ملخص
تعد إحدى أكثر اللحظات إحباطاً في حياة أي بديل للعرش في تاريخ المملكة المتحدة أو في أي نظام ملكي تقليدي، عندما يدرك فيها أنه لم يعد "البديل" أو الوريث البديهي، بل أحد ورثة العرش الآخرين
أمضى أحد مؤرخي السلالات الملكية في أوروبا وقته طيلة حفل التتويج المعاصر الذي شهدته بريطانيا الأسبوع الفائت، في تحليل لقطات الحشود التي حضرت المناسبة، في محاولة لتحديد ترتيبات الجلوس لناحية هوية الحاضرين، ومن كان يجلس إلى جانب من، وأين؟ وبالأخص صغار أفراد العائلة المالكة والأبناء غير الأبكار على وجه التحديد - الذين ربما منحوا في السابق مواقع جلوس بارزة – ووجدوا أنفسهم في نهاية المطاف في الصف الثالث أو في زاوية ما.
وتعد إحدى أكثر اللحظات إحباطاً في حياة أي وريث للعرش في تاريخ المملكة المتحدة أو في أي نظام ملكي تقليدي، عندما يدرك فيها أنه لم يعد "الوريث المباشر للعرش" بل أحد أولئك "الورثة" الآخرين. ويغص تاريخ الأسر الحاكمة بروايات الأشقاء الملكيين الذين انهارت علاقاتهم الوثيقة بمجرد دفع الشقيق الأصغر بعيداً من دائرة الضوء، بحيث لا يعود له أي وزن سياسي أو اجتماعي بارز.
فالأميرة مارغريت أدركت أنها لم تعد تتبوأ مركز الصدارة بمجرد أن بدأت شقيقتها الكبرى إليزابيث تنجب أطفالاً. وأصبح أعمام الملكة فيكتوريا - بعدما كانوا "التالين في ترتيب العرش" - مهمشين معظم حياتهم بشكل متزايد، عندما بدأت هي أيضاً بإنجاب أطفال.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي عودة إلى التاريخ، فقد كانت للملك الفرنسي لويس الرابع عشر علاقة وثيقة للغاية مع شقيقه الأصغر فيليب، عندما انتقل عمهما غاستون إلى الريف من شدة استيائه (كونه التالي في ترتيب العرش بعد أخيه الأكبر لويس الثالث عشر، وانتقال التاج إلى ابن لويس الثالث عشر الصغير بدلاً منه). لكن هنا أيضاً بمجرد ولادة الابن البكر للملك، أزيح فيليب من دائرة الحكم وانهارت العلاقة بين الشقيقين. وفي الغوص أكثر في الزمن، نقع على عم شديد الانزعاج بالطبع، اختطف ابني أخيه الملكيين وأخفاهما إلى الأبد داخل "برج لندن" [قام ريتشارد الثالث بذلك من أجل الاستيلاء على العرش في عام 1483].
من هنا توجهت الأنظار جميعها في ذلك الصباح نحو النجل الأصغر للملك البريطاني الأمير هاري دوق ساسكس، عندما ظهر لأول مرة ضمن حدث بارز في المملكة المتحدة كجزء من العائلة المالكة الأوسع منذ بث وثائقي عنه على منصة "نتفليكس"، ونشر كتابه "البديل" (سبير) Spare في وقت سابق من هذه السنة. وكما كان متوقعاً، فقد تسلل إلى كاتدرائية "وستمنستر آبي" من دون أن يلاحظه أحد تقريباً مع بقية "القطيع" الملكي، وحوصر بارتياح بين أقرب حليفتين له، أميرتي يورك الشقيقتين بياتريس ويوجيني (ابنتي عمه الأمير أندرو)، ثم غادر على وجه السرعة، فيما كانت الأنظار كلها شاخصةً على العربة الملكية المذهبة وهي تجوب في نهاية الحفل طول شارع "ذا مول" [الذي يمتد من ميدان "ترافلغار سكوير" إلى "قصر باكنغهام"].
ولوحظ بوضوح أيضاً أن هاري لم يظهر أمام الجموع في التحية الجماعية على شرفة "قصر باكنغهام". وفي اللقطات القليلة التي شاهدناه فيها خلال الوقت الذي أمضاه في قداس التتويج، بدا الدوق معزولاً وغير مرتاح. ومن خلال جلوسه في الصف الثالث، كان من المثير للاهتمام حقاً أن نرى دوق غلوستر (الأمير ريتشارد قريب الملكة الراحلة إليزابيث) ودوق كينت (الأمير إدوارد ابن عم الملكة الراحلة) اللذين يتقدم عليهما هاري من خلال ترتيب الأسبقية على وراثة العرش، قد أُجلسا أمامه. لكن ربما في نظام ملكي عصري أكثر تعاطفاً ورعاية، قد يكون تقديم تلك المقاعد للأقارب المسنين لفتة أخلاقية.
أعتقد أنه من قبيل إنصاف الأمير هاري، فقد أسهمت الصحافة في تضخيم دوره كـ "بديل" أكثر بكثير من أي من أسلافه، خصوصاً منذ عام 1997 (عندما توفيت والدته الأميرة ديانا). وقد لعب القصر دوراً في ذلك بالتأكيد طيلة تلك المدة، بعدما رأى أن شعبية هاري يمكن أن تكون مفيدةً للعلاقات العامة (لجهة تعزيز صورة العائلة المالكة).
