ملخص
مع إغلاق مطار الخرطوم، هرب عشرات الآلاف براً إلى مناطق أكثر أمناً خارج العاصمة وعبر حدود البلاد
بعد أن نامت أسبوعاً في ظل شجرة بفناء مسجد في مدينة وادي حلفا السودانية، استبدت الحيرة بداليا حسن فهي إما أن تعبر الحدود إلى مصر أو تنتظر إلى أن يحصل ابنها البالغ من العمر 18 سنة على تأشيرة.
وعلى مقربة من المدينة الحارة الصحراوية الترابية ثمة عائلة تشمل ثلاث شقيقات حوامل وجدة تتنفس بواسطة أسطوانة أوكسجين، ويتبادلن جميعاً الأدوار للنوم على أسرة مستأجرة لحين حصول محمد البالغ من العمر 16 سنة على تأشيرة مصرية.
فوسط أمواج النزوح بسبب الحرب في السودان، فر كثيرون من ميسوري الحال السودانيين من العاصمة الخرطوم وانطلقوا في رحلة مكلفة وشاقة على الطريق إلى الحدود مع مصر التي تبعد 720 كيلومتراً إلى الشمال، وفقاً لوكالة "رويترز".
لائحة مصرية
وعلى رغم أنه يمكن للنساء والأطفال وكبار السن دخول مصر بحرية، وإن كان ذلك يحدث كثيراً بعد الانتظار لأيام في ظل ظروف صعبة على الحدود المكدسة، فإنه يتعين على الشباب السودانيين الذين تتراوح أعمارهم من 16 إلى 50 سنة التقدم بطلب تأشيرة.
وأدت هذه اللائحة إلى حال من الازدحام في وادي حلفا التي تبعد 25 كيلومتراً جنوب الحدود وتوجد فيها قنصلية مصرية، حيث يتكدس رجال أعمال وأطباء وسودانيون آخرون ميسورو الحال في الفنادق والمدارس والمستشفيات، بل ويمتد الأمر إلى الشوارع.
وقالت داليا البالغة من العمر 40 سنة التي سافرت مع ابنها من حي كافوري الراقي على الجهة المقابلة لوسط الخرطوم عبر النيل الأزرق "كنا بنعيش في منازلنا كويسين شوفي أصبحنا كيف الآن؟"
وأضافت "لو ما أخد التأشيرة بنسيبه ونسافر بس كيف أترك ولد عمره 18 ما عمره سافر لوحده؟!"
تعزيزات دبلوماسية
عبدالقادر عبدالله قنصل السودان في مدينة أسوان المصرية، قال في تصريحات له الأحد، إن ستة آلاف جواز سفر كانت بانتظار التأشيرات في وادي حلفا حتى خمسة أيام مضت، لكن وزارة الخارجية المصرية أرسلت تعزيزات لتسريع الإجراءات.
أما الخارجية المصرية، فقد أكدت الأسبوع الماضي رداً على أسئلة بشأن المعابر الحدودية، أن السلطات تعمل على تسهيل إجلاء أبناء جميع الجنسيات من السودان منذ اندلاع القتال وكذلك تقديم الرعاية لمن يعبرون الحدود.
انعدام القانون
تحول صراع على السلطة في الخرطوم بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، إلى اشتباكات في 15 أبريل (نيسان) الماضي، وينذر بجر البلاد إلى أتون حرب أهلية طويلة وأزمة إنسانية طاحنة.
وأسفر الصراع عن اضطرابات جديدة في إقليم دارفور غرب السودان، الذي لم ينته قط، بل تفاقم بعد عام 2003، وأثار اشتباكات وهجمات في السودان البالغ عدد سكانه 46 مليون نسمة.
لكن أغلب القتال يتركز في الخرطوم ومدينتي بحري وأم درمان المجاورتين لها وجميعها مناطق لم تصلها نيران حروب السودان السابقة التي شنها الجيش والمتحالفون معه في مناطق نائية.
