بنس يتمثل في ريغان ويقترب من الترشح للرئاسة... فهل يفوز؟

من المتوقع أن يعلن نائب الرئيس السابق مايك بنس قريباً حملته الانتخابية للبيت الأبيض ضد الرئيس السابق دونالد ترمب الذي خدم في ظل حكمه، بعد أن شكل لجنة عمل سياسي (سوبر باك) تعد الخطوة الأكبر للترشح، لكن بنس يصور نفسه على أنه "محافظ كلاسيكي" سيعيد الحزب الجمهوري إلى جذوره التي سبقت وصول ترمب إلى الحكم، كما يتبنى المبادئ المحافظة على غرار الرئيس السابق رونالد ريغان، التي تختلف تماماً عن السياسات الشعبوية لكل من ترمب ورون ديسانتس حاكم فلوريدا، ويراهن على لم شمل اليمين المسيحي والمحافظين الماليين وصقور الأمن القومي داخل حزب غيره ترمب. غير أن بنس يواجه كثيراً من المصاعب والمعضلات، فما نقاط القوة والضعف في ترشحه، وهل يمكن أن يفوز ضد ترمب؟

"مستعد للقيادة"

مثل إطلاق "سوبر باك" (لجنة عمل سياسي) جديد يدعم مايك بنس كمرشح رئاسي لعام 2024، الإثنين، خطوة أساسية تنبئ بقرب ترشح نائب الرئيس السابق ودخوله مضمار الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري في الأسابيع المقبلة، وسط نبرة تفاؤلية من قيادة لجنة العمل السياسي التي أطلقت على نفسها اسم "ملتزمون تجاه أميركا" التي تضم رئيسين مشاركين هما عضو مجلس النواب السابق، صديق بنس المقرب جيب هينسارلينغ (جمهوري من تكساس) والمستشار الجمهوري المخضرم سكوت ريد الذي أدار الحملة الرئاسية لبوب دول في عام 1996 وكان كبير الاستراتيجيين السياسيين لغرفة التجارة الأميركية.
وعلى سبيل المثال، وصف هينسارلينغ في بيان للجنة، مايك بنس بأنه "الزعيم المحافظ الذي تحتاج إليه الأمة الأميركية في هذا الوقت الحرج"، وأنه "أظهر باستمرار مع تنقله من رئاسة المؤتمر الجمهوري في مجلس النواب الأميركي، إلى حاكمية ولاية إنديانا، إلى العمل كنائب للرئيس، التزاماً لا مثيل له بالمبادئ المحافظة والدستور، ولذلك يمكن لمايك الفوز، وهو مستعد للقيادة الآن".
ويتشجع فريق بنس من كون المدير التنفيذي للجنة العمل السياسي هو بوبي سابارو، الذي أدار حملة إعادة انتخاب حاكم ولاية جورجيا بريان كيمب في عام 2022، عندما هزم منافسته الديمقراطية المعروفة على المستوى الوطني ستايسي أبرامز بهامش أوسع مما فعل في عام 2018. ولهذا يعتقد سابارو أن ما فعله بنجاح مع الحاكم كيمب سيطبقه على المسرح الوطني للولايات المتحدة، ويحشد برنامجاً غير مسبوق للاتصال بالناخبين للفوز وجعل مايك بنس الرئيس المقبل للولايات المتحدة، وهو نهج بدأه نائب الرئيس السابق بعدة رحلات أجراها إلى نيو هامبشير خلال العام الماضي، إضافة إلى ولايات أخرى مثل أيوا وساوث كارولينا، كما يعتزم القيام برحلات قريبة إلى ولاية نيو هامبشير مجدداً وولاية أيوا في محطتين منفصلتين في الأسابيع المقبلة.

على ماذا يراهن؟

وعلى رغم صعوبة المعركة ضد خصمين شعبويين مثل ترمب وديسانتس الذي ينتظر ترشحه قريباً، فإن بنس يراهن على اقتطاع مساحة جيدة ضمن الناخبين الجمهوريين الأساسيين من خلال مناشدة الإنجيليين وهم الشريحة الأكبر في الحزب، وتبني موقف متشدد لدعم حظر الإجهاض على المستوى الفيدرالي، وتعزيز التجارة الحرة، وصد جهود الجمهوريين لمراقبة الشركات الكبرى وتحديها على أسس أيديولوجية.
ووفقاً لما ذكرته لجنة العمل السياسي الداعمة له، سيركز ترشيح بنس بشدة على كسب الناخبين الإنجيليين، لا سيما في ولاية أيوا، حيث تعتزم اللجنة تنظيم مؤتمرات حزبية في جميع المقاطعات الـ99 للولاية التي تشهد المسابقات الأولى للمتنافسين الجمهوريين على الرئاسة في أوائل العام المقبل. وفي تصريح له مع المراسلين، وصف المستشار الجمهوري سكوت ريد، المؤتمرات الحزبية في ولاية أيوا بأنها "الحدث الحاسم" لترشيح بنس وتنبأ بموجة من سياسات البيع بالتجزئة لتسويق شخصية بنس كرئيس للولايات المتحدة في كل مقاطعة كما لو كنا ندير حملة لمنصب عمدة المقاطعة.
كما سبق وأكد بنس في مقابلة أجريت معه أخيراً فإن ولاية أيوا تشبه ولاية إنديانا (موطنه الأصلي) التي كان يحكمها، أكثر من أي ولاية أخرى في الاتحاد، وأنه يشعر هناك كما لو أنه في وطنه.

