ملخص
إن مجرد وجود "ملعقة خاصة لدهن الملك بالزيت المقدس" أمر يفوق الاحتمال، لذا فاالمتعة الحقيقية لتتويج تشارلز الثالث تكمن في سخافة التفاصيل
عندما انتقلت للمرة الأولى إلى بريطانيا، افترضت أنني أكره العائلة المالكة. ومع ذلك، لعلني يجب أن أكون دقيقة في اختياري للكلمات بالقول: إنني لا أكنّ الكره لها، لكن جل ما في الأمر أن هذا ما كنت توقعت أو افترضت أن أشعر به. فبما أنني فرنسية الجنسية وأفكاري غير محافظة تماماً، كان من المنطقي ألا أستسيغ الأمر.
في وقت لاحق، عندما تزوج الأمير ويليام بكايت ميدلتون قبل 12 عاما، تنكرت في زي أرملة من العصر الفيكتوري، لحضور حفلة ذات طابع "جنائزي ملكي" غير تقليدي في مبنى مهجور في أحد أحياء منطقة ديتفورد (جنوب شرقي لندن). ولا تزال صورة لي تم التقاطها في ذلك اليوم، موجودة في مكان ما على موقع مجلة "فايس" Vice.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في البداية، احتقرت العائلة المالكة لأنني شعرت بأنه يجب عليّ ذلك. كنت أحاول جاهدة الانسجام مع تلك الصورة النمطية، لكن في الوقت نفسه لم أبذل جهداً كافياً للتعامل مع المسألة بموضوعية. ربما لأنني كنت لا أزال صغيرة في السن، وأعتقد بأن الغضب المبرر هو الخيار البديهي الأكثر سهولة.
مع مرور الوقت، تبدد غضبي تجاه العائلة المالكة، وتبين لي بدلاً من ذلك، أنني لا أكترث لأمرها على الإطلاق. وليست لدي أي مشاعر قوية حيال النظام الملكي، تماماً كما حيال الأرانب الأليفة، أو ما إذا كان الكرفس متوافراً أو لا في متاجر السوبرماركت. بالنسبة لي، كلها مجرد جوانب عادية من الحياة.
تساءلت عما إذا كان تتويج الملك تشارلز سيسهم في تغيير رأيي، وسيكون من التأثير بمكان إلى درجة أنه ربما يجعلني أبدي مزيداً من الاهتمام، إلا أنه لم يكن كذلك حتى الآن. وفي الواقع، يبدو الأمر برمّته سخيفاً إلى حد ما بالنسبة لي. فكيف يمكن أن تأخذوا على محمل الجد جملة كهذه: "لقد تم اختيار اللورد ريتشاردز أوف هيرستمونسو ليحمل سيف العدالة الروحية"؟ فـ "سيف العدالة الروحية" يبدو كأنه سلاح تكتشفه في لعبة الفيديو الخيالية "زيلدا" Zelda.
كذلك، إن مجرد وجود "ملعقة لدهن الملك بالزيت المقدس" (على رأسه وصدره ويديه) يكاد يتخطى أي تصور أو قدرة على الاحتمال. هل تعلمون أن هذا التقليد يعود للقرن الـ12؟ وأنه بمجرد أن ينضح الملك بزيت الميرون، فسيتعين عليه وضع رداء "سوبرتونيكا" Supertunica (ثوب التتويج يلبسه الملك بعد دهنه بالزيت)؟ "سوبرتونيكا"! حقاً!
بعد أعوام من العيش في بريطانيا، توصلت أخيراً إلى استنتاج مفاده بأن النظام الملكي لا يهمني كثيراً. لكن من المثير للاهتمام، أن هذا الموقف تشاركني فيه الآن غالبية الجمهور البريطاني. فوفقاً لاستطلاع أجرته أخيراً مؤسسة "يوغوف" الحكومية YouGov للاستشارات واستطلاعات الرأي، فإن 35 في المئة من الأفراد "لا يهتمون كثيراً" بالتتويج، و29 في المئة "لا يهتمون به على الإطلاق".
وفي المقابل، قال 24 في المئة فقط إنهم يهتمون به "بمقدار معقول"، فيما قال تسعة في المئة إنهم يهتمون "بمقدار كبير".
وعلى نطاق أوسع، خلصت دراسة استقصائية أجراها أخيراً "المركز الوطني للبحوث الاجتماعية" National Centre for Social Research، إلى أن ربع عدد الأشخاص في المملكة المتحدة، يعتقدون بأن النظام الملكي "ليس مهماً على الإطلاق أو يجب إلغاؤه"، فيما يرى 20 في المئة آخرون أن المؤسسة الملكية "ليست مهمة جداً". وربما كان من المتوقع أن يكون الانقسام بين الأجيال صارخاً، بحيث اعتبر 12 في المئة فقط من الأشخاص الذين تتفاوت أعمارهم ما بين 18 و34 سنة، أن النظام الملكي "مهم جداً".
هذا هو السبب في أن النقيضين يبدوان الآن سخيفين. فالهيستيريا المتصاعدة في صحف التابلويد البريطانية تجعل هؤلاء يبدون وكأنهم ينتمون إلى كوكب أو زمن مختلف، في حين أن صرخات "الجمهوريين" الغاضبة تبدو مفرطة بشكل هزلي.
حتى الجدل الأخير المتعلق بقسم الولاء الذي قد يؤديه الناس للملك الجديد، بني إلى حد كبير على سوء فهم أو تفسير. وعلى رغم أن بعض وسائل الإعلام أعلنت أنه "سيطلب" من الجمهور قسم الولاء، إلا أن حقيقة الأمر كانت أقل حدة.
فالفارق بين "تكريم الشعب" للملك Homage of the People هذه السنة - في مقابل "تكريم اللوردات والأسياد" له Homage of Peers قديماً - هو أن المواطنين أصبح لديهم الآن خيار إعلان ولائهم للملك، إذا ما رغبوا في ذلك. إنه أبعد ما يكون عن كونه عملاً ديكتاتورياً.
وبغض النظر عن الجدل الملفق عن غير قصد، يبدو كأن بريطانيا تتجه تدريجاً نحو حال من اللامبالاة الهادئة في ما يتعلق بأسرتها المالكة. فمع مرور الزمن، بدأ الناس يبدون اهتماماً أقل بالنظام الملكي، فيما يغادر الملكيون الطاعنون في السن الحياة، وتنجب الأجيال الشابة من البريطانيين غير المبالين أطفالاً من غير المرجح أن يكسروا هذا النمط أو يعكسوا هذا الاتجاه المتنامي".
أخيراً يمكن القول إن من غير المتوقع أن تحدث تغييرات جذرية في أي وقت قريب، بحيث من المرجح أن يستمر الوضع في التطور تدريجاً. وفي غضون ذلك، يمكننا مواصلة الترفيه عن أنفسنا من خلال السخرية من بعض الخصائص الرمزية كاستخدام تلك الملاعق الخاصة".
© The Independent