Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

آلهة الثراء... كيف تحول الفراعنة إلى "مساخيط" للبيع؟

حمى التنقيب العشوائي عن الآثار في مصر تسجل 3 آلاف قضية كل عام وأوهام المال تنتهي بجرائم قتل مروعة

الفقر ليس السبب الوحيد وراء عمليات التنقيب غير الرسمية فهناك من ينفقون الملايين فيها (أ ف ب)

ملخص

3 آلاف قضية تنقيب واتجار في الآثار تسجل كل عام بمصر وتقارير وإحصاءات غير رسمية تقدر حجم سوق تجارة الآثار في البلاد بـ20 مليار دولار سنوياً، فما أسباب الجريمة وأبعادها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية؟

على رغم مرور مئات السنوات على ظاهرة التنقيب الشعبي عن الآثار في مصر فإنها لا تزال قادرة على الإيقاع بمزيد من الأشخاص في مصيدتها، فأمام هوس الثروة لا فرق بين الأثرياء أو البسطاء، متعلمين أو جهلاء، الجميع مرشح للسقوط في أنفاق البحث عن الآثار التي قد تنتهي في أغلب الأحوال بهم قتلى أو سجناء، وقليلاً ما تجعلهم أثرياء.

هوس العثور على قطع أثرية وأحلام ما بعد "تصريفها" لا يزال يداعب مشاعر كثيرين، بل ويدفع عشرات المصريين يومياً ليسجلوا ضمن ضحايا عمليات التنقيب غير الشرعي عن الآثار في المدن المختلفة، فلا يكاد يمر يوم دون حادثة انهيار منزل في أثناء التنقيب، أو ذبح شخص وتقديم دمه قرباناً لخادم المقبرة، أو ضبط تشكيلات عصابية تخصصت في هذا النشاط.

وتشير دراسة للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر إلى أن هناك نحو ثلاثة آلاف قضية تنقيب واتجار في الآثار تسجل كل عام في البلاد. وتقدر بعض التقارير والإحصاءات غير الرسمية حجم سوق تجارة الآثار في مصر بـ20 مليار دولار سنوياً. وتضاعف هذا الرقم في فترة ما بعد أحداث الربيع العربي، وكان آخرها في 2022 بتوجيه السلطات الفرنسية اتهامات للرئيس السابق لمتحف اللوفر في باريس جان لوك مارتينيز، بالتآمر لتهريب آثار مصرية، فيما أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية قبل سنوات أن أكثر من 32 ألف قطعة أثرية مسجلة فقدتها البلاد على مدى 50 عاماً.

أضرار كبرى

كبير الأثريين بوزارة السياحة والآثار المصرية مجدي شاكر قال لـ"اندبندنت عربية" إن هذه الظاهرة يسقط فيها كثيرون، سواء من أصحاب العلم والثروة والنفوذ أو من مواطنين بسطاء، نافياً أن يكون الدافع وراء عمليات التنقيب غير الرسمية حالة الفقر، فهناك من ينفقون الملايين على أعمال التنقيب.

واعتبر أن هذه الظاهرة منتشرة بطول مصر وعرضها، وتتسبب بشكل مباشر في إتلاف المواقع الأثرية، حيث يجري التنقيب بطرق غير علمية بحثاً عن الذهب أو التماثيل الفرعونية، موضحاً أن المفارقة أن أهم الاكتشافات في تاريخ مصر كانت على يد "لصوص"، مدللاً على ذلك بانتشار القطع الأثرية المصرية في عديد من الدول الأخرى، جراء عمليات التنقيب الخلسة والتهريب للخارج بمعاونة بعض الفاسدين في الوظائف العامة.

وأشار إلى أن حجم ما يصل إليه المنقبون هو خمسة في المئة فقط من الآثار الموجودة في موقع الحفر، إذ تكون النسب الأقل من الآثار قريبة من سطح الأرض، بينما 95 في المئة من آثار الموقع نفسه تكون على أعماق أكبر في باطن الأرض.

