ملخص
مصادر السفارة الأميركية لـ"اندبندنت عربية": بيان الخارجية ليس موجهاً ضد فرنسا بل إلى اللبنانيين الذين أخفقوا في انتخاب رئيس بعد ستة أشهر على الشغور
ليست المرة الأولى التي تحذر أو تطالب فيها الولايات المتحدة المسؤولين في لبنان بالتحرك على وجه السرعة لانتخاب رئيس للجمهورية وإنقاذ الاقتصاد، لكنها دخلت للمرة الأولى عبر وزارة خارجيتها، في تحديد مواصفات الرئيس العتيد "المتحرر من الفساد، والقادر على توحيد البلاد وتنفيذ إصلاحات اقتصادية أساسية مطلوبة لتأمين اتفاق على برنامج مع صندوق النقد الدولي"، وفق ما جاء في البيان الذي أعلنه المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر. وسبق بيان الخارجية موقف مشترك من الحزبين الجمهوري والديمقراطي بشأن الملف الرئاسي اللبناني اتخذه الرجلان الأقوى في لجنة السياسة الخارجية في الكونغرس الأميركي، لم يخل من تلويح مباشر باتجاه رئيس مجلس النواب نبيه بري بعصا العقوبات. ففي رسالة وجهها كل من رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الديمقراطي روبرت مانديز، والعضو البارز في اللجنة الجمهوري جايمس ريتش إلى الإدارة الأميركية، طالباها فيها بتوضيح موقفها من الاستحقاق اللبناني بشكل ينحاز إلى مصلحة رئيس "مختلف عن السابقين". وسجلت في الأيام الماضية حركة لافتة للسفيرة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا، التقت خلالها معظم القوى السياسية، فعكست دينامية أميركية مستجدة على خط الاستحقاق الرئاسي، وضعها كثيرون في خانة الرد الصامت على التحرك الفرنسي، وإعادة تصويب المسار الذي اتفق عليه في الاجتماع الخماسي في باريس، بما يخدم التوازن الداخلي بين القوى اللبنانية الداعمة لمرشح "حزب الله" والقوى المعارضة له، خصوصاً وأنها ترافقت مع رسالة حملها السفير السعودي وليد البخاري إلى القيادات السياسية اللبنانية والروحية تضمنت موقفاً سعودياً يشدد على عدم التدخل في الاستحقاق اللبناني الذي هو شأن داخلي، فلا اعتراض على اسم ولا تشجيع لأي مرشح. في المقابل أكدت مصادر في السفارة الأميركية لـ"اندبندنت عربية" أن بيان وزارة الخارجية الأميركية ليس موجهاً ضد الفرنسيين بل يخاطب اللبنانيين المعنيين بالاستحقاق الرئاسي، الذين أخفقوا حتى الآن في انتخاب رئيس.
امتعاض فرنسي
واعتبر مراقبون أن ثمة معنى لاختيار توقيت صدور بيان وزارة الخارجية الأميركية، وأيضاً في اختيار مضمونه. فالبيان الأميركي الذي لم يدخل بالأسماء، استناداً إلى عدم وجود مرشح مفضل لدى واشنطن كما تردد السفيرة الأميركية، مع التذكير بأن الانتخابات الرئاسية شأن داخلي لبناني، شكل اعتراضاً غير مباشر على المبادرة الفرنسية التي اعتبرت تدخلاً في الشأن اللبناني، وهو اعتراض ترجم أيضاً في تحديد مواصفات الرئيس الذي يجب "أن يتمتع بالصفات القيادية الملائمة لتجنب لبنان مزيد من الكوارث"، والمقصود أن يكون من خارج الاصطفافات السياسية، بمن فيهم رئيس قريب من قوى "الثامن من آذار" (حلفاء إيران والنظام السوري) أو "حزب الله". وسمعت الوفود النيابية اللبنانية التي زارت العاصمة الأميركية موقفاً واضحاً في هذا الشأن في لقاءاتهم هناك، خصوصاً على لسان الوكيل المساعد لوزير الخارجية الأميركية لشؤون الطاقة آموس هوكستين الدي رد على سؤال لأحد النواب بالقول "لن نقبل بأي رئيس تابع لطهران ومقرب من حزب الله، وإذا كان سؤالك عن فرنجية فلا يمكن أن ندعمه، وبلغوا من يهمه الأمر".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتنفي مصادر السفارة الأميركية في لبنان لـ"اندبندنت عربية" بأن يكون بيان وزارة الخارجية استهداف للمسعى الفرنسي، وتصف العلاقات الثنائية مع باريس بالممتازة، وتوضح أن توقيت البيان مرتبط باستمرار الشغور الرئاسي بعد مرور ستة أشهر على انتهاء عهد الرئيس السابق ميشال عون، وبأنه نابع من قلق أميركي على تأثير الفراغ في الوضع الاقتصادي الذاهب إلى الانهيار. وتؤكد مصادر السفارة أنها لن تتدخل في الأسماء وأن اختيار الرئيس هو شأن لبناني بحت.
