ملخص
تفاؤل حكومي بالنمو لا يقابله صندوق النقد الدولي بالمثل ودعوات لخفض العجز التجاري للبلاد
نما الاقتصاد التونسي خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام بنسبة 2.1 في المئة مقارنة بالفترة المثيلة العام الماضي، وفق ما أعلنه المعهد الوطني للإحصاء الحكومي، في حين أبرزت التقديرات الأولية للحسابات القومية ربع السنوية التي يصدرها المعهد أن النمو المسجل في تدرج، مقارنة بالرقم المسجل في الربع الأخير من عام 2022 (1.8 في المئة).
تفاؤل حكومي
استهدفت الحكومة التونسية في تقرير الموازنة العامة للعام الحالي تحقيق نمو نسبته 1.8 في المئة، لكن تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر عن صندوق النقد الدولي في أبريل (نيسان) الماضي يخفض النسبة المتوقعة في النمو إلى مستوى 1.3 في المئة فقط.
وتعيش تونس أزمة اقتصادية مالية خانقة أسهم النمو الهش والضعيف على مدى السنوات الماضية في تعميقها، حتى ألقت بتبعاتها على البطالة المتنامية وصولاً إلى مستوى 16 في المئة حالياً.
في تحليله لنسبة النمو، بين معهد الإحصاء أن حجم الطلب الداخلي (الاستهلاك) ارتفع بنسبة سنوية قدرت بـ1.8 في المئة، ليظل بالتالي الدافع الأساسي لمسار النمو مساهماً إيجابياً بـ1.9 نقطة مئوية في نسبة النمو المسجلة، في حين أسهم صافي المبادلات الخارجية بـ0.2 نقطة، لأسباب تتعلق بارتفاع حجم الصادرات من السلع والخدمات بنسبة 12.3 في المئة متجاوزة تلك التي سجلتها الواردات 10 في المئة.
تشير بيانات معهد الإحصاء إلى أنه على رغم انكماش أداء القطاع الفلاحي (-3.1 في المئة) بحساب الانزلاق السنوي، والذي من المرتقب أن يواصل هذا الأداء لباقي العام، فقد استفاد النشاط الاقتصادي خلال الثلاثي الأول من السنة الحالية من الحيوية النسبية لقطاع الخدمات، بتسجيل حجم القيمة المضافة ارتفاعاً بنسبة 3.2 في المئة، مساهماً إيجابياً بنقطتين مئويتين في نسبة النمو المسجلة (2.1)، وهو أمر عزاه المعهد إلى ارتفاع القيمة المضافة في القطاع السياحي بـ16.3 في المئة، وقطاع النقل بـ5.3 في المئة وقطاع الإعلام والاتصال بنسبة 4.8 في المئة.
تراجع نمو قطاع الطاقة
سجل قطاع الصناعات المعملية نمواً على مدى عام بنسبة 2.2 في المئة خلال الربع الأول من العام الحالي، في حين تراجع حجم النمو في قطاع الطاقة والمناجم والماء والتطهير ومعالجة النفايات بنحو 10.1 في المئة، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، نتيجة لتقلص الإنتاج في قطاع استخراج النفط والغاز الطبيعي بنسبة 15.7 في المئة من ناحية، وتراجع النمو في قطاع المناجم إلى مستوى 9.6 في المئة من ناحية أخرى.
أفضت التقديرات إلى تسجيل نمو سنوي سلبي من جديد، في قطاع البناء والتشييد، قدر بـ1.6 في المئة خلال الربع الأول من العام. ويلفت معهد الإحصاء إلى أنه على رغم الوتيرة الإيجابية لمنحى النمو، فإن الناتج المحلي الإجمالي لم يبلغ بعد مستواه المسجل نهاية عام 2019.