 

 

ويرى أن هناك منظومة في ملف التنقيب الشعبي عن الآثار، بداية ممن يمول ومن يساعد على البيع، ودجال يرسم لهم الطريق، وضحية يتم تقديمها قرباناً للجن لفتح المقبرة، وموظف فاسد يساعد على تهريب الآثار، مشيراً إلى أن عدم وجود عقوبات رادعة يقف وراء استمرار تلك الظاهرة.

وحول أخطار التنقيب الشعبي غير الشرعي عن الآثار، تمسك شاكر بأن التنقيب وفق أسس علمية من الباحث يختلف تماماً عن غير المتخصص، الذي يبحث عن الذهب فقط، حيث لا يهتم بباقي محتويات المقبرة، بل ويتسبب في إتلاف أي دليل يمكن أن يكشف أسرارها، أما الباحث فيبحث عن البردية التي تفسر له تاريخ المقبرة وتمكنه من الوصول إلى باقي محتوياتها.

وحذر من أن لصوص الآثار يدمرون الموقع الأثري والمومياوات ويفقدونه عناصره بشكل غير علمي وغير منظم، وهي خسارة كبيرة للتاريخ وللدولة، أما فرق الباحثين فتعمل وفق قاعدة "التدمير المنظم" برفع القطعة الأثرية بعد تحقيق وتسجيل الرابط بينها وبين باقي القطع في الموقع الأثري.

ويعيد شاكر إلى الأذهان واقعة رب الأسرة الذي قتل أحد أبنائه لفتح مقبرة، حين أكد أن الدجالين أوهموه بأن الكنز سيدر عليه ملايين الدولارات، فقرر رب الأسرة قتل أحد أطفاله مقابل جلب ثروة تكفي لتربية باقي أفراد أسرته، مؤكداً أن التنقيب عن الآثار نهايته الموت أو القتل أو الجنون.

ولفت إلى أن التنقيب غير الشرعي عن الآثار بدأ في عام 1856 على يد الأخوين أحمد ومحمد عبدالرسول في الأقصر، حين اكتشفا "خبيئة الدير البحري" والتي ضمت مومياوات وتجهيزات جنائزية لأكثر من خمسين شخصية فرعونية ما بين ملوك وملكات وأمراء ونبلاء من أسرات مختلفة تناوبت على حكم مصر.

مصيدة الكبار

في 16 فبراير (شباط) الماضي عاقبت محكمة النقض المصرية الفنان بطرس رؤوف بطرس غالي شقيق وزير المالية المصري الأسبق يوسف بطرس غالي، بالسجن المشدد خمس سنوات وتغريمه مليون جنيه (31 ألف دولار أميركي) لاتهامه بالاتجار في الآثار، وتهريب 21 ألفاً و855 قطعة أثرية ضبطتها إيطاليا عام 2018 بالتعاون مع القنصل الفخري لدولة إيطاليا بالأقصر سابقاً لاديسلاف سكاكال أوتاكر، وجرى تهريب القطع في حاويات دبلوماسية تخص ملحق الشؤون الاقتصادية والتجارية بسفارة دولة إيطاليا لدى مصر ماسيميليانو سبونزيللي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وخلال أبريل (نيسان) 2022 عاقبت محكمة الجنايات المصرية رجل الأعمال حسن راتب بالسجن لمدة خمس سنوات ونائب البرلمان المصري علاء حسانين (الشهير بنائب الجن) بالسجن لمدة 10 سنوات، بعد أن وجهت النيابة العامة إليهما وآخرين تهمة التنقيب عن الآثار والاتجار فيها. وتبين أن رجل الأعمال أنفق 53 مليون جنيه مصري (1.7 مليون دولار) على أعمال التنقيب عن الآثار داخل مدن عدة بهدف التربح وتكوين ثروة من الاتجار في الآثار.

وبالعودة إلى فبراير 2018 أيدت محكمة النقض المصرية الأحكام الصادرة ضد أمين عام الحزب الوطني الحاكم آنذاك بمدينة الجيزة جنوب القاهرة طارق السويسي، بالسجن 13 عاماً وتغريمه 60 ألف جنيه، وستة آخرين بينهم ضابط في قضية تهريب الآثار الكبرى، بعد أن ضبطت 272 قطعة آثار بمطار القاهرة قبل تهريبها إلى مطار هيثرو في عام 2003.

رحلة الوهم

يعلق المتخصص في الشأن الأثري ومسؤول التنمية الثقافية في وزارة السياحة والآثار، شريف شعبان، على ظاهرة التنقيب الشعبي عن الآثار، بأن الدافع الأساسي وراءها هو البحث عن وسيلة للثراء السريع، لافتاً إلى أن التنقيب مقترن بغياب العلم والثقافة وانتشار الجهل ووهم البحث عن "الزئبق الأحمر" غير الموجود في الواقع، أو سعياً للعثور على قطعة أو تمثال ولو صغير ليباع بملايين الدولارات التي يمكن أن تغير حياة هذا الشخص تماماً.

وأشار إلى أن وقائع النصب في هذا المجال كثيرة، وكان آخرها المقبرة المقلدة التي عثر عليها في محافظة بني سويف، وجرى تنفيذها بدقة مذهلة للنصب على الراغبين في شراء الآثار، حيث تنشط جرائم النصب على المواطنين، لكنها تظل وقائع بسيطة يمكن تداركها، أما الأزمة الكبرى فتكمن في حفر الخلسة، الذي غالباً ما ينتهي بحادثة تفقد القائمين على الحفر حياتهم، إذ يتسبب في انهيار المنزل على رأس المنقبين ومصرعهم، وهي حوادث تتكرر بشكل شبه يومي، بخلاف ارتكاب بعض الأشخاص جرائم قتل لذويهم بدعوى ضرورة تقديم "قرابين" لفتح المقبرة الأثرية، وجميعها أفعال مؤثمة قانوناً.

وحول الإجراءات المتبعة من قبل وزارة السياحة والآثار المصرية في التعامل مع تلك الوقائع، أكد أن الوزارة فور تلقيها بلاغاً من أجهزة الأمن بضبط محاولات حفر أو بلاغ من مواطنين بشكوك تدور حول أثرية مكان أو موقع ما، يتم تشكيل لجنة من المتخصصين لمعاينة المكان والتحفظ على المنطقة التي يقع فيها العقار أو عملية الحفر، لحين التأكد من عدم وجود آثار به.

ففي 16 فبراير الماضي نفذت السلطات المصرية قرار النيابة العامة بمحافظة بني سويف (120 كيلومتراً جنوب القاهرة) بإعدام "مقبرة فرعونية مزيفة"، أقامها متهمون هاربون بغرض النصب على الطامعين بتجارة الآثار.

 

 

ويروى أحد الأشخاص ويعمل تاجراً في تصريح خاص واقعة تعرضه قبل ثماني سنوات لواقعة نصب على يد "دجال" أوهمه بوجود آثار في إحدى المناطق القريبة من حي حلوان الواقع شمال القاهرة، حينها طلب منه تمويل أعمال الحفر والتنقيب عن الآثار، وظل يحصل منه على أموال تجاوزت مليون جنيه مصري (نحو 33 ألف دولار) من دون أن تكون هناك بشرى تؤكد وجود هذا الكنز.

ويقول شاب من مدينة أسيوط (390 كيلومتراً جنوب القاهرة) إن العثور على قطعة أثرية حلم راوده كثيراً، مشيراً إلى أنه يقطن في منزل توارثته أجيال من أسرته في موقع يتوسط ما بين مناطق بها مبانٍ أثرية وأخرى مخصصة كمقابر منذ عشرات السنين.

ويضيف أنه سمع كثيراً عن "الديك" الذي يظهر في المكان الذي يوجد به الكنز داخل منزله، وأن أعمامه أخبروه بظهور "الديك" أمام جده لوالده، لكن أحداً من أجداده لم يبحث جدياً عن هذا الكنز المدفون أسفل غرفة جدته، بحسب الروايات المتواترة.

وتابع أن الصدفة قادته للتعرف إلى شيخ يدعي قدرته على الكشف عن الآثار الموجودة أسفل المنازل، وكان ذلك في عام 1998، فاستقدمه للمنزل، وطلب منه "الدجال" في البداية منحه مبلغاً من المال وساعة يد هدية من بين ساعتين تخصان والده المتوفى منذ سنوات، واندهش الشاب من قدرته على معرفة عدد الساعات الخاصة بوالده فقدم واحدة منهما هدية، وطلب الدجال الدخول إلى حجرة جدته وتركه بمفرده.

ويستكمل الشاب حديثه بأنه سمعه يتمتم بكلام غير مفهوم داخل الغرفة، وكان يشير بعصا في يده إلى بعض الحوائط، ليسمع الحاضرون فحيح ثعبان ثم خرج من الغرفة وفي يده ثعبان بالفعل، واعداً الشاب بالعودة مرة أخرى لاستكمال العمل، وهو ما لم يحدث ليكتشف تعرضه للنصب.

وينهي الشاب حديثه ضاحكاً بأنه في سنوات لاحقة تم هدم المنزل المجاور لمنزلهم ليكتشف أن المكان بالكامل مقام فوق منطقة مقابر عادية لأشخاص مجهولين، ولا علاقة لها بالمناطق الأثرية من الأساس ولا يوجد أي كنوز في هذا المكان.

الفقراء والأثرياء سواء

تقول الأكاديمية المصرية في علم الاجتماع، عزة فتحي، إن شهوة الحصول على الثروة أو زيادتها وتطلع الناس اللامحدود هو الرابط بين هوس الفقراء والأغنياء من رجال الأعمال وغيرهم بالتنقيب عن الآثار، مشيرة إلى أن الفقير يدفعه الفقر إلى مطاردة وهم العثور على قطعة أثرية وبيعها وتغيير ملامح حياته تماماً، أما الأثرياء فيدفعهم إلى ذلك حلم زيادة ثرواتهم وتضخيمها، وينفقون في سبيل ذلك ملايين الجنيهات للعثور على قطع أثرية تضيف إلى ثرواتهم ثروات أخرى.

وتلفت فتحي الانتباه إلى أن المنقبين عن الآثار يتعاملون معها باعتبارها ملكية خاصة غير ممنوع تداولها وأنها من قبيل "الركاز" (الأموال التي توجد في بعض الأماكن المهجورة أو في الصحاري من مال الجاهلية ويقصد به حضارات ما قبل الإسلام، سواء كانت ذهباً أو فضة أو أواني أو سلاحاً أو غير ذلك من الأموال) وعقيدتهم في ذلك أنها ليست ملكية عامة.

رأي الدين

في 23 أكتوبر (تشرين الأول) 2021 قال مستشار رئيس الجمهورية المصري للشؤون الدينية، أسامة الأزهري، إنه بعد اكتشاف أهمية الآثار في القرن الماضي تحول مفهوم ما يتم العثور عليه تحت الأرض إلى "ملكية عامة"، وأن الحفر خلسة خارج نطاق الأطر الشرعية والقانونية المعروفة "حرام شرعاً" وكل ما يترتب عليه من تهريب واتجار حرام أيضاً.

وتابع الأزهري "هذه الآثار أصبحت تمثل وثيقة تاريخية حضارية لشعب معين، وأصبحت جزءاً من كيانه وهويته، والتلاعب بها واستخراجها بشكل غير قانوني هو عمل ضد الوطن والشعب وهويته".

ورداً على حديث "الركاز" الذي أوجب الشرع فيه عند استخراجه الخمس لصاحب المنزل والباقي لمن استخرجه، أكد الأزهري أنها آراء فتحت الباب على مصراعيه لأعمال تنقيب غير مسبوقة في مصر، واستغلتها عصابات ومنظمات دولية لتبرير تهريب الآثار، موضحاً أن فتوى الركاز انتشرت في فترة كان لا يعلم العالم من الأصل ما هي الآثار وما قيمتها وكانت الأشياء مجرد أحجار أو معادن يتم العثور عليها والتصرف فيها.

حلول عاجلة

يقول مسؤول التنمية الثقافية في وزارة الآثار المصرية شريف شعبان إن الخطوة الأولى لمواجهة ظاهرة التنقيب هي توعية المواطنين بأهمية المحافظة على الآثار، وإن العثور عليها لا يعني ملكية المواطن لها فهي ملكية عامة تخص الدولة.

