ملخص
تعد هذه المرة الأولى التي يدق فيها مهنيون في تونس ناقوس الخطر حيال تراكم الأدوية منتهية الصلاحية
تُواجه تونس معضلة تكمن في عجز الصيدليات والمصانع المتخصصة في صناعة الأدوية عن إتلاف الأدوية منتهية الصلاحية في ظل تعدد الإجراءات التي يتحتم المرور بها، وغياب المؤسسات المتخصصة في هذا المجال، مما دفع المهنيين إلى إطلاق دعوات إلى السلطات من أجل التحرك.
وقادت جائحة كورونا التي راح ضحيتها آلاف التونسيين إلى إفلاس عدد من الشركات المتخصصة في إتلاف الأدوية منتهية الصلاحية مما أدى إلى تراكمها، وهو ما يثير توجساً من التداعيات المحتملة لذلك على البيئة وصحة التونسيين.
إجراءات إدارية معقدة
وتعد هذه المرة الأولى التي يدق فيها مهنيون في تونس ناقوس الخطر حيال تراكم الأدوية منتهية الصلاحية، وهي أزمة تأتي على رغم أن البلاد تشهد فقداناً لعشرات الأدوية الحياتية المتعلقة بأمراض مزمنة مثل السكري وغيره.
وقال رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة علي بصيلة في تصريحات نقلتها وسائل إعلام محلية، إنه "يجب السعي إلى إيجاد حلول للأدوية منتهية الصلاحية، نظراً لتعقد الإجراءات الإدارية المتعلقة بالتصرف في الأدوية منتهية الصلاحية والتي تتطلب جرداً للأدوية بحضور عدل إشهاد، والحصول على رخصة من الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات والاتصال بمؤسسة لإتلاف الأدوية منتهية الصلاحية".
وأضاف بصيلة أنه "توجد مؤسسة واحدة في كامل البلاد متخصصة في إتلاف الأدوية منتهية الصلاحية، وقد استأنفت نشاطها أخيراً بعد توقفها عن العمل ثلاث سنوات، مما أدى إلى تراكم الأدوية منتهية الصلاحية لدى المصنعين والصيادلة".
وشدد المتحدث على "أهمية تسهيل وتسريع مختلف الإجراءات المتعلقة بإتلاف الأدوية منتهية الصلاحية"، فيما لا توجد إحصاءات رسمية لكميات الأدوية منتهية الصلاحية التي أثارت جدلاً في الأوساط الطبية والشارع على حد السواء.
وكان الرئيس قيس سعيد دعا في فبراير (شباط) الماضي إلى فتح "تحقيق في شبهات فساد في "شركة صناعة الأدوية"، وهي مؤسسة حكومية، مرتبطة بتخزين أدوية منتهية الصلاحية قدرت قيمتها بـ 740 ألف دولار، إضافة إلى "التلاعب بأموال المؤسسة"، لكن التحقيقات لم تصل حتى الساعة إلى نتائج.
قوانين مشددة
وفي الواقع يصعب حصر الأسباب الكامنة خلف الوضع الذي باتت ترزح تحت وطأته الصيدليات والمنشآت المتخصصة في صناعة الأدوية في تونس، واعتبر رئيس النقابة التونسية لأصحاب الصيدليات الخاصة نوفل عميرة أن "المشكلة في القوانين المشددة التي يصعب تطبيقها، إذ تمنع القوانين الخاصة بالأدوية التنقل بها، ويشترط القانون وجود شركة متخصصة تتكفل بإتلاف الأدوية منتهية الصلاحية، لكننا اليوم أمام ورطة بسبب وجود شركة واحدة متخصصة في هذا المجال".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح عميرة في تصريح خاص أن "الشركات أفلست بعد موجة كورونا، واليوم لدينا كميات كبيرة من الأدوية منتهية الصلاحية لا نعرف كيف سنعالجها، سواء على مستوى المزودين بالجملة والصيدليات والمصنعين، أما الإشكال الآخر فيتمثل في كلفة الإتلاف التي شهدت ارتفاعاً كبيراً".
وأردف، "خسارتنا مضاعفة من بداية شراء هذه الأدوية وانتهاء صلاحيتها ومن ثم تحمل كلف إتلافها والتي بلا شك تحتاج إلى مبالغ ضخمة".
ولفت عميرة إلى أن "المشكلة متعددة الأطراف ويجب أن تنكب كل الأطراف المعنية عليها من أجل حلها، لأن الصيدليات تواجه تراكماً في الأدوية المنتهية الصلاحية، وكذلك الحال بالنسبة إلى التجار والمصانع، وهذا ما يجب على الدولة حله وأن تساعد شركات متخصصة في معالجة الأدوية منتهية الصلاحية على الثبات، لأنها الوحيدة الموجودة حالياً في العاصمة وبالتالي فالصيدليات والمصانع في أقاصي الجنوب أو الشمال تجد مشكلات كبيرة في التعامل مع الأدوية منتهية الصلاحية".
وحول الحلول التي يمكن إقرارها من أجل تجاوز الأزمة، قال عميرة إنه "يجب على الدولة منح تراخيص لشركات جديدة وتشجيع المستثمرين على دخول هذا المجال، من خلال حوافز جبائية وتشجيع مالي تمهيداً لاستقرار المستثمرين في المناطق النائية والداخلية، وبالتالي يصبح هناك مؤسسات في تلك المناطق متخصصة في معالجة هذه الأدوية".
تداعيات خطرة
ويسود توجس في تونس من تداعيات تراكم الأدوية منتهية الصلاحية على الصحة العامة والبيئة التي تتأثر بالتغيرات المناخية، علاوة على أزمة نقص الأدوية لعشرات الأمراض.
وتعد أزمة الأدوية واحدة من التركات الثقيلة التي ورثتها الحكومة الحالية برئاسة نجلاء بودن عن بقية الحكومات، وعجزت هي الأخرى عن وضع حد لها، إذ تصاعدت الشكاوى خلال الأشهر الماضية من نقص أدوية معينة.
وقال نوفل عمير، "لدينا مخاوف من تداعيات خطرة لتكدسها، خصوصاً الأدوية التي تتفاعل مع بعضها بعضاً، وهو ما قد ينجم عنه أضرار صحية للناس مثل الأدوية المعالجة للسرطان".
وفسر قائلاً إن "هذه أدوية لا يمكن التنقل بها بطريقة عادية لأنها أدوية خطرة على صحة الإنسان، فكيف سنتعامل معها في هذه الحال؟ وكيف سنحمي البيئة من الأضرار التي قد تسببها؟ وكلها تساؤلات لا نجد لها أجوبة اليوم، لذلك نرجو أن يكون هناك تدخل حاسم من الدولة لإنهاء هذا الوضع".
وفي ظل غياب تعليقات رسمية من السلطات تجاه هذه الأزمة التي تضاف إلى سلسلة أزمات أخرى اقتصادية وسياسية ترزح تونس تحت وطأتها، فإنه من غير الواضح ما إذا كانت السلطات ستقر إجراءات ينادي بها المهنيون في مجال صناعة الأدوية وبيعها في تونس لحل مشكلة الأدوية منتهية الصلاحية.