ملخص
على المستوى العربي لا تزال الآليات الخاصة بحماية ضحايا التشهير تحتاج إلى إعادة نظر من جانب المشرعين للحد من آثار تلك الجريمة
في منتصف أبريل (نيسان) الماضي سلط جاستن نلسون محامي شركة دومينيون التي أشرفت على عمليات فرز وعد الأصوات في الانتخابات الرئاسية الأميركية 2020، الضوء على الأضرار التي تعرضت لها الشركة جراء عملية تشهير قادها رئيس الولايات المتحدة السابق دونالد ترمب وعدد من أعضاء حملته الانتخابية.
عاد نلسون بذاكرته نحو عامين إلى الوراء قائلاً "انتشرت الأكاذيب في أنحاء الولايات المتحدة بخصوص مسؤولي الانتخابات ودومينيون، ووجدنا أنفسنا في عالم مبني على نظريات المؤامرة، مما ألحق خسائر هائلة للبلاد بأسرها".
تلك التصريحات جاءت على خلفية موافقة "فوكس نيوز" دفع مبلغ يتجاوز 787 مليون دولار لتسوية دعوى التشهير التي رفعتها دومينيون والتي أشارت في أوراقها إلى أن الأعمال التجارية للشركة تأثرت بتلك الادعاءات الكاذبة.
وعلى رغم تأثر شبكة "فوكس نيوز" بتلك التسوية الخيالية، لكنها جنبتها إمكانية مثول قيادات وشخصيات شهيرة فيها مثل روبرت مردوخ أمام المحكمة للإدلاء بشهادتهم. كما أفرزت تلك القضية نقاشات جادة حول المعايير التي تتخذها الدول لإثبات وقائع التشهير وما تعتمده من أساليب لمساعدة الضحايا.
من جهته يرى أستاذ قسم الجريمة في المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية في مصر فتحي قناوي أن قيمة تلك التسوية تتناسب مع التأثير السيئ للادعاءات التي بثتها "فوكس نيوز" حول تزوير الانتخابات الأميركية في المجتمع ككل، وقال لـ"اندبندنت عربية" إن الآليات المتقدمة التي تستخدمها الولايات المتحدة وغيرها من الدول في سبيل الوصول إلى الحقائق بطرق سريعة تجعل من القضاء ملاذاً مناسباً لضحايا التشهير.
أما مستشار القانون الدولي كمال يونس، فيرى أن مبلغ التسوية ليس ضخماً كما يعتقد بعضهم، محملاً المشرع العربي الأسباب وراء عدم تمتع قضايا التشهير بمثل ذلك الزخم، ومرجعاً ذلك إلى أنه لم يترك المسألة مطلقة للقضاة، واقترح تغليظ العقوبات في البلدان العربية لتكون رادعة لكل من يستخدم التشهير وسيلة غير مشروعة للوصول إلى مكاسب معينة.
أشهر قضايا التشهير في العالم
شهدت ساحات القضاء الأميركي في يوليو (تموز) من العام الماضي واحدة من قضايا التشهير الأكثر إثارة، انتصر فيها جوني ديب في مواجهة زوجته السابقة آمبر هيرد، فرأت هيئة المحلفين أنها تعمدت تشويه سمعة ديب من خلال الادعاء بأنه اعتدى عليها خلال علاقتهما، معتبرة أن مزاعم هيرد لا يمكن إثباتها. فلم يكن من هيئة المحلفين سوى الإقرار بمنح ديب تعويضاً قدره 15 مليون دولار، خفضته القاضية إلى 10.35 مليون دولار التزاماً بالحد الأقصى الذي تحدده الولاية للتعويض عن الضرر.
كما تعد قضية ميغان ماركل دوقة ساسكس ضمن قضايا التشهير المؤثرة، إذ حققت ماركل فيها انتصاراً قضائياً لافتاً في دعوى التشهير التي أقامتها أختها غير الشقيقة سامانثا ماركل تحت مزاعم تشويه السمعة ونشر تصريحات كاذبة وخبيثة عنها، لكن قاضية فلوريدا اعتبرت تصريحات ميغان تعبيراً عن رأيها الخاص ولا يمكن إثبات أنها كاذبة. ووجدت المحكمة أيضاً أن أقوال المدعى عليها لا يمكن التحقق من موضوعيتها.
وضجت المحاكم الأميركية بعدد من قضايا التشهير الكبرى، على غرار قضية أليكس جونز الذي وصف مذبحة مدرسة ساندي هوك التي خلفت 26 قتيلاً ما بين طلاب ومعلمين بأنها مجرد خدعة لاستهداف صناعة الأسلحة. وأمرت هيئة المحلفين صاحب نظرية المؤامرة أليكس جونز بدفع 965 مليون دولار كتعويض لأسر ضحايا الحادثة.
وتعد إنجلترا من الدول التي أفردت قانوناً خاصاً للتشهير، وهو قانون القذف الإنجليزي لعام 1952 والمعدل بموجب قانون 1996 الذي أنشئ للدفاع عن ضحايا التشهير من خلال توفير تعويضات عن التشهير بهم بعبارات غير صحيحة تحط من سمعتهم في نظر الآخرين.
