ملخص
منذ بداية أشغاله قبل أسابيع شهد مجلس النواب التونسي سجالات حول صلاحيات أعضائه مثل المعارضة البرلمانية وتشكيل الكتل النيابية وغيرهما
أثار تصويت للبرلمان التونسي على إسقاط الفصل 133 من النظام الداخلي له، وهو فصل ينص على مراقبة النواب لعمل الوزراء قبل أن تتم المصادقة عليه في تصويت ثان، جدلاً واسعاً في شأن ما إذا كان البرلمان يواجه شبح تجريده من صلاحياته خصوصاً بعد العودة إلى النظام الرئاسي القوي.
ولم يتردد نواب في إطلاق دعوات للتمسك بالدور الرقابي للبرلمان على رغم العودة إلى النظام الرئاسي، بعد المصادقة على الدستور الجديد في الخامس والعشرين من يوليو (تموز) 2022 وهي عودة قلصت بشكل كبير صلاحيات المجلس الذي نشر الأربعاء النص الكامل لنظامه الداخلي.
وحاول رئيس البرلمان إبراهيم بودربالة بعث رسائل طمأنة إلى النواب في شأن صلاحياتهم وعلاقتهم بالسلطة التنفيذية، إذ قال في جلسة عامة إن "التناغم معها لا يعني امتثالاً لها، بل مساندة لخدمة المصلحة العليا للوطن".
ومن غير الواضح ما إذا كان الوزراء سيستجيبون إلى دعوات النواب المحتملة، لا سيما أن صلاحية تعيينهم وضبط السياسات العامة للحكومة انتقلت في الدستور الجديد إلى رئيس الجمهورية، شأنها شأن صلاحية عزل الوزراء، على عكس ما كان سائداً في دستور 2014 الذي كان ينص على أن الحزب الفائز في الانتخابات البرلمانية هو الذي يعين رئيساً للوزراء لتشكيل حكومة.
ومنذ بداية أشغاله قبل أسابيع شهد مجلس النواب سجالات حول صلاحيات النواب مثل المعارضة البرلمانية، وتشكيل الكتل النيابية، وغيرهما، وهو ما أثار مخاوف التجريد من تلك الصلاحيات.
تمسك بالدور الرقابي
وتعكس التحركات الحالية داخل البرلمان التونسي رفضاً لتحجيم دور المجلس على رغم العودة إلى نظام الحكم الرئاسي الذي ركز معظم الصلاحيات بيد الرئيس، فيما يتقاسم بقية الصلاحيات مجلسا النواب والجهات والأقاليم.
النائب في البرلمان التونسي، بدر الدين القمودي، قال إنه "حتى في ظل نظام رئاسي وإضعاف عمل البرلمان يجب التمسك بالدور الرقابي للسلطة التشريعية على العمل الحكومي".
ومن غير الواضح ما إذا سيلتزم الوزراء الخضوع لرقابة البرلمان أو الحضور لتوجيه الأسئلة إليهم، لكن القمودي قال إنه "يجب إيجاد آليات تلزم الطرف الحكومي التفاعل مع النواب".
وقال النائب ظافر الصغيري، "تم التصويت على الفصل، بعد إسقاطه في مرحلة أولى بسبب خطأ تقني، وستكون هناك مراقبة لعمل الحكومة وفريقها من خلال الأسئلة الشفاهية والكتابية واستدعائهم وحتى إمكانية إصدار لوائح لوم ضد الوزراء".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح الصغيري في تصريح خاص لـ"اندبندنت عربية" أن "لدينا قناعة بأنه لا يوجد أي شيء أو دافع للتنازل عن صلاحياتنا ومسؤولياتنا، خصوصاً الدور الرقابي والتشريعي، لن نتنازل عن هذين الدورين مهما حدث".
