أسعار الحج تضاعفت فهل يولي المصريون وجوهم شطر "الأولويات"

مع بدء الاستعداد لموسم الحج لعام 2023 ألقت الأزمة الاقتصادية التي ضربت دول العالم بظلالها على أسعار هذا العام، تلك الأزمة التي كانت أكثر شدة على المصريين في ظل تحريك أسعار صرف الجنيه أمام العملات الأخرى مرات عدة خلال عام 2022، فضلاً عن موجة التضخم التي أشعلت نيران الأسعار، فكان لها الانعكاس الواضح على أسعار الحج المعلنة من وزارة السياحة والآثار المصرية التي تجاوزت الزيادة فيها عن العام الماضي 100 في المئة، في ظل توقعات بتراجع أعداد الحجاج المصريين هذا العام ليقفز إلى السطح السؤال الأهم، هل يعيد المصريون ترتيب أولوياتهم؟

ووسط الارتفاع الجنوني في كلف حج المصريين هذا العام، أجمع خبراء ومسؤولون لـ"اندبندنت عربية" أن السبب الرئيس للأزمة هو "ضعف قيمة الجنيه المصري في مواجهة الريال السعودي".

وسجلت أسعار الكلفة الإجمالية لحج القرعة العام الماضي نحو 94 ألف جنيه (3042 دولاراً أميركياً) فيما ارتفعت هذا العام إلى نحو 175 ألف جنيه (5663 دولاراً أميركياً) بزيادة 100 في المئة، أما أسعار الحج السياحي، فقفزت من 193 ألف جنيه (6246 دولاراً أميركياً) إلى نحو 310 آلاف جنيه (10032 دولاراً أميركياً) للموسم الجاري.

أسباب الزيادة

وكيل أول وزارة السياحة السابق ومستشار اتحاد الغرف السياحية أسامة العشري قال إن السبب الرئيس في زيادة الأسعار يعود لـ"انخفاض قيمة الجنيه المصري أمام الريال السعودي بما يوازي 10 جنيهات للريال الواحد، فضلاً عن رغبة المصريين في الإقامة على مسافة قريبة من الحرم المكي لا تتجاوز 500 إلى 600 متر، وهو ما يمثل ضغطاً على تلك الفنادق ويدفعها إلى رفع الأسعار لتصل إلى مبالغ ضخمة".

وأضاف العشري لـ"اندبندنت عربية" أن "تذاكر الطيران التي لا تقل أسعارها في فئة الحج السياحي عن 25 ألف جنيه (809 دولارات أميركية) لها أثر بالغ أيضاً في ارتفاع أسعار الحج"، مرجحاً أن يكون لتلك الزيادة تأثير في عدد الحجاج المصريين، لكن "لا يمكن حسم ذلك في نسبة محددة"، لافتاً إلى أن أسعار الغرف الفندقية في السعودية شهدت ارتفاعاً عن ذي قبل، مما ينعكس أيضاً بالطبع على كلف أداء فريضة الحج.

وتابع أن أسعار خدمات الطوافة ارتفعت هي الأخرى، مما دفع وزارة الحج السعودية إلى السماح لأكثر من شركة بتقديم خدمات الطوافة لتحقيق المنافسة بين الشركات لخدمة الحجاج، بحيث تعاقدت شركات السياحة المصرية مع شركات الطوافة لتوفير الخدمة بأسعار مخفضة نسبياً.

ولفت العشري إلى أن حصة مصر من الحجاج هي 72 ألف حاج بنسبة واحد في الألف من عدد حجاج العالم وأن مصر اكتفت هذا العام بسفر 20 ألف حاج فقط جرى توزيعهم على الجهات المسؤولة عن سفر الحجاج في مصر وهي وزارات الداخلية والتضامن الاجتماعي والسياحة بخلاف من يملكون تأشيرات مجانية من السفارة السعودية في القاهرة أو من لديهم تأشيرات رجال أعمال، إضافة إلى المصريين المقيمين في الخليج وغيرهم ممن هم خارج العدد الرسمي المخصص لمصر من الحجيج.

وضمت مكة بنهاية عام 2022 نحو 250 ألف غرفة فندقية مخصصة لاستقبال الحجاج طبقاً للمواصفات العالمية بخلاف ثلاثة آلاف مسكن لإسكان الحجاج، وفقاً لما أكده عضو اللجنة الوطنية للحج والعمرة وعضو لجنة الفنادق بمكة هاني العميري في تصريحات إعلامية سابقة.

