تجددت الاشتباكات في محافظة البصرة العراقية مساء الجمعة، 18 يناير (كانون الثاني)، بين متظاهرين وعناصر الشرطة التي حاولت تفريقهم بواسطة القنابل المسيلة للدموع والرصاص الحي في الهواء، بعدما أحرقوا مقراً للشرطة المحلية في شارع الجبيلة.
وخرج عشرات الشبان قرب مجلس المحافظة رافعين شعارات تطالب بإقالة المحافظ بسبب ملفات فساد وسوء الخدمات، إضافة إلى مطالبتهم بحل المجلس البلدي وإطلاق سراح محتجين وناشطين كانت قوات الأمن قد قبضت عليهم قبل أيام بتهمة التحريض.
مكتب المفوضية العليا لحقوق الإنسان في البصرة حذر من تفاقم الأوضاع مع نقض الحكومة المحلية وعودها في ما يتصل بإيجاد فرص العمل وتحسين الواقع الخدمي.
وعبّرت "تنسيقية التظاهر والاحتجاجات" في البصرة عن رفضها أسلوب فض الاعتصامات من جانب القوات الأمنية، مؤكدة حدوث تجاوز واعتداء بحق المتظاهرين.
تاريخ التظاهرات في محافظة البصرة
منذ التاسع من شهر يوليو (تموز) الماضي لم تتوقف الاحتجاجات الشعبية شبه الأسبوعية في المحافظة الجنوبية، وتخللتها محطات تصعيدية كإحراق القنصلية الإيرانية في المحافظة ومقارّ الأحزاب المتنفذة، ومقتل وإصابة عدد من المتظاهرين واعتقال العشرات.
تاريخ البصرة مع التحركات الاحتجاجية الحديثة يعود إلى عام 2015 حين رفع أبناؤها الشعارات نفسها بالتزامن مع التحركات الكبيرة التي شهدتها العاصمة العراقية بغداد.
خلفية التظاهرات اجتماعية ذات أبعاد سياسية
ما يطالب به المتظاهرون في البصرة واضح، وهو يأتي في خانة تحسين الخدمات الأساسية كالماء والكهرباء ووقف الفساد، وصولاً إلى توفير فرص عمل لأبناء المحافظة التي تعتبر العاصمة الاقتصادية للعراق.
في هذا الإطار كشف رئيس مجلس عشائر البصرة رائد الفريجي أن مسؤولين متنفذين في المحافظة استولوا أخيراً على 400 فرصة عمل من أصل 900 كانت أقرتها الحكومة المركزية.
في المقابل، يقول البعض كلاماً مغايراً مفاده أن خلفيات أعمق من الوضع المعيشي هي ما يساهم فعلياً في تحريك التحركات في هذه المحافظة الجنوبية التي تضم الثقل الشيعي في العراق من حيث التعداد السكاني.
هنا تعتبر هذه التطورات ورقة ضغط كبيرة على رئيس الحكومة عادل عبد المهدي، الذي لم ينجح حتى الساعة في حل الخلافات القائمة للتصويت على منح الثقة لثلاثة من وزراء حكومته في البرلمان.
والفرق الأكبر في مطالب المتظاهرين هو أنهم يرفضون تماماً النفوذ الإيراني والتدخل بالمصالح العراقية، وهي الأزمة التي لم ينجح رئيس الحكومة السابق حيدر العبادي في حسمها خلال فترة حكمه. وهذا ما أسهم في خسارته الولاية الثانية.
العقدة الثانية التي تواجه عبد المهدي في حل أزمة البصرة هي سيطرة العشائر والميليشيات المتنفذة على المرافق الاقتصادية في المحافظة والمنافسة الكبيرة بينها، أبرزها منظمة بدر، وتيار الحكمة، وعصائب أهل الحق، والتيار الصدري، وغيرها.
هنا، تقول أوساط عراقية مقرّبة من عبد المهدي في تصريحات صحافية إن ارتفاع وتيرة هذه التحركات في الفترة الاخيرة تزامناً مع الجهود لإنهاء التشكيلة الحكومية، يصبّ في خانة إفشال مساعيه واطاحته.
الأهمية الاقتصادية للبصرة
ترتبط الأحداث الأخيرة في محافظة البصرة ارتباطاً وثيقاً بأهميتها وبالموقع الذي تشغله على خريطة العراق الاقتصادية والسياسية، حتى الجغرافية.
فهي ثانية أكبر المحافظات العراقية من حيث عدد السكان ويعيش فيها أكثر من مليوني نسمة، كما تحتوي على مصادر طبيعية كبيرة من ضمنها 10حقول نفطية من أكبر الحقول في البلاد، وتنتج ما لا يقل عن 80 في المئة من نفط العراق.
في هذا السياق، كشفت وزارة النفط العراقية أن صادرات موانئ البصرة في جنوب العراق ارتفعت إلى مستوى قياسي بلغ 3.63 مليون برميل يومياً في شهر (نوفمبر) الماضي.
الأهمية الكبرى الثانية لمحافظة البصرة تكمن في موقعها، فهي المنفذ البحري الوحيد للبلاد على العالم، والمطلّ على الخليج العربي، ومن موانئها، كميناء أم قصر، تحصل عمليات التصدير والاستيراد الرئيسة نحو الداخل والخارج، ناهيك بالحدود البرية التي تربطها بإيران والتي يقع فيها منفذ الشلامجة الحدودي، ومع السعودية والكويت.
وبذلك تعتبر البصرة من أهم محركات الاقتصاد العراقي، إن لم نقل الأهم.