ويحتمي ملايين السكان في منازلهم منذ ثلاثة أسابيع خوفاً من الضربات الجوية ومعارك المدفعية والنهب وانعدام القانون، وحُرم كثيرون من الكهرباء والماء ويتكبدون العناء للحصول على إمدادات الغذاء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومع إغلاق مطار الخرطوم، هرب عشرات الآلاف براً إلى مناطق أكثر أمناً خارج العاصمة وعبر حدود البلاد.
وتشير الأرقام الحكومية إلى أن ما لا يقل عن 64 ألفاً عبروا الحدود إلى مصر التي تستضيف بالفعل ما يقدر بأربعة ملايين سوداني ويوجد لعائلات كثيرة معارف فيها.
ولتحقيق ذلك يتكدس السودانيون في حافلات وشاحنات ويدفع كل منهم ما يصل إلى 500 دولار للانتقال إلى موقعين حدوديين هما أرقين إلى الغرب من بحيرة النوبة وقسطل شمال وادي حلفا ثم إلى مصر.
وأصبحت المدينة المنخفضة الهادئة منطقة انتظار شاسعة لرجال بالغين ينشدون التأشيرة وعائلات لا ترغب في الانفصال عن ذوي القربى.
رصاص طائش
لم يستوعب كثيرون بعد صدمة القتال الذي دفعهم لترك ديارهم، حيث قالت دانيا النصري (28 سنة) التي تدرس للحصول على درجة الدكتوراه في الهندسة من لندن، إنها قضت 20 ساعة تحت السرير في خوف قبل أن تغادر منزلها في كافوري يوم 30 أبريل الماضي.
وأضافت "كنا ما بنعرف ننام خالص! خالص! في يوم نمت نص ساعة قمت بفزع على صوت انفجار كبير. حصل لي هلع شديد لما صحيت ولقيت نفسي بزحف وأفكر أنا ميتة؟"
واخترق الرصاص جدران المبنى الذي تعيش فيه، والذي كانت فيه 11 من بين 12 شقة خاوية عندما رحلت عنه، وتوقفت دانيا في نقاط تفتيش تابعة لقوات الدعم السريع ثلاث مرات، وقالت إنها نجت بأعجوبة من تبادل لإطلاق النار.
وعندما وصلت إلى وادي حلفا أنزلها سائق الحافلة الذي وعد بتوصيلها إلى مصر مع عائلتها وطلب مزيداً من المال.
وقالت دانيا التي كانت تعتزم العودة إلى لندن في نهاية الشهر لاستكمال دراستها قبل أن تندلع الحرب "احنا عندنا سيارات وبنعيش في أحياء كويسة.. في ناس ما يستطيعوا يخرجوا. ليه الناس تموت لأن مفيش معاهم كاش؟"
وترك بعض من يستطيعون الهرب منازلهم وممتلكاتهم فريسة للصوص.
وكان خالد إبراهيم، وهو رجل أعمال في الثلاثينيات من العمر في وادي حلفا بالفعل، عندما شاهد على شاشة هاتفه المحمول لقطات لكاميرا أمنية في منزله بأم درمان تظهر مقاتلين يعيثون فساداً في الداخل فيطلقون النار على أقفال الأبواب ويحرقون شيكات بملايين الجنيهات السودانية.
وعاد إبراهيم لجلب بعض الأمتعة ووجد كلبه مقتولاً بالرصاص، ثم رجع إلى وادي حلفا للتقدم بطلب تأشيرة، لكن قيل له إن عليه الانتظار لذا أرسل والديه كبيري السن إلى مصر بمفردهما.
وقال وهو يقتل الوقت في مقهى على الجانب الآخر من الشارع حيث مكتب الجوازات السوداني الذي يستلم الوثائق ويسلمها للقنصلية المصرية للنظر فيها "كيف بيعيشوا وكيف بيتصرفوا في المعيشة من غيري؟".