ملخص
كثير من الشركات الغربية بدأت، أخيراً، تعيد النظر في نشاطاتها بالصين، سواء نتيجة القيود والعقوبات الأميركية على بكين، أو إجراءات رد الفعل الصينية التي تزيد القيود على نشاطات الشركات الأجنبية فيها
كثفت وسائل الإعلام الرسمية الصينية من نشر تفاصيل التحقيقات التي تجريها السلطات في شأن نشاط شركات استشارات وأبحاث غربية أو محلية تعمل لصالح شركات غربية. وبحسب التقارير الإعلامية فإن خلفية التحقيقات تتعلق بتسريب "معلومات حساسة" لجهات أجنبية، أي التجسس.
وركزت الحملة على أن أجهزة الأمن الصينية المختلفة تشارك في التحقيقات على مستوى البلاد لضمان أن قطاع الاستشارات والبحوث الاقتصادية، الذي توسع في السنوات الأخيرة لخدمة الأعمال الغربية في البلاد، "لا يستخدم لأغراض التجسس".
وقال التلفزيون الرسمي الصيني وعدد من منافذ الإعلام الأخرى، إن شركات الاستشارات المدفوعة بتحقيق الربح فقط ليس لديها الوعي الكافي أحياناً بأهمية الأمن القومي للبلاد في ظل الضغوط الغربية على الصين.
وأشارت إلى أن تلك الشركات غالباً ما تتصرف في منطقة رمادية من الناحية القانونية بجمع المعلومات عن قطاعات حساسة مثل الصناعات العسكرية والدفاعية وبعض قطاعات الاقتصاد والمالية.
وذكر التلفزيون الرسمي أن "بعض الاستشاريين" في الصين أضروا بالفعل بالأمن القومي بما جعلهم متورطين مع الغرب في "التجسس وشراء وإفشاء أسرار الدولة والاستخبارات".
وشهد قطاع الاستشارات والبحوث الاقتصادية، التي تخدم عمليات "الفحص النافي للجهالة"، نمواً كبيراً في السنوات الأخيرة مع زيادة عمليات الاندماج والاستحواذ للشركات، وأيضاً تأسيس سلاسل التوريد بخاصة للشركات الغربية في الصين.
وافتتحت أغلب شركات الاستشارات العالمية الكبرى نشاطاً لها في الصين، إما عبر شركات مسجلة محلياً ومرتبطة بتلك الشركات العالمية تماماً أو بالتعاقد مع شركات محلية تأسست لغرض خدمة عملائها الغربيين.
رد فعل صيني
أصبحت تلك الصناعة التي تعتمد على الأبحاث والمعلومات هدفاً للسلطات الصينية، أخيراً، بخاصة مع الإجراءات التي تتخذها الولايات المتحدة والغرب ضد الصين، وبدأت بكين في مواجهة جهود جمع المعلومات من قبل شركات الاستشارات تلك بفرض مزيد من القيود الحكومية على الإفصاح عن المعلومات المختلفة، وعلى النشاطات الرقمية بغرض "حماية الأمن القومي".
وداهمت الشرطة الصينية مقار عدد من الشركات، وفي بعض الحالات تم اعتقال موظفيها. ويعرب المديرون عن قلقهم من تلك الاتهامات التي يعتبرونها ضارة بجهود الصين لجذب الاستثمارات الأجنبية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وطالما اعتمد التوسع في النشاط الاقتصادي في الصين على استثمارات الشركات العالمية الكبرى فيها، وكان ذلك عماد مستويات النمو العالية للناتج المحلي الاجمالي، الذي تجاوز سنوياً نسبة 10 في المئة قبل أزمة وباء كورونا. وهو ما جعل الاقتصاد الصيني يصل إلى مرتبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة.
