الشرق الأوسط وليبيا.

وعثر في الوادي عام 1970 على تمثال لهرقل في وضع الراحة يرجع تاريخه إلى القرن الأول ميلادي، وهذا ما جعل العلماء يعتقدون أن العبادة التي مورست في الكهف من النوع الهلنستي الليبي .

كهوف ما قبل التاريخ

هناك كهوف كثيرة منتشرة في ليبيا استخدمها وشغلها الإنسان في عصور مختلفة، بعضها اكتشف حديثاً وآخرها منذ عامين، حين أعلنت مصلحة الآثار الليبية اكتشاف كهف أثري كبير يرجع إلى فترة ما قبل التاريخ في منطقة ميراد مسعود على شاطئ البحر، شرق مدينة المرج الواقعة على بعد 100 كيلومتر شرق بنغازي.

وأوضحت المصلحة أن "الكهف يحتوي على رسوم صخرية متمثلة بأشكال آدمية وحيوانية وعدد من البقايا الحجرية والعظام، كالفؤوس والسهام الحجرية".

ويعد وادي زازا (جازا) من أهم مواقع النقوش الصخرية التي ترجع إلى عصور ما قبل التاريخ في شرق ليبيا، أغلبها نقش على جدران كهفين كشف عن أحدهما عام 1972 والآخر عام 1990 في الوادي الذي يقع على مسافة حوالى 60 كلم للشرق من مدينة بنغازي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتنتشر على جانبي هذا الوادي الذي يمتد بطول 120 كلم كهوف صخرية عدة شغلها الإنسان منذ عصور ما قبل التاريخ وخلال العصور التاريخية القديمة، وترك فيها كماً هائلاً من النقوش تركزت على جدران الكهوف وسقوفها، تمثلت في مجموعة من الطيور ذات المناقير الطويلة، وقد نقشت بأشكال مختلفة بعضها رسم بشكل مقلوب، وهناك أشكال طيور أخرى غير واضحة نقشت في أماكن مختلفة من الكهوف، وغزلان وحيوانات أخرى.

وعن تاريخ هذه النقوش يقول الراحل تشارلز ماكبرني رائد دراسات ما قبل التاريخ في ليبيا، الذي درس لسنوات صور تلك النقوش الصخرية، إنها "ترجع إلى أسلوب الحضارة أو الثقافة القفصية التي بدأت في بداية الألف الخامس قبل الميلاد، أي أنها بصورة عامة ترجع إلى عصر الرعي أو الرعاة".

بيوت منحوتة في الصخر

في غرب ليبيا وفي أعماق المنطقة الجبلية بمدينة غريان تنتشر الأحواش أو البيوت غير التقليدية المحفورة في كهوف، التي حفرت في جوانب الجبال. ويرجع تاريخ بعضها لنحو 400 سنة مضت أي إلى القرن الـ17.

وصممت هذه البيوت أو الكهوف بهندسة مميزة تحافظ على الحرارة بين 12 و23 درجة مئوية طوال العام.

ومن أشهر "بيوت الحفر" كما تعرف في ليبيا حوش بلحاج، الذي حفره مالكه عمر بلحاج عام 1666، أي أن عمر هذا المنزل يتجاوز 355 سنة.

وبلغ عدد تلك الكهوف أو بيوت الحفر قرب غريان ذات يوم 4000 منزل، لكن معظمها دمر نتيجة التغيرات المناخية أو الإهمال أو نزوح ساكنيها داخل ليبيا.

وتعتبر كل هذه الكهوف عينة فقط من التجاويف الصخرية التي تنتشر على امتداد الجغرافيا الليبية، وتحتفظ في جوفها بجزء مهم من أسرار تاريخ الإنسانية جمعاء، ما خفي منها أعظم، وينتظر حملات جادة ومكثفة للكشف عن مزيد من أسرار كهوف ليبيا الصخرية المدهشة.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات