هل انتهى عصر الألبومات الغنائية الكاملة؟ سؤال يطرح مع كل إصدار جديد منفرد لعدد من المطربين، والسؤال الآخر هل هي أزمة إنتاج أم أن المسألة باتت تقتصر على تحقيق أكبر عدد ممكن من المستمعين على مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الموسيقية؟ صحيح أننا نعيش عصر الاستهلاك الذي دفع بعدد من الفنانين في العالم العربي لإعادة النظر في إصدار أي ألبوم، وتفضيل العمل على أغنية واحدة تكون أغنية موسمية يستغلونها في موسم الحفلات أو لإثبات وجودهم في الساحة الفنية، إنما وعلى رغم ذلك لا يزال بعض النجوم يتشجعون في إصدار الألبومات، وآخرهم عاصي الحلاني ونجوى كرم وأصالة وأحلام، وآخرين بعد غياب فترة زمنية طويلة عن إطلاقها، ومن هنا كان لا بد من أخذ رأي بعض الضالعين في عالم الغناء عن هذه الظاهرة، فقال المنتج محمود موسى الذي قدم خلال مسيرته عشرات الألبومات التي أسهمت في نجاح عدد كبير من المطربين ومنهم جورج وسوف وراغب علامة ونانسي عجرم ونوال الزغبي، إنه "قبل ظهور الألبوم خلال التسعينيات كانت شركات الإنتاج تصدر ما يسمى الأسطوانة، ومن ثم تبعها الكاسيت وصولاً إلى الـ ’سي دي‘ وكل هذه الوسائل كانت تتضمن ما بين ست أو 10 أغنيات، وقد تصل في بعض الأحيان إلى 20 أغنية في بداية الألفية الثالثة، إلى أن برز الديجيتال الذي أسهم في دمار مجال الغناء".
ويتابع موسى، "ما كان يميز فترة الكاسيت والألبوم أن معظم الأغنيات كانت تنجح بفضل حنكة المنتجين الذين كانوا يختارون الألحان والكلمات المميزة بحس فني عال، إضافة إلى تعاونهم مع المبدعين في عالم التوزيع الموسيقي، فضلاً عن الحملة الإعلانية التي كانت تصاحب أي إصدار مما يدل أن المنتج كان سيد العمل وليس الفنان، كما أن التنافس بين المنتجين اللبنانيين والعرب كان شريفاً، فمثلاً كنت أسال المنتج المصري محسن جابر عن موعد صدور ألبومات عمرو دياب والراحلة وردة الجزائرية وميادة الحناوي لكي أختار الوقت المناسب لإصدار إنتاجاتي منعاً لتضارب المواعيد، وهذا الجو التنافسي النظيف خلق أغنيات جميلة لا تزال راسخة في أذهان الجمهور العربي حتى يومنا هذا".
القرصنة
أما اليوم فقد اعتمد معظم المطربين على أنفسهم في اختيار أعمالهم الغنائية بعد انكفاء عدد كبير من المنتجين عن الإنتاج بسبب القرصنة وسوء الأحوال الاقتصادية، فأصبح أي مطرب يسعى إلى طرح أغنية واحدة كل موسم لينال أكبر نسبة مشاهدة على موقع ’يوتيوب‘ وهذه المشاهدات أسهمت في انحدار الذوق العام، فبات المطرب يهدف عبر الإعلانات على هذا الموقع إلى حصد أعلى نسبة مشاهدة، لأن الأرباح المادية باتت محصورة فيه، وهذا ما جعل الألبوم ينحسر مع الأيام لأن ’يوتيوب‘ لا يمكنه أن يستوعب ثماني أو تسع أغنيات دفعة واحدة، ولأن هذا الفعل يحد من جذب المشاهدات، ومن هذا المنطلق أقول إن مواقع التواصل الاجتماعي دمرت الفن الغنائي".
أما النجمة نوال الزغبي التي قدمت طوال مسيرتها عشرات الألبومات الناجحة منذ بداياتها في التسعينيات فقد اعتمدت خلال السنوات الأخيرة إصدار أغنيات منفردة وتعاونت مع عدد من شركات الإنتاج، لكنها تعرضت إلى هجوم شرس خلال الأيام الأخيرة بعد أن قالت إن زمن الألبوم انتهى، وبات الأجدى بالمطرب إطلاق أغنيات منفردة وتسويقها بشكل جيد كي تأخذ كل واحدة حقها من النجاح والانتشار.