في المقابل كشفت مصادر دبلوماسية في فرنسا لـ"اندبندنت عربية" عن امتعاض فرنسي من البيان الصادر عن وزارة الخارجية، التي قرأت بين سطوره انتقاداً للدور الفرنسي وللتسوية التي طرحتها فرنسا والقائمة على تسويق مرشح "حزب الله" رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية. وتكشف المصادر عن أن اتصالاً حصل بين الجانب الفرنسي وممثلي السعودية والولايات المتحدة في اللقاء الخماسي بعد صدور البيان الاميركي، قررت على أثره باريس تجميد مبادرتها من دون أن تسقطها، بانتظار ما ستؤول إليه الاتصالات الداخلية داخل المعارضة وإمكانية استنباط مبادرة تواجه فيها خيار فرنجية، وذلك على وقع جولة السفيرة الأميركية بالتزامن مع جولة للسفير السعودي وليد البخاري، على مختلف القوى السياسية.
اهتمام أميركي بخلو المنصب
وتنفي مصادر دبلوماسية مطلعة على الموقف الأميركي بأن يكون الاهتمام بالملف اللبناني قد استجد بعد برودة شهدتها الفترة السابقة التي تلت التوقيع على ترسيم الحدود البحرية، وتشدد على أن واشنطن استمرت في مساعدة لبنان بمليارات الدولارات ولم تلزم فرنسا الملف اللبناني، وأن ما حصل هو أن باريس طلبت المحاولة في مبادرة تقضي بتقريب وجهات النظر بين القوى اللبنانية لإنقاذ الاستحقاق الرئاسي انطلاقاً من صداقتها مع هذه القوى، فظهرت فرنسا وكأنها تقف طرفاً وتدعم مرشحاً ضد آخر. علماً أن الأميركيين ومثلهم السعوديون والقطريون والمصريون يرفضون الدخول في الأسماء ويتحدثون عن المواصفات والمعايير لرئيس قادر على تنفيذ برنامج إنقاذي سياسي واقتصادي، وردت نقاطه الأساسية في البيان الصادر عن اللقاء الثلاثي الأميركي - السعودي - الفرنسي، الذي عقد في نيويورك على هامش أعمال الأمم المتحدة. وينطلق الأميركيون في موقفهم تجاه لبنان من قلق متصاعد من تحوله إلى دولة فاشلة، ويتخوفون من تفلت الأمور في غياب الأمن والاستقرار نتيجة ملفات عدة من بينها موضوع النازحين السوريين، مع اقتراب موعد انتهاء ولاية حاكم "مصرف لبنان" رياض سلامة، الذي يمكن أن يحل محله بالوكالة نائبه الشيعي وسيم منصوري المقرب من رئيس البرلمان نبيه بري، وسط تشكيك بالرفض المعلن لبري والأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله بتسلم منصوري المسؤولية. واستندت السفيرة شيا في جولتها على المسؤولين إلى ملف الشغور في الحاكمية، لتدعو إلى الإسراع في إنجاز الاستحقاق الرئاسي قبل يوليو (تموز) المقبل، على اعتبار أن الحاكم الجديد الذي هو بحسب الدستور من الطائفة المارونية ويجب أن يتناغم مع رئيس الجمهورية لأنه عنصر أساس في عملية الإنقاذ المطلوبة. لكن شغور مركز حاكم "مصرف لبنان" قد لا يكون العامل الضاغط مع وجود مخرج قانوني بإمكانية تعيين حاكم جديد من قبل حكومة تصريف الأعمال، وهو ما كان أعلنه رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، موحياً بأن هكذا خطوة لن تواجه برفض مسيحي. وكشفت مصادر سياسية لبنانية عن أن شيا طلبت من المعارضة ألا تكتفي برفض فرنجية بل أن تقدم مبادرة أو خياراً بديلاً يمكن أن ينقذ الاستحقاق الرئاسي، فسألها قياديون في المعارضة "أية مبادرة في وقت حزب الله يهدد إما سليمان أو الفراغ والفوضى؟". وعلمت "اندبندنت عربية" أن المعارضة التي باتت بحكم المنسحبة من مرشحها السابق النائب ميشال معوض، وإن بصمت، تشدد على أن ما يهمها قبل الاسم هو المشروع والبرنامج، واقتربت كثيراً من الاتفاق على اسم مرشح، لكنها لن تكشف عنه أو تعلنه قبل إعلان "حزب الله" سحب فرنجية.