وأشار إلى أن المبرر الشرعي الذي يقدمه البعض لأنفسهم للتعامل والاتجار في الآثار هي أنها "أوثان" يجوز بيعها وهو أمر غير صحيح، فهي ملكية للدولة وبيعها يحرم باقي المواطنين من الاستمتاع بها، فهي "حق دولة" وليس حق فرد والاتجار فيها هو تعد على المال العام بما له من حرمانية دينية.

 

 

وتضيف أستاذ علم الاجتماع عزة فتحي أن مواجهة الظاهرة تتطلب غرس قيم الحفاظ على الملكية العامة في الأجيال المختلفة من خلال تدريس مادة "المواطنة" ومن خلال الخطاب الديني الذي يتناول هذه القضية، بجانب قيام الدولة بدورها في توفير حد أدنى للمعيشة وحياة جيدة للمواطنين.

واتهمت فتحي صناع الدراما في مصر بالمساهمة في الانتشار والترويج لتلك الظاهرة بتقديم أعمال درامية تتناول قصص التنقيب عن الآثار وكيف حقق بطل العمل ثروة من الاتجار فيها، وهي رسائل سلبية تفاقم من هذه الظاهرة، وتشكل وعياً عاماً يحض على التنقيب عن الآثار.

ويرى كبير الأثريين بوزارة السياحة مجدي شاكر ضرورة إطلاق قمر اصطناعي لمراقبة أعمال الحفر في المناطق الأثرية، مع زيادة رواتب أفراد أمن المواقع الأثرية والموظفين المتعاملين مباشرة مع هذه الثروات.

خريطة التنقيب

وتمتد خريطة التنقيب عن الآثار لتشمل أغلب مدن مصر، وبخاصة في محافظات الجنوب التي تشهد عمليات تنقيب مستمرة عن الآثار، حيث حافظت التربة الرملية هناك عليها، فضلاً عن قربها من المناطق الجبلية وإمكانية التنقيب بحرية بعيداً من الزحام ورقابة الجهات المسؤولة وعدم وجود مياه جوفية في تلك المناطق، بخلاف الوجه البحري حيث الطمي والتربة الطينية والمياه الجوفية التي أثرت في المناطق الأثرية وتعوق عمليات التنقيب على الآثار، بحسب كبير الأثريين بوزارة السياحة مجدي شاكر.

وأشار شاكر إلى أن الصعيد يستحوذ على 70 في المئة من عمليات التنقيب عن الآثار، إذ ظلت عاصمة مصر "طيبة" لأكثر من ألفي عام في الصعيد، ومنها مدن قنا وسوهاج التي تعد المكان الرسمي للحج أيام الفراعنة، وغيرها من المناطق في الوجه البحري ومنها منطقة المطرية "مدينة أون" القديمة والتي تعد مدخل مصر الشرقي وتوازي مدينة الأقصر تاريخياً وأثرياً، وكذلك مناطق نزلة السمان والمناطق المحيطة بهضبة الأهرام، بجانب منطقة ميت رهينة والبدرشين والفيوم والقليوبية وغيرها من المناطق.

2011... فوضى التنقيب

يقول الأثري المصري أحمد عامر إن أعمال التنقيب غير الشرعي عن الآثار انتشرت بكثافة عقب اندلاع أحداث 25 يناير (كانون الثاني) 2011، إذ استغل اللصوص حال الانفلات الأمني وغياب مؤسسات الدولة في نهب المتاحف والتنقيب في المواقع الأثرية. وأضاف أن جزءاً كبيراً من الآثار جرى تهريبها في تلك الفترة، ويقف وراء ذلك الفقر وحال الجهل بقيمة الأثر، مطالباً بتعديل القوانين وتشديد العقوبات على المتهمين في تلك القضايا ومصادرة جميع الأموال الخاصة بالمتهمين.

في مارس (آذار) الماضي قدمت ربة منزل بلاغاً في قسم شرطة الجيزة جنوب القاهرة، حمل رقم 3690 ضد زوجها ودجال بتهمة اغتصاب ابنتها البالغة من العمر 16 سنة. وأكدت أن الدجال أوهم زوجها بوجود كنز أثري أسفل منزله، وأن الجن المسؤول عن الكنز طلب من الدجال معاشرة ابنة صاحب المنزل جنسياً، وهو ما وافق عليه والدها ومن دون علم الأم. مضيفة في بلاغها بأن نجلتها روت لها تفاصيل الجريمة التي تمت بعلم الأب.