انتهاك خصوصية دوقة كامبريدج
في سبتمبر (أيلول) 2012 سلطت وسائل الإعلام العالمية الضوء على قضية دوقة كامبريدج كيت ميدلتون والأمير ويليام التي كانت محط اهتمام شعبي واسع في تلك الأثناء، وحكم في تلك القضية بتعويض قدره 100 ألف يورو لنشر مجلة فرنسية صوراً للدوقة وهي عارية الصدر. وقالت المحكمة إن الصور التي التقطت للزوجين أثناء قضاء عطلة في منطقة بروفنس الفرنسية تعد تدخلاً في خصوصيتهما. كما حكم القاضي بتغريم محرر ومالك مجلة " كلوزير" الفرنسية بدفع 45 ألف يورو وهو الحد الأقصى المسموح به للغرامة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولم يكن الذكاء الاصطناعي بمنأى عن ساحات القضاء في ما يتعلق بقضايا التشهير، ففي واحدة من أغرب الدعاوى أعد العمدة الأسترالي بريان هود الذي انتخب رئيساً لبلدية هيبورن شاير، في شأن محتوى "تشات جي بي تي"، بعد أن فوجئ بأن المعلومات التي يوفرها التطبيق عنه تشير إلى اتهامه بقضية تزوير، وهو الأمر الذي يضع "تشات جي بي تي" في موضع المتهم.
وقال جيمس نوتن، الشريك في شركة "غوردون ليغال" القانونية التابعة لهود، "من المحتمل أن تكون لحظة تاريخية بمعنى أنها تطبق قانون التشهير هذا على ركن جديد من الذكاء الاصطناعي والنشر في مجال تكنولوجيا المعلومات".
من يحمي الضحايا العرب؟
على المستوى العربي لا تزال الآليات الخاصة بحماية ضحايا التشهير تحتاج إلى إعادة نظر من جانب المشرعين للحد من آثار تلك الجريمة. تشير دراسة للباحث الأردني زياد محمد فالح بشابشة إلى عدم ملاءمة القواعد القانونية لحماية سمعة الإنسان ضد التشهير على الصعيدين الجنائي والمدني، معتبراً أن العقوبات المتمثلة في الحبس أو الغرامة لا تكون رادعة بحق المدانين، مقدماً اقتراحاً بتوحيد النصوص القانونية التي تعاقب على جرائم الذم والقدح وحصرها في قانون العقوبات وإلغائها من القوانين الأخرى.
يؤكد المحامي الأردني المتخصص في القضايا الجزائية والجنائية محمد النبهان أن التشهير في الوطن العربي غير موجود بهذا الوصف، لكنه يدخل في إطار السب والشتم والتحقير الغيابي، مشيراً إلى أن التعويضات تكون مبنية على الألم النفسي الذي يصيب الشخص المتضرر، ويحدد من قبل خبير مختص يتولى مهمة تقدير قيمة التعويض المترتبة على الألم النفسي الواقع على ضحايا التشهير، ومعتبراً أن القوانين العربية تتيح الحصول على تعويضات، لكنها ليست قضية مفضلة في الدول العربية.
ويقترح عبدالفتاح يحيى المحامي بمحكمة النقض، مدير الوحدة القانونية بمؤسسة قضايا المرأة المصرية، إنشاء وحدات مؤهلة ومدربة لتلقي دعاوى التشهير وتأسيس نيابات ومحاكم متخصصة داخل أقسام الشرطة من أجل بناء منظومة عدالة في البلدان العربية مهتمة بقضايا النوع الاجتماعي، وأوضح أن التشريعات المتعلقة بقضايا التشهير متوافرة في البلدان العربية، لكنها تحتاج إلى التفعيل برفع الحد الأقصى للتعويضات المدنية.
كما اقترحت دراسة صادرة عن كلية القانون والعلوم السياسية بجامعة كركوك اشترك في إعدادها أستاذ القانون الجنائي المساعد نوزتاد الشواني ومدرس القانون الجنائي المساعد كشاو معروف، ضرورة تخصيص شرطة خاصة لمكافحة الجرائم المعلوماتية وذلك من خلال رجال الشرطة المدربين على كيفية التعامل مع الأجهزة التقنية الحديثة وتدريب رجال الادعاء العام والسلطات التحقيقية والقضاء على أحدث التقنيات.
كيف ينظر العالم إلى التشهير؟
يشير تقرير بعنوان "سوء استخدام النظام القضائي للهجوم على حرية التعبير" إلى قدرة قوانين التشهير على حماية السمعة من الضرر شريطة تحقيق توازن مناسب بين هذا الهدف ودعم حرية التعبير. وبحسب تقرير لـ"يونيسكو" فإن التعامل الجنائي وفرض تعويضات مرهقة ربما يدفعان إلى اتخاذ تدابير غير متناسبة لمعالجة الأضرار الناجمة عن قضايا التشهير، مستثنياً بعض الحالات منها حماية حقوق الآخرين وسمعتهم والمسائل المتعلقة بالأمن القومي والنظام العام.
وظهرت محاولات فقهية عدة لتحديد المقصود بالتشهير، عرفته على أنه نشر أقوال في حق شخص آخر يكون من شأنها الإضرار بسمعته أو التقليل من مكانته في مجتمعه بحيث تجعل الناس يبتعدون عنه أو يتجنبونه.