وتابع، "كنا في نظام برلماني المجلس النيابي هو الذي يصادق على تعيين الحكومة، لكن اليوم نحن في نظام رئاسي لا يعني أن السلطة التنفيذية تعمل دون مراقبة، ستكون هناك رقابة من المجتمع المدني والصحافة وأيضاً من البرلمان الذي يصادق على الموازنة وغير ذلك".
وحول خيارات البرلمان حال رفض الوزراء المثول أمامه لا سيما أنهم معينون من الرئيس قال الصغيري إن "هذا النقاش مطروح بالفعل حتى لدى البعض ممن يقولون إن لا علاقة لهم بالمجلس، لكننا سنسائل الوزراء كتابياً ونستدعيهم شفاهياً والوزير الذي يرفض القدوم إلى البرلمان فإن كرسيه سيبقى شاغراً وسيتم إجباره في ما بعد على القدوم".
"برلمان بلا صلاحيات"
وعلى رغم أن الدستور الجديد ينص على صلاحية البرلمان في توجيه لائحة لوم ضد الحكومة، لكن لدى الرئيس أيضاً إمكانية قبولها وإقالة الحكومة أو حل مجلسي النواب والأقاليم والجهات، أو أحدهما، إلا أن كثيرين يرون أن البرلمان في تونس سيكون بلا صلاحيات بشكل كبير خصوصاً في ظل السجالات التي رافقت المصادقة على نظامه الداخلي، سواء بسبب تشكيل الكتل النيابية أو إمكان وجود معارضة أو غيرهما.
وقال الباحث السياسي محمد صالح العبيدي إن "البرلمان في ظل نظام رئاسي وبالدستور الجديد، سيكون بلا صلاحيات، على مستوى مراقبة الحكومة لن يقدر على تغيير أي شيء لأنه في النهاية برلمان موال تماماً للسلطة التي تتجاهل كل دعوة لإجراء تعديلات على الحكومة حتى من الأحزاب التي ساندتها في مسارها منذ انطلاقه في 25 يوليو (تموز) 2021".
وأردف العبيدي في تصريح خاص أن "ما نراه اليوم هو تناغم تام أيضاً بين الوزراء والحكومة ككل والرئيس قيس سعيد، بالتالي لا أعتقد أن هناك من سيستجيب لدعوات البرلمان إذا تمت أصلاً، ولا أعتقد أن هناك من سيتجرأ على طلب التصويت على لائحة لوم ضد الحكومة في ظل ما نص عليه القانون الانتخابي من سحب وكالة من النواب وغيرها من الإجراءات التي قد تهدد النواب في عضويتهم أصلاً في المجلس".
ودعت حركة الشعب ليل الثلاثاء إلى تغيير الحكومة الحالية برئاسة نجلاء بودن بحكومة سياسية، وهي ليست المرة الأولى التي تنتقد فيها الحركة، التي كانت أشد المتحمسين للمسار الذي قاده الرئيس سعيد، حكومة بودن، لكن الرئيس يتجاهل دعواتها لتغييرها.
وقال النائب عن الحزب هيكل المكي في تصريحات بثتها وسائل إعلام محلية إن "المرحلة الحالية تستوجب حكومة سياسية تضبط التوجهات العامة مع رئيس الجمهورية، ندعوه إلى تعيين حكومة سياسية إذا كان يريد الانتصار في معركة التحرير".
وأطاح الرئيس قيس سعيد في الخامس والعشرين من يوليو 2021 بالحكومة والبرلمان اللذين تهيمن عليهما حركة النهضة، الذراع السياسية لتنظيم الإخوان المسلمين، بعد تفعيل مادة دستورية في خطوة وصفها خصومه بـ"الانقلاب"، لكنه دافع عنها بالقول إنها ضرورية لوضع حد للانهيار الذي تشهده بلاده، ومنذ ذلك الحين اتخذ الرئيس سعيد خطوات عدة، من بينها تركيزه لمعظم الصلاحيات بيديه قبل أن يعيد تونس إلى نظام الحكم الرئاسي، إثر استفتاء شعبي على دستور جديد.