وأزاحت تحريات الأجهزة الأمنية المصرية الستار عن صحة الواقعة وسماح الأب للدجال بالاختلاء بالطفلة والتعدي عليها جنسياً، ليتم اعتقال المتهمين وتقديمهما إلى المحاكمة.

جرائم قتل وذبح

خلال الأسبوع الأول من مايو (أيار) الجاري شهد حي السلام في مدينة القاهرة مصرع عامل انهارت عليه حفرة أثناء التنقيب عن الآثار، فيما تمكنت قوات الإنقاذ البري بمدينة سوهاج (500 كيلومتر جنوب القاهرة) من استخراج جثة شخص انهارت عليه الأتربة أثناء الحفر والتنقيب عن الآثار، كما لقي شخص آخر مصرعه بعد أن انهارت عليه حفرة أثناء تنقيبه عن الآثار بحي عين شمس في مدينة القاهرة.

وخلال مارس الماضي ذبح زوج في مدينة الفيوم المصرية زوجته أمام إحدى المقابر الفرعونية لفتحها تنفيذاً لتعليمات الدجالين، بعد أن رفضت الضحية الموافقة على ذبح نجلها الرضيع وقدمت نفسها قرباناً للجن.

وفي يونيو (حزيران) 2015 لقي ستة أشخاص من بينهم نائب برلماني سابق وشيخ أردني حتفهم، بعد نفاد الطعام والشراب منهم، حيث تعطلت سيارتهم أثناء رحلة للبحث عن الآثار في قلب منطقة جبلية بمدينة قنا (581 كيلومتراً جنوب القاهرة)، وقد تم العثور على جثامينهم في حال من التحلل.

عقوبات جنائية

يطالب مجدي شاكر كبير الأثريين بوزارة السياحة والآثار بتشديد عقوبات التنقيب عن الآثار والاتجار فيها لتصل إلى الإعدام بدلاً من السجن للحد من تلك الظاهرة، لافتاً إلى أن أغلب القضايا تنتهي إلى عقوبات هزيلة لا توازي حجم الجرم المرتكب.

ووضع القانون المصري عقوبة لجريمة التنقيب والاتجار غير المشروع في الآثار بالمادة 42 من القانون رقم 91 لعام 2018 المعدل لقانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983، بمعاقبة كل من سرق أثراً سواء كان مسجلاً أو غير مسجل، أو من الهيئات المصرح لها بالتنقيب وأعمال البعثات، وكان ذلك بقصد التهريب، بالسجن المؤبد وغرامة لا تقل عن مليون جنيه، ولا تزيد على خمسة ملايين جنيه (162 ألف دولار أميركي).

كما يعاقب القانون من قام بالحفر خلسة أو بإخفاء الآثار بقصد التهريب بالسجن المشدد مدة لا تقل عن ثلاثة أعوام، ولا تزيد على سبعة أعوام، وبغرامة لا تقل عن 500 ألف جنيه (16 ألف دولار أميركي)، ولا تزيد على مليون جنيه (33 ألف دولار أميركي)، لكل من قام بالتنقيب أو هدم أو أتلف أثراً أو شوه أو فصل منه جزءاً عمداً، أو أجرى أعمال الحفر للحصول على الآثار، وفي هذه الحالة يتم التحفظ على أعمال الحفر من الأجهزة والآلات والسيارات المستخدمة في الجريمة.

ويعاقب من وجد بأحد المواقع الأثرية أو أحد المتاحف من دون تصريح، أو من تسلق أثراً من دون الحصول على تصريح بالحبس مدة لا تقل عن شهر وبغرامة لا تزيد على 100 ألف جنيه (3225 دولاراً أميركياً)، وتضاعف العقوبة حال ارتباط أي من الفعلين، بفعل مخالف للآداب العامة أو الإساءة للبلاد.

وبنهاية ديسمبر (كانون الأول) 2022 ضبطت وزارة الداخلية المصرية 1519 قضية معظمها كانت وقائع تنقيب عن الآثار أو حيازتها من دون سند قانوني.

المزيد من تحقيقات ومطولات