ملخص
يقف 500 ألف طالب وطالبة يفترض أن يخضعوا هذا العام لامتحانات الشهادة الثانوية في السودان أمام مصير غامض
يواجه الطلاب في المدارس والجامعات السودانية مصيراً مجهولاً، إذ أثرت الأزمة الحالية والأزمات السابقة بصورة مباشرة على سير العملية التعليمية. فكان تعليق الدراسة وإقفال الجامعات أمراً معتاداً منذ بداية ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018، وذلك بسبب التظاهرات المستمرة وإطلاق النار الذي أدى على مدى خمسة أعوام إلى مقتل مئات الطلاب سواء داخل الحرم المدرسي والجامعي أو خارجه.
ويقف 500 ألف طالب وطالبة يفترض أن يخضعوا هذا العام لامتحانات الشهادة الثانوية، أمام مصير غامض بعد تضرر المدارس في ولاية الخرطوم وتعطل التدريس فيها.
وقال الأستاذ في مدرسة الكلاكلة الجديدة، صابر أحمد سليمان، إن "الحرب حالة كارثية لا مثيل لها، وحتى كوارث الطبيعة يمكن تفاديها ومعالجتها وغالباً ما تكون محدودة المكان والزمان لكن الحرب هي أعظم مصائبنا وتتبعها الفوضى وتغيير كل النظم التي وُضعت منذ عشرات السنين والتي ظلت محفوظة للجميع".
وفي ما يتعلق بالسلبيات التي نتجت من الأزمة قال سليمان، إن "الضرر الذي أصاب التعليم والطلاب كبير ومؤثر جداً وشكّل ضربة كبرى وموجعة للطلاب والمعلمين ولخطط الوزارة لإكمال العام الدراسي في مختلف المراحل وعلى مستوى الشهادة الثانوية أو شهادة الابتدائي وذلك لأن ولايات عدة علّقت الدراسة وأوقفت المدارس وكذلك الجامعات والتي يقع أغلبها في ولاية الخرطوم حيث تدور رحى الحرب الضروس".
وتابع سليمان، "الوزارة تجاوزت الوقت المسموح به لإجراء امتحان الشهادة قبل حلول فصل الخريف، الذي يؤثر في إجراء الامتحان في أكثر من 90 في المئة من السودان لأن هطول الأمطار أو الأعاصير يمكنها أن تجعل العملية مستحيلة، وهنا تصبح المعالجات معقدة وقاسية وربما تؤثر في نزاهة الامتحان وسريته وقوانينه".
وعن جهود الوزارة لحل الأزمة، ذكر سليمان، "أتوقع أن تمدد الوزارة أجل الامتحان إلى سبتمبر (أيلول) الأمر الذي ينطوي أيضاً على مغامرة كبرى لأنه يقع ضمن الشهور المطيرة. ومن جانب آخر فإن التعجيل بعقد الامتحانات في 10 يونيو (حزيران) المقبل غير واردة لعدم استقرار الوضع وضعف الجاهزية الأكاديمية والنفسية للطلاب وأسرهم فقد تسببت الأزمة العسكرية الراهنة في إهمال الجميع، أسر وطلاب ومعلمين للمستقبل الأكاديمي لهؤلاء التلاميذ".
الامتحان في موعده
وعلى رغم الحالة الحرجة التي تمر بها البلاد، وإطلاق النار المستمر، إلا أن المسؤولين يؤكدون إجراء امتحان الشهادة الثانوية في موعده، فبحسب مدير التعليم الثانوي بوزارة التربية والتعليم عبد الكريم حسن، "الحرب لن تؤثر في إجراء امتحانات الشهادة الثانوية بموعدها في العاشر من يونيو"، مؤكداً في الوقت نفسه أن "أكثر من 500 ألف طالب سيخضعون للامتحانات ولا نعلم حتى الآن عدد المدارس المتضررة".
