يحاول الوزير الأول نور الدين بدوي، من خلال إجراءات متتالية على الصعيد الاجتماعي، تحسين صورته بين الجزائريين، بوجود أنباء "دستورية" عن عراقيل يصطدم بها رئيس الدولة عبد القادر بن صالح في إقالته، ما يعني احتمال استمرار بدوي في منصبه إلى موعد الرئاسيات المقبلة.
يكثر الوزير الأول من الرسائل الموجهة لحالات اجتماعية خاصة في الجزائر، يهنئ أو يعزي، يعلن عن إجراءات سريعة غير معتادة إزاء "تقصير" مسؤولين محليين. ويبدو أن وضعية بدوي بين الجزائريين، والاستهجان الذي يرافق اسمه في هتافات الحراك الشعبي، يدفعانه إلى التودد لعموم المواطنين.
إجراءات للجنوب
يركز بدوي، بالأساس، على منطقة الجنوب والهضاب العليا، التي تضم أكثر من عشرين محافظة يشتكي سكانها من "التهميش" وعدم "التمثيل" في المؤسسات الرسمية. وسبق أن أصدرت الحكومة قرارات، في حال جسدت، ستشكل نقلة في قطاع الصحة بالجنوب. وفي 29-7-2019، اتخذ بدوي قراراً بمجانية حالات الولادة في العيادات الخاصة في تلك المحافظات، وفق اتفاق بين وزارة الصحة ووزارة العمل والضمان الاجتماعي.
وجاء القرار بعد وفاة "سيدتين حاملين" في مستشفى محافظة "المسيلة"، في أحداث تتكرر في محافظات الجنوب بشكل واضح، ويُعتقد أن بدوي وهو من منطقة "تقرت" في محافظة ورقلة في الصحراء الجزائرية، يعمل على "تطوير" تلك المنطقة، لما تمثله من عمق سياسي ووعاء انتخابي، قد يؤدي إلى عزل الحراك الشعبي ليقتصر على عدد من المحافظات في الشمال.
وورد في بيان حكومي أن "الحكومة بحثت تعزيز الرعاية الصحية للمواطنين في الجنوب والهضاب العليا"، مضيفاً "مجلس الحكومة استعرض واقع ومؤشرات التكفل الصحي بالمرضى على مستوى ولايات الجنوب والهضاب العليا، بخاصة في ما يتعلق بحجم التغطية الصحية من حيث المنشآت الصحية وتأطيرها الطبي وشبه الطبي، إذ كُشف عن النقائص المسجلة، مع تقديم جملة من الاقتراحات العملية لمعالجتها".
بدوي باق بقوة الدستور؟
لا يستسيغ مراقبون "العذر الدستوري" الذي أعلنه الرئيس بن صالح، أمام هيئة الحوار حين استقبلها قبل أسبوع، ومفاده بأن إقالة الحكومة أو رئيسها ليست من صلاحيات رئيس الدولة المؤقت. ويقول مختصون في القانون الدستوري إن "عدم مقدرة بن صالح على إقالة بدوي أمر صحيح"، لكنهم يثيرون معطيات سياسية قد تتيح ذلك.
ويطرح هؤلاء إمكان دفع بدوي إلى إعلان استقالته وحكومته، ثم يمكن لرئيس الدولة المؤقت، تكليف حكومة جديدة. ولكن غياب هذا التوجه، جعل عدداً من السياسيين يعتقدون برغبة السلطة في استمرار الفريق الحكومي الحالي، وتعويض صلاحياته في نقطة وحيدة فقط هي "الإشراف على الرئاسيات".
الإفلات من العقوبة المعنوية
وفي سابقة غير مألوفة في تعامل رؤساء الحكومات في فترة حكم بوتفليقة وعددهم ثمانية، سارع بدوي إلى إرسال برقية تعزية لعائلات حادث مروري في محافظة سطيف، ونشر في صفحة الوزارة الأولى الرسمية، قائلاً "على إثر حادث المرور الأليم الذي أودى بحياة 11 راكباً وتسبب في إصابة 13 آخرين ببلدية أولاد صابر بولاية سطيف، يتقدم السيد الوزير الأول نور الدين بدوي باسمه وباسم الحكومة بأخلص التعازي لعائلات الضحايا".
ويقول الصحافي المتخصص في الشأن السياسي أنيس الهيشر لـ"اندبندت عربية" إن "بدوي يحاول من خلال إطلالاته المكثفة إعلامياً ترقيع عذرية صورته المهزوزة التي يلفظها الحراك الشعبي منذ جمعاته الأولى"، مضيفاً "فبعد فشله في فرض نفسه كمسؤول ضمن الجهاز التنفيذي التي أوكلت إليه مهمة تصريف الأعمال، يبحث بمثل هذه القرارات عن شرعية إضافية تبقيه في الواجهة إلى مرحلة ما بعد الحراك على الأقل".
ويعتقد الهيشر أن مؤشرات عدة تدلّ على احتمال استمرار بدوي وزيراً أول "يريد البقاء في الواجهة إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية القادمة، وهو ما يتيح له ربما الإفلات من العقوبة المعنوية التي تعرّض لها جل المسؤولين المحسوبين على الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة". ويشير أيضاً إلى أن "تطورات المرحلة الحالية وضيق مخارج الأزمة تحتم على الحكومة ولو ظاهرياً اتخاذ قرارات تخفف من حجم الاحتقان والغضب ضده ولو أن ذلك لم يجد نفعاً حتى الآن".
"الإطراء لم ينفع"
وعلى الرغم من محاولات حكومة نور الدين بدوي، إطراء الجزائريين وفي بعض الأحيان "مغازلتهم" في ظرف اقتصادي صعب، إلاّ أن عوائق ما زالت تعترض وزراء في الجهاز التنفيذي في مواجهة عموم الجزائريين.
وأمضت وزيرة الثقافة مريم مرداسي، ليلة عصيبة مساء الأحد الماضي، في افتتاح "مهرجان تيمقاد الدولي"، فبمجرد وصول موكبها إلى الركح الروماني في باتنة (400 كلم شرق العاصمة)، تصاعدت الهتافات والشعارات الرافضة لها وللحكومة، وقابل زوار المهرجان، كلمة الوزيرة بـ"صافرات الاستهجان".
ولاحقاً، اعتمدت الوزيرة على نحو 12 شرطياً بالزي المدني، لإتمام زيارتها إلى المحافظة، واضطُرت دائرتها إلى "إخفاء" باقي مواعيد الزيارة وطبيعة المراسم التي أشرفت عليها.