وتستخدم الشركات الكبرى شركات الأبحاث والاستشارات العاملة في الصين لجمع المعلومات، في الأغلب كما تقول للتأكد من أن نشاطها هناك يتسق مع القوانين ولوائح الأعمال الرسمية الأميركية والغربية. إلا أن التوسع في الإجراءات الأميركية والغربية ضد الصين ربما دفعها لرد الفعل باستهداف أي نشاط لجمع المعلومات لصالح الشركات والحكومات الغربية. فقد صعدت الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية إجراءات حظر تصدير التكنولوجيا للصين، بخاصة تكنولوجيا أشباه الموصلات. كما حظرت أميركا وغيرها من الدول بعض منتجات التكنولوجيا الصينية، مثل تطبيق "تيك توك" بدعوى التجسس أيضاً. وكذلك فرضت الولايات المتحدة قيوداً على استثمار شركاتها أو الشركات التي تتعامل مع أميركا في مناطق معينة بالصين تحت مبرر احتمال انتهاك حقوق العمالة فيها.
اتهامات واسعة
كانت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية ذكرت في تقرير لها، الشهر الماضي، أن الشرطة الصينية داهمت إحدى شركات أبحاث المعلومات (كاب فيجن)، واستجوبت العاملين فيها في شأن "الخبراء" الصينيين الذين تستعين بهم الشركة في أبحاثها وجمع معلوماتها. وتعمل الشركة في مجال استشارات الترويج، حيث يدفع عملاؤها مقابل تعريفهم بالشخصيات المهمة في القطاعات الصناعية والاقتصادية التي تعنيهم.
كما تأتي الحملة الإعلامية بعد مداهمة السلطات الصينية لمكاتب "مينتس غروب" في بكين، وهي شركة أميركية متخصصة في الفحص النافي للجهالة، واعتقلت بعض موظفيها المحليين في مارس (آذار) الماضي. كذلك أعلنت الحكومة اليابانية أيضاً من قبل أن عدداً من المواطنين اليابانيين الذين كانوا في الصين لغرض الأعمال اعتقلوا ضمن تحقيقات في اتهامات بالتجسس.
وذكر التلفزيون الرسمي في برنامجه أن الحكومة الصينية تشجع نشاط شركات الاستشارات والأبحاث بهدف تنشيط التجارة بشكل عام. لكن النشاطات التي تتجاوز ذلك تضر بالأمن القومي. وكانت شركة "كاب فيجن" تعمل ضمن تعاقدات مختلفة لعدد من المشروعات التي تخص حكومات أجنبية.
تفصيل غير معهود
تضمن البرنامج الذي بثه التلفزيون الصيني الرسمي هذا الأسبوع توسعاً في التفاصيل حول تلك الاتهامات والتحقيقات غير معهود في الإعلام الصيني. وهذا ما جعل بعضهم في الغرب، كما أشارت "وول ستريت جورنال"، الثلاثاء، يعتبرونها رسالة إعلامية عن موقف رسمي صيني.
وركز التقرير على شركة "كاب فيجن" التي تتخذ من شنغهاي ونيويورك مقرين لها. وعدد البرنامج نشاطات الشركة التي تتعارض مع حماية الأمن القومي للبلاد، مضيفاً أن "الإجراءات القانونية" تتخذ بحق الشركة والعاملين فيها، من دون توضيح لتلك الإجراءات.
وذكر البرنامج أن الشركة ذات الارتباطات بالحكومات الأجنبية تحصل من الخبراء العاملين معها على معلومات حول قطاعات الدفاع والطاقة والتكنولوجيا المتقدمة. ونقل التلفزيون عن باحث سابق في شركة حكومية كبرى لم يحددها، وهو معتقل حالياً، قوله إن "كاب فيجن" شجعته على تقديم معلومات حول نشاط الشركة التي كان يعمل بها وذلك بدفع المال له. كما نقل البرنامج عن مسؤول في وكالة الأمن القومي بشنغهاي قوله، إن بعض "الخبراء" الذين تستعين بهم شركات الأبحاث والاستشارات "قاموا بتسريب معلومات سرية حساسة، وحتى بعض أسرار الدولة" لعملاء الشركة الأجانب.
يذكر أن كثيراً من الشركات الغربية، بخاصة الأميركية، بدأت، أخيراً، تعيد النظر في نشاطاتها بالصين، سواء نتيجة القيود والعقوبات الأميركية على بكين، أو إجراءات رد الفعل الصينية التي تزيد القيود على نشاطات الشركات الأجنبية فيها.