يكفي تذكر وضع الأجيال السابقة، فعمه الأمير أندرو لم يكن أحد ليقول إنه يتمتع بـ "جحافل" من المعجبين - حتى في أوج شعبيته وشعبية زوجته فيرغي في أواخر الثمانينيات. ويمكن الحديث عن حالة مماثلة للأميرة مارغريت (الشقيقة الصغرى للملكة إليزابيت الثانية) في خمسينيات القرن الماضي، أو عن الشقيقين الأصغرين للملك جورج السادس، دوق غلوستر أو دوق كينت في الثلاثينيات. فقد حظي كل من هؤلاء بلحظته الخاصة، بحيث اضطلعوا بدور مهم في إحداث توازن مع جدية الشقيق الأكبر، الملك. كما أنه في ما يتعلق بدوق كينت، فإن تصوير فيلم درامي عن حياته على الشاشة الكبيرة من شأنه أن يثير بعض الدهشة ... [تم تجريد أندرو من معظم ألقابه وعزله عن واجباته الملكية بسبب صداقته مع الممول الأميركي الراحل جيفري إبستين المدان بجرائم جنسية].
وتتمثل إحدى المشكلات التي تواجه أي عضو من أعضاء العائلة المالكة البريطانية منذ فقدانها السلطة السياسية الفعلية مع بدايات القرن الثامن عشر، أنه ما من دور مجدد يؤديه أي عضو منها باستثناء الملك أو الملكة. حتى وريث العرش نادراً ما كان يكلف بأي مهمة محددة.
وهكذا في "العصر الهانوفري" (من عام 1714 إلى 1901، حكم خلالها البلاد ستة ملوك)، شكل الأبناء فصائل سياسية متنافسة، غالباً في معارضة مباشرة لآبائهم. أو قاموا بإنفاق مبالغ طائلة على فيلات مطلة على البحر، أو لعب الورق والاستمتاع بالثراء. لكن الملكة فيكتوريا والملك ألبرت حرصا على تكليف أبنائهما الصغار القيام بأدوار محددة، وتعيينهم في مناصب في البحرية أو الجيش، وإرسالهم في جولات على المستعمرات البريطانية.
غير أن الكسل والملل طاردا باستمرار عدداً من الأمراء الأصغر سناً، وكانت الفضائح في بعض الأحيان تلحق بهم. فهل يتذكر أي شخص قصة الأمير إيدي ومزاعم تورطه في فضيحة الفتى العامل في رسائل التليغراف في "شارع كليفلاند"؟ (في أواخر عام 1889، كشف تحقيق للشرطة عن أن بيت دعارة للذكور، كان يزود أرستقراطيين بشبان يعملون في مكتب البريد لممارسة الجنس معهم)، أو ما هو أسوأ من ذلك، بأنه كان هو نفسه القاتل المتسلسل "جاك السفاح" Jack the Ripper؟.
من هنا فإنني كما معظم الناس، أتفق مع القائلين بأن التسوية التي تم التوصل إليها بين عائلة ويندسور المتناحرة في ما يتعلق بتتويج تشارلز الثالث كانت جيدة. فهي قامت على أن يأتي هاري إلى لندن، فيما تبقى زوجته ميغان في كاليفورنيا. وقد حققت الغاية المنشودة بإظهار تماسك الأسرة الحاكمة - وهو أمر مهم للغاية بالنسبة إلى الطقوس الملكية كمناسبات التتويج أو الجنازات - فيما أسهمت في المقابل في صب التركيز الإعلامي على الحدث الرئيس لذلك اليوم.
أتمنى أخيراً لدوق ساسكس أن يتلمس طريقه نحو المستقبل - كما فعل دائماً قبله البدلاء السابقون من الأبناء غير الأبكار للملوك - وأن يشق لنفسه ولأسرته مكانة مهمةً ومجزية، سواء في الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة. فهو لديه كثير من النماذج والأمثلة الإيجابية التي يمكنه الاقتداء بها: لا سيما أبناء عمومته من المقربين إلى حد ما، في ملكيات الدانمارك وإسبانيا والسويد، وهم أشقاء غير أبكار انتقلوا بسهولة إلى خارج دائرة الضوء واستطاعوا المضي قدماً في حياتهم الخاصة.
يمكن لهاري أن يختار الاستمرار في أن يكون، إلى حد ما، ممثلاً لعائلة ويندسور في الخارج، أو يمكنه أن يقرر عيش حياة خاصة تماماً، ربما ببساطة أن يكون السيد هاري ساسكس فحسب. ويمكن القول بعبارة أخرى إن هذا الابن الملكي غير البكر، هو أكثر حظاً من أسلافه التاريخيين، الذين لم يكن لديهم حقاً ترف هذا الخيار.
الدكتور جوناثان سبانغلر محاضر في التاريخ في جامعة "مانشيستر متروبوليتان"، تركز أبحاثه على العائلات الملكية والأرستقراطية في أوروبا
© The Independent