وعن هذا الأمر قالت "بدأت أعتمد على إصدار السنغل لكني أعمل عليها وكأنها ألبوم كامل، كما أن النجوم العالميين ابتعدوا من الألبومات وباتوا يعتمدون على الأغنيات المنفردة لأنها أكثر تناسباً مع عصرنا الحالي مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الموسيقية، أما زملائي الذين لا يزالون يفضلون إطلاق ألبومات فأتمنى لهم التوفيق، فلكل فنان وجهة نظر وأنا مقتنعة بالأغنيات السنغل على رغم صعوبة الموضوع".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما مدير أعمال النجمة نانسي عجرم جيجي لامارا فيقول إنه "مع انطلاقة نانسي الفنية اعتمدنا على إطلاق الألبومات وأبرزها ’أخاصمك آه‘ و ’آه ونص‘ وهذان العملان أسهما في نجاحها الكبير في كل أنحاء العالم العربي، وقد استمرت على هذا المنوال حتى أصبح لديها أرشيف كبير تستطيع أن تغنيه على أكبر المسارح".
ويضيف لامارا، "موضة هذا العصر هي إطلاق الأغنيات السنغل، ونحن نتبعها لأن الأغنية المنفردة باتت مطلوبة وتحديداً للمنصات الرقمية والموسيقية، أما الفنان صاحب الأرشيف فعليه أن يسعى إلى تقديم ألبوم كامل كل سنتين أو ثلاث سنوات تقريباً كي يغني أرشيفه، لأن الفنان الحقيقي يجب أن يمتلك رصيداً كبيراً من الأغنيات الناجحة التي يؤديها أمام جمهوره، وأولئك الذين ينجحون بأغنية واحدة مثلاً عبر تطبيق ’تيك توك‘ ويستعين بهم متعهدو الحفلات للمشاركة في المهرجانات، نراهم يؤدون أغنيتهم المنتشرة وباقي وصلتهم على خشبة المسرح يملأوها بأغنيات مطربين محترفين، لذا فهذه الموضة ستزول ويبقى المطرب الأصلي متربعاً على عرش فنه".
الترويج
أما المنتج غسان شرتوني فله رأيه الخاص في مسألة الألبوم والأغنيات المنفردة، فيقول "الألبوم الذي بدأ إنتاجه في أميركا منذ 75 عاماً، هو مجموعة من الأغنيات سواء أطلق عليه اسم ’كاسيت‘ أم ’سي دي‘ أم ’ديجيتال‘ وهو ماركة مسجلة للمطرب الذي كان يطرح عمله ويصور منه أغنيات عدة بهدف الترويج، أما اليوم فأصبح lyrics video أسهل للفنان لأن كلفه قليلة جداً وباستطاعة كل الناس أن يسمعوا الأغنية عبر المنصات و’يوتيوب‘".
وفي السابق دفعت القرصنة الفنانين العرب إلى إطلاق ألبومات بهدف الاستحواذ على أكبر قدر من الحفلات والمهرجانات، إنما الطبيعي أن يكون العكس كما يحصل في الغرب، إذ يقوم المطرب الأجنبي بجولة عالمية للترويج وبيع ألبومه بعيداً من القرصنة.
ومنذ عام 2018 أصبح هناك إمكان للربح المادي من "الستريمنغ" والاستماع المجاني والمعلنين والاشتراكات، فأصبح بإمكان المنتج أن يستثمر أمواله التي صرفها على العمل الفني أضعاف أضعافه.
ويضيف شرتوني، "أنا كمنتج بدأت في العالم العربي عام 2008 بتحصيل أموالي من ’يوتيوب‘ لكنها كانت قليلة، ومع مرور الوقت ارتفعت الأرباح وتحديداً في فترة كورونا، إذ كان الناس في منازلهم يستمتعون بسماع الأغنيات عبر المنصات، وأنا لم أتوقف يوماً عن إنتاج الألبومات لمطربي شركتي لأنني أعرف كيف أحصل أموالي".