ووافقه الرأي مدير الإدارة العامة للتعليم لمرحلة الأساس بولاية الخرطوم، محمد البشير، مؤكداً أن "امتحانات التعليم الأساسي ستكون قائمة في موعدها وهي في الأسبوع الأول من الشهر المقبل". وفي سياق متصل، قالت منظمة اليونيسف أن "7 ملايين طفل سوداني بحاجة إلى تعليم منتظم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
اعتراض تام
وفي وقت تعاني المدارس والمؤسسات التعليمية انهياراً تاماً، مع ظروف نفسية قاسية يواجهها الطلاب وأسرهم، قد يشكل إجراء الامتحانات في مواعيدها صدمة لهم.
وقال الخبير التربوي ناصر موسى إن "إجراء الامتحانات لكل المراحل في مواعيدها أمر غير مقبول وغير منطقي وذلك نظراً للظروف التي تمر بها البلاد، بخاصة أن إطلاق النار ما زال مستمراً مما يشكل خطراً على الطلاب الذين يتوجهون إلى المدارس. ومع عدم استقرار الوضع الأمني نلاحظ إغلاق الطرق مما يصعب عملية التنقل داخل العاصمة، وسفر أغلب الأسر إلى خارج البلاد وإلى الولايات المختلفة".
ومن الناحية النفسية يقول موسى، "حتى وإن استقرت الأوضاع الأمنية، فإن استقرار الأوضاع النفسية للطلاب وأسرهم أمر ضروري، خصوصاً وأن فترة الأزمة نتجت منها معاناة نفسية كبيرة وعدم استقرار في كل نواحي الحياة، لذلك قد يؤدي هذا لنتيجة غير متوقعة ومتدنية في حال استمرار الحرب وعدم تأجيل الامتحانات لفترة كافية، كما سنلاحظ تغيب المئات وربما آلاف الطلاب عن الامتحانات لظروف مختلفة سواء كانت مادية أو نفسية وغيرها".
مصير مجهول
وظل الطلاب الجامعيون في السودان يعانون من مصير مجهول منذ سنوات طويلة، حيث أدى الإغلاق المستمر للجامعات إلى تأخر آلاف الطلاب وعدم تخرجهم في الوقت المحدد. وفي حين كان يتخرج الطالب من الجامعة خلال أربع سنوات، أصبح يستغرق ست سنوات ليتخرج وأحياناً أكثر من ذلك.
وأسفرت هذه العقبات التي يواجهها الطلاب عن مشكلات عدة، فقالت المختصة النفسية علا قاسم إن "دراسة المرحلة الجامعية في السودان أصبحت تشكل كابوساً للطلاب الذين يعانون من إغلاق الجامعات لشهور طويلة وفي فترات متقطعة مما جعل العام الدراسي الواحد يساوي في أحيان كثيرة ثلاثة أعوام، مما جعل عدداً من الطلاب يتركون الدراسة ويتجهون إلى العمل في وظائف هامشية. وفي ظل التعسر الدراسي وعدم إحراز نتائج جيدة بسبب انقطاع الدراسة لفترات طويلة وإصابة الطالب بإحباط كبير، توجه آلاف الطلاب للبحث عن إكمال الدراسة في الخارج والبدء من الصفر. ويشكل ضياع سنوات من أعمارهم صدمةً للكثيرين الذين يصابون بأمراض نفسية مختلفة نتيجة لذلك".
إحباط الأسر
وتعاني الأسر السودانية من إحباط كبير نتيجة تعثر أبنائهم في الدراسة. وقالت إحسان المصطفى، إن "تعثر الدراسة في السودان ليس وليد اللحظة، بل هو نتيجة لأزمات متتالية ولسنوات طويلة ظل الطالب السوداني يعاني خلالها من المشكلات السياسية التي تؤثر في سير العملية التعليمية". وأضافت المصطفى أن "الأزمة الأخيرة جعلت أسر الطلاب يفقدون الثقة بالحياة التعليمية في السودان وسنشهد خروج آلاف الطلاب من النظام التعليمي المحلي بحثاً عن نظم تعليمية محترمة في الخارج".