ملخص
رواية "دون كيشوت" كتبت داخل مغارة سيرفانتس المطلة على العاصمة الجزائر
مغارة "سيرفانتس" أو هكذا يسميها سكان العاصمة، تطل على خليج الجزائر وكأنها برج مراقبة. لكن عدداً قليلاً من الجيل الحالي يعلم أن الرواية العالمية "دون كيشوت" كتبت هناك، حتى مؤلفها الشاب الإسباني لا تحظى قصته بالقدر الكافي من الاهتمام، ويبقى يواصل سيرفانتس الاختفاء إلى حين نزع الغبار عن مغارته.
إلقاء القبض صدفة
وتروي الكتب أن الشاب ميغال دي سيرفانتس، وقع في قبضة الأسطول البحري الجزائري عام 1575 قبالة السواحل الفرنسية، وذلك خلال عودته من إيطاليا إلى بلده إسبانيا لقضاء فترة من الراحة بعد مشاركته في الحروب ضدّ العثمانيين. لكن خطابات توصية للملك من شخصيات عدة غيّرت مجرى تاريخ "الأسير".
ولقيمة ما كان يحمله سيرفانتس، طلبت البحرية الجزائرية آنذاك فدية كبيرة مقابل إطلاق سراحه، وهو ما لم تستطِع عائلته تلبيته، ما جعله يقبع في السجن بالجزائر العاصمة ينتظر الفرج، سواء من السلطات الجزائرية أو من بلاده إسبانيا. لكن ذلك لم يمنعه من محاولات فرار كادت أن تتسبب في هلاكه، إذ تذكر الروايات أنه سعى للهرب أربع مرات كلها محاولات باءت بالفشل بسبب وشاية من أحد السجناء الذي كان اتفق معه على الفرار، إذ كان يقضي أشهراً مختفياً في المغارة ينتظر سفينة للتسلل.
الوالدة وطلب الفدية
لم تتمكن الجهات الإسبانية من جمع مال الفدية، أو ربما لم تهتم خوفاً، لكن والدة سيرفانتس أعدت عام 1577، صفقة لتحرير ابنها من أيدي القراصنة الذين رفضوا الاستجابة للطلب بسبب عدم اكتمال المبلغ المطلوب، والمقدر وفق الروايات بـ500 أوقية ذهب، لتعيد الكرّة عام 1580 بطريقة أخرى. إذ خلال زيارة الآباء أو القساوسة "الثالوثيين" للجزائر، عرضوا أموالاً مقابل تحرير الأسرى المحتجزين هناك، من بينهم ابن مدينة "دانية" الإسبانية الشاب سيرفانتس، أسهمت والدته بجزء منها، ليتم إطلاق سراحه في 19 سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، ليعود إلى عائلته.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لجوء إلى المغارة وكتابة "الرواية"
وفي كل مرة يلجأ الأسير إلى المغارة التي تقع بأعلى الجبل المطلّ على ساحل العاصمة الجزائر، يتسلل إلى المدينة متخفياً تارة بحثاً عن المأكل وأخرى عمن يقوده إلى سفينة مغادرة، لكن ذلك لم يمنعه من التجول في الشوارع والأسواق والحارات، وتدوين كل ما يراه ويكتب كل ما يثير انتباهه، ليعود إلى مغارته وتدوين كل ما صادفه على الأوراق، حيث يذهب بعض المؤرخين الإسبان إلى القول إن أسلوب روايته الشهيرة "دون كيشوت" ليس إسبانياً، وقد خصص في الرواية ثلاثة فصول عن الجزائر.
وبعد عقدين من عودته إلى بلاده، كتب سيرفانتس عام 1605، الجزء الأول من رائعته "العبقري النبيل... دون كيشوت دي لا مانتشا"، بينما جاء جزؤها الثاني عام 1615 بعنوان "العبقري الفارس... دون كيشوت دي لا مانتشا"، وهي الرواية الأشهر على مر التاريخ، وقد ترجمت إلى 75 لغة في العالم، من بينها اللغة العربية.
معلم يصارع الإهمال
المغارة حالياً معلم أثري ثقافي يقع تحت إشراف وزارة الثقافة والفنون، أعادت الحكومة الجزائرية تهيئتها عام 2006 بالشراكة مع إسبانيا، وكان ذلك تزامناً مع "مهرجان الأدب المهاجر"، بمبادرة الروائي أمين الزاوي بصفته مدير المكتبة الوطنية آنذاك، حيث شارك زهاء 70 شاعراً وروائياً من خارج الجزائر، وأقيمت أمسية شعرية في المغارة تحت عنوان "ليلة الشعر العربي في ضيافة سيرفانتس".
لكن عادت لتكون مكاناً مهجوراً مهملاً على رغم محاولات الحفاظ عليها عبر السياج الحديدي الذي يحيط بحديقتها. ويقول الروائي الجزائري عبد الرزاق بوكبة، "كانت لدينا فكرة أن تتحوّل المغارة إلى مقهى ثقافي، تنظم فيها أنشطة ثقافية متكاملة، مثل فن الرسم والموسيقى والشعر والقصة بأنواعها، كما هي الحال في المقاهي الثقافية الولائية، لكن للأسف بقيت الفكرة حلماً، وما زالت المغارة مهملة مهمشة في المشهد الثقافي، عذراً سيرفانتس لم نقدرك حق قدرك".