نمو مدعوم بالاستهلاك
أظهرت بيانات معهد الإحصاء أن الطلب الداخلي (نفقات الاستهلاك وتكوين رأس المال الخام أي الاستثمار) حافظ على حيويته، إذ ارتفع حجمه بنسبة سنوية قدرت بـ1.8 في المئة، ليظل بالتالي الدافع الأساسي لمسار النمو ومساهماً إيجابياً بـ1.9 نقطة مئوية في نسبة النمو المسجلة (2.1)، في ظل الضغوط التضخمية للأسعار التي تخيم على الظرف الاقتصادي المحلي والعالمي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل، أسهم صافي المبادلات الخارجية من جهته بـ0.2 نقطة، نتيجة لارتفاع حجم الصادرات من السلع والخدمات بنسبة 12.3 في المئة تجاوزت تلك التي سجلتها الواردات (10 في المئة).
وتعقيباً على نسبة النمو المسجلة في تونس خلال الربع الأول من العام الحالي، قال المتخصص المالي بسام النيفر، إن هذه النسبة كانت منتظرة ومتوقعة، وكان بالإمكان أن تكون أفضل حال تحكمت البلاد بشكل أكبر في القطاعات الإنتاجية التي تملك فيها هامش تحرك.
أضاف النيفر لـ"اندبندنت عربية" أن نسبة النمو المسجلة حتى نهاية مارس (آذار) تأتي أيضاً من القطاع السياحي الذي نما بـ16.3 في المئة، ومن قطاع النسيج والملابس الذي حقق انتعاشة بنسبة 16.8 في المئة، مشيراً إلى أن القطاعين يدران عائدات مهمة بالنقد الأجنبي.
وعلى رغم مساهمة القطاعين على نحو متواضع في إجمالي النمو بـ6.6 في المئة، فإن المتخصص الاقتصادي يرى أن دورهما مهم في توفير العملة الصعبة لبلاده، بما يسمح لبقية القطاعات بتوريد المواد الأساسية لدفع النشاط الاقتصادي.
خيبة أمل
وتحدث النيفر عن القطاع الفلاحي الذي "خيب الآمال" في مساهمته في دفع النمو الاقتصادي عكس السنوات الماضية. وقال إن هذا الأداء كان متوقعاً، لأن النشاط انخفض أكثر من خمسة في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، لأسباب من بينها تراجع إيرادات تصدير محصول زيت الزيتون التونسي، إضافة إلى الجفاف الذي أثر في القطاع إجمالاً.
يوضح النيفر أن قطاع استخراج المواد المنجمية والمحروقات شهد تراجعاً في الثلاثي الأول من العام مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية، لكنه سجل تحسناً في إنتاج الفوسفات والمواد المنجمية بنسبة 14.1 في المئة عند المقارنة بالربع الرابع من العام الماضي، مما يشير إلى قدرة البلاد على استعادة موقعها في إنتاج الفوسفات.
يعتقد النيفر أن لدى بلاده القدرة على تحقيق مزيد من تحسين نسبة النمو في الفترة القادمة من خلال المراهنة على عدد من القطاعات الاستراتيجية على غرار إنتاج الفوسفات والمحروقات بما يساعد على تحسين ميزان الدفوعات والمخزون من العملة الأجنبية. وقال إنه حال حفاظ تونس على هذا النسق من النمو، بإمكانها بلوغ الهدف المرسوم لكامل العام في حدود 1.8 في المئة، بل وبالإمكان بلوغ نسبة نمو اقتصادي باثنين في المئة، كما يقول، مشترطاً ما سماه "إعادة الروح" للقطاعات التي لا تسجل نمواً وتعطل النشاط الاقتصادي.
خطر رفع الدعم
عن الإصلاحات المزمع اتخاذها من الحكومة لمزيد من دفع النمو الاقتصادي الهش، يحذر بسام النيفر من خطورة رفع الدعم عن المحروقات في الوقت الراهن، لما لها من تداعيات سلبية على النمو الاقتصادي على المدى القصير، بخاصة أن نسبة النمو المسجلة في الربع الأول من هذا العام (2.1 في المئة) جاءت من الطلب الداخلي (الاستهلاك) الذي بلغ 1.8 في المئة.
يختم المتخصص الاقتصادي حديثه بالإشارة إلى أهمية تحسين مساهمة القطاع الخارجي في النمو الذي بلغ 0.2 في المئة في الربع الأول من عام 2023، بخاصة أن نمو القطاع ضعيف، مما يستدعي تطويره بالرفع من قيمة الصادرات والتقليص من العجز التجاري لتونس.