أسعار رحلات الحج

وسجل سعر حج القرعة هذا العام 175 ألف جنيه (5663 دولاراً أميركياً)، فيما بلغ السعر الأدنى للحج السياحي 120 ألف جنيه (3883 دولاراً أميركياً) والسعر الأقصى نحو 310 آلاف جنيه (10032 دولاراً أميركياً) لفئة الخمس نجوم صف أول مباشر على الحرم بإقامة تمتد لأسبوعين.

ويعد الحج الاقتصادي أحد أنواع الحج السياحي لكن بنظام النصف إقامة Half Board لمدة خمسة أيام فقط في أحد الفنادق فئة خمس نجوم وبحلول الرابع من ذي الحجة يتوجه الحاج إلى الإقامة في أبراج منطقة "العزيزية" بالقرب من منطقة المناسك.

وحددت ضوابط اللجنة العليا للحج والعمرة في مصر فنادق صف ثان على بعد 250 إلى 1250 متراً بسعر 275 ألف جنيه (8899 دولاراً أميركياً)، وبعد مسافة 1250 متراً وحتى 4000 متر 230 ألف جنيه (7443 دولاراً أميركياً)، بينما تم تحديد مبلغ 130 ألف جنيه (4207 دولارات أميركية) للحج الاقتصادي طيران، و130 ألف جنيه (4207 دولارات أميركية) للحج السياحي البري.

ارتفاعات غير مسبوقة

فروق أسعار كبيرة سجلتها أسعار الحج العام الحالي مقارنة بعام 2022 وبزيادة تجاوزت 100 في المئة، إذ سجلت أسعار الكلفة الإجمالية لحج القرعة نحو 94 ألفاً و490 جنيهاً، لكنها ارتفعت إلى نحو 175500 جنيه بزيادة قدرها 81 ألف جنيه وبنسبة 120 في المئة، أما حج الجمعيات التابع لوزارة التضامن الاجتماعي، فكان يبدأ من 87 ألف جنيه ومن المتوقع أن يشهد ارتفاعاً بنسبة 80 في المئة ليصل إلى 150 ألف جنيه.

أما أسعار الحج السياحي، فارتفعت من 193 ألف جنيه إلى 310 آلاف جنيه، والاقتصادي كان بسعر 104 آلاف جنيه ووصل إلى 130 ألف جنيه.

يقول صاحب شركة متخصصة في السياحة الدينية، طلب عدم ذكر اسمه، إن الغلاء أصاب جميع الدول بما فيها السعودية، مشيراً إلى أن أسعار خدمات المناسك والنقل ارتفعت بنحو 40 في المئة عن العام الماضي.

وأشار إلى أن تراجع قيمة الجنيه وراء زيادة أسعار الحج بالنسبة إلى المصريين، نافياً إمكانية تحديد مدى تأثير هذه الزيادة في عدد الحجاج المصريين في هذا الوقت المبكر ومتوقعاً حدوث ذلك بالنظر إلى الظروف الاقتصادية التي يعيشها المصريون بشكل عام والتي ربما تدفع بعضهم إلى تأجيل قرار الحج، بخاصة لمن اعتادوا تكرار أداء هذه الفريضة.

وتابع، "هذا الموسم تميز بالسماح لأكثر من شركة تعمل في خدمات الطوافة بالمنافسة في ما بينها، وهو أمر يحسب لوزارة الحج والعمرة، بحيث نجحت شركات السياحة في الحصول على أسعار أقل وتوقيع عقود لخدمة عملائها".

من جهته رفض عضو اللجنة العليا للحج والعمرة في غرفة شركات السياحة أشرف شيحة خلال اتصال هاتفي مع "اندبندنت عربية" التعليق على أسباب ارتفاع أسعار الحج هذا العام، مؤكداً أنها "معروفة للجميع" طالباً إرجاء الحديث في هذا الملف لحين إتمام الترتيبات النهائية الخاصة بموسم الحج.

فقه الأولويات

تقول أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس عزة فتحي إن الغلاء الشديد في أسعار الحج لهذا العام ربما يدفع كثيرين إلى المفاضلة بين الأولويات المعيشية، فتأجيل أداء فريضة الحج بسبب أزمة الغلاء التي تجتاح العالم والأسعار الجنونية التي أصابت السلع والخدمات قرار يتفق مع صحيح الدين الإسلامي، وهو قرار وارد الحدوث من كثيرين خلال هذه الفترة الصعبة.

وأشارت إلى أن الظروف الاقتصادية الضاغطة هي أكبر دافع لتأجيل بعض القرارات غير الضرورية التي ربما يكون من بينها أداء فريضة الحج أو الزواج لمصلحة قضايا لها الأولوية مثل التعليم أو تزويج الأبناء، مؤكدة أن الدين يسر وأن التفكير العقلاني والمتأني هو المطلوب في ظل الظروف التي تعانيها جميع دول العالم.

ضرائب فندقية

في فبراير (شباط) 2018 فرضت وزارة الشؤون البلدية والقروية في السعودية ضريبة على الفنادق ومراكز الإيواء خمسة في المئة من إجمالي أجرة الغرفة بالفنادق والشقق المفروشة والمنتجعات ومرافق الإيواء السياحي المصنفة كفئة أولى أو أربع نجوم فأعلى.

كما قررت الوزارة فرض ضريبة 2.5 في المئة من إجمالي أجرة الغرفة على الفنادق والشقق الفندقية والمنتجعات المصنفة كفئة ثانية ومرافق الإيواء السياحي المصنفة ثلاث نجوم فما دون والشقق المفروشة فئتي (ب، ج)، وألزمت الوزارة كل الفنادق تحصيل الرسم من النزلاء عن كل ليلة يقضيها النزيل في الفندق.

وتبلغ نسبة الضرائب المفروضة على النزلاء 10 في المئة من إجمالي أجرة الغرفة "خمسة في المئة كضريبة للقيمة المضافة وخمسة في المئة كرسم للبلدية"، وتنخفض تلك النسبة إلى 7.5 في المئة للفنادق فئة ثلاث نجوم.

تراجع قيمة العملة

وأرجع عضو اللجنة العليا للحج والعمرة ناصر ترك، ارتفاع أسعار الحج إلى سعر صرف الجنيه مقابل الريال السعودي الذي قفز 100 في المئة عن العام الماضي بعد تحريك سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار الأميركي وبقية العملات، بالتزامن أيضاً مع صعود مستوى الأسعار في السعودية بشكل عام، مشيراً إلى أن معظم الخدمات المقدمة للحجاج بسعر الريال السعودي.

وهبط الجنيه المصري إلى مستوى قياسي مقابل الريال السعودي في سبتمبر (أيلول) العام الماضي بعدما سجل سعر البيع على شاشات البنك المركزي المصري 5.16 جنيه، في وقت وصل سعر الشراء إلى 5.13 جنيه، بحيث تخطى سعر صرف الريال السعودي حاجز الخمسة جنيهات مصرية للمرة الأولى في تاريخ العملتين في الـ14 من يونيو (حزيران) 2022.

وفي أبريل (نيسان) 2023 تراوح سعر صرف الجنيه المصري أمام الريال السعودي ما بين 8.2222 جنيه إلى 8.2486 جنيه للريال الواحد وفقاً للسعر المعلن من قبل البنك المركزي المصري.

أنواع رحلات الحج

وفي مصر تتنوع تسميات رحلات الحج وفقاً للجهة المسؤولة عن السفر، حيث توجد خمسة أنواع مختلفة من رحلات الحج وفقاً لنص المادة الأولى من قانون إنشاء البوابة المصرية للحج، فتأتي في المقدمة رحلات "حج القرعة" التي تنظمها وزارة الداخلية من خلال الجهات والأقسام التابعة لها.

يأتي في المرتبة الثانية "الحج السياحي" ويشمل الحج "البري/ الاقتصادي" وتنظمه وزارة السياحة من خلال الشركات السياحية المسجلة لديها، فيما تتولى وزارة التضامن الاجتماعي من خلال المؤسسة القومية لتيسير الحج إجراءات ما يعرف بحج "الجمعيات" كنوع ثالث من تلك الرحلات، وفي المستوى الرابع يأتي حج "الهيئات وجهات الدولة" وتنظمه هيئات وجهات متعددة في الدولة من خلال التأشيرات التي تمنح لها، وفي المستوى الخامس حج "الفرادى" وهو الذي يحصل فيه المصري على تأشيرة حج خارج الحصة الرسمية المقررة للدولة.

واعتمد وزير السياحة والآثار المصري أحمد عيسى، الضوابط المنظمة للحج السياحي للعام الحالي والموضوعة من قبل اللجنة العليا للعمرة والحج، حيث تم تخصيص النسبة الأكبر للتأشيرات للحج الاقتصادي بنسبة 50 في المئة وعددها 8 آلاف تأشيرة وتخصيص 25 في المئة للخمس نجوم وعددها 4 آلاف تأشيرة و25 في المئة للحج البري وعددها 4 آلاف تأشيرة.