على غرار ريغان

وإذا كان ترمب يمثل اليمين الجديد الشعبوي، فإن بنس يستعد للترشح للرئاسة على غرار الرئيس الجمهوري السابق رونالد ريغان (1981 – 1989) الذي حظي بشعبية بين الأميركيين بشكل عام وبتأييد هائل من الجمهوريين بشكل خاص، حيث يراهن فريقه على ما يصفونه بـ"تحالف ريغان" المكون من اليمين المسيحي والمحافظين الماليين وصقور الأمن القومي، من خلال إعادة تجميع هذا التحالف داخل حزب غيره ترمب، وهو ما أشار له بنس في خطاب ألقاه بولاية نيو هامبشير قبل أيام حين قال إنه يجب مقاومة نداءات الشعبوية غير الملتزمة المبادئ المحافظة، كما أنه سيتبع سياسات ريغان أيضاً في جانبها الاقتصادي من خلال دعوة مرتقبة إلى "التجارة الحرة مع الدول الحرة"، وفقاً لما نشره تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز".
ويصور نائب الرئيس السابق نفسه على أنه "محافظ على إرث ريغان" ويتبنى مواقف مختلفة بشكل حاد عن ترمب وديسانتيس في شأن أهم الأسئلة المتعلقة بالسياسة التي تؤطر سباق الجمهوريين لانتخابات عام 2024، ومع ذلك فإن مواجهة ترمب بشكل مباشر ستجبر بنس على مواجهة التناقضات المتأصلة في العمل كرجل كان يوافق دائماً على سياسات الرئيس السابق لمدة أربع سنوات خلال الاضطرابات التي شهدتها إدارته.

رجل نفسه

لكن لجنة العمل السياسي الداعمة لبنس ستعيد تقديمه إلى البلاد كـ"رجل خاص بنفسه"، إذ يقول سكوت ريد إن "الناس يعرفون مايك بنس لكنهم لا يعرفونه جيداً"، مشيراً إلى "اللحظة الحاسمة التي حددت موقف بنس على مدار العامين الماضيين بدءاً من رفضه حملة الضغط عليه التي شنها ترمب قبل وأثناء السادس من يناير (كانون الثاني) 2021 لحمله على تجاوز سلطته الدستورية بعد فوز الرئيس جو بايدن بأصوات الهيئة الانتخابية (المجمع الانتخابي)".
وعلى رغم أن هذه القضية ليست قضية رابحة مع قاعدة الحزب الجمهوري، لكن فريق بنس يعتقد أن هناك عدداً كافياً من الجمهوريين الذين يمكن أن يكسبهم بنس، الذين يصفون هذه اللحظة بأنها التزام المبادئ الدستورية.

بنس وحيداً

ويقف بنس بمفرده تقريباً بين منافسيه الجمهوريين المعلنين والمرتقبين، مدافعاً عن الآراء التي كانت ذات يوم قضية معيارية لحزبه، فهو يطالب على سبيل المثال بتقليص الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية كجزء من أي خطة جادة للتعامل مع الدين الوطني الأميركي، وهو نهج كان قبل دخول ترمب مجال السياسة الوطنية الأميركية عام 2015، بمثابة "أرثوذكسية جمهورية" معتادة تعمل وتدعو إلى قطع برامج الاستحقاقات، لكن ترمب غير ذلك ووعد في حملته الثالثة الجارية الآن، بعدم قطع أي من البرنامجين، كما هاجم ديسانتس في شأن هذه القضية، مدعياً أن حاكم فلوريدا سيقطع تلك البرامج.
في المقابل، انتقد بنس توافق ترمب وبايدن على عدم المساس بالضمان الاجتماعي والرعاية الطبية. وقال إنه سيشرح للناس كيف ستؤثر أزمة الديون على أطفالهم وأحفادهم، مؤكداً أن خطته لخفض المزايا لن تنطبق على مدفوعات الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية للأشخاص المتقاعدين اليوم أو الذين سيتقاعدون في السنوات الـ25 المقبلة، لكنه سيطرح أفكاراً لخفض الإنفاق للأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 40 عاماً.

اختلافات السياسة الخارجية

كما يرسم بنس تناقضاً صارخاً في السياسة الخارجية مع منافسيه الجمهوريين، ففي حين تساءل كل من ترمب وديسانتس عما إذا كان ينبغي على الولايات المتحدة دعم أوكرانيا في حربها ضد الهجوم الروسي، يرى بنس المعركة على أنها "نسخة حديثة من الحرب الباردة"، منتقداً ما وصفه بنوع من الحركة تسير على قدم وساق في الحزب الجمهوري للتخلي عن التزام الولايات المتحدة بأن تكون زعيمة العالم الحر وهذا يفسر سبب تقديم أميركا الدعم العسكري لأوكرانيا.
وعلى عكس كل مرشح جمهوري كبير تقريباً لمنصب الرئيس، لا يزال بنس يدافع عن قرارات الرئيس السابق جورج دبليو بوش بغزو أفغانستان والعراق، رغم اعترافه بأن المعلومات عن وجود أسلحة دمار شامل في العراق، التي استخدمها بوش لتبرير الغزو كانت خاطئة، حيث يقول بنس، إنه "في أعقاب الـ11 من سبتمبر، صاغ الرئيس بوش عقيدة أيدتها بالكامل، وهي أنه من الصعب على أعدائك إظهار القوة إذا كانوا يتراجعون إلى الوراء".

تباينات داخلية أخرى

يقاوم بنس أيضاً سياسات الغضب المناهضة للشركات الكبرى في الولايات المتحدة، التي تهيمن على السياسة الجمهورية اليوم، إيماناً بأن الحكومة المحدودة تعني عدم التدخل في القطاع الخاص. وكان نائب الرئيس السابق من أوائل الجمهوريين الرئيسين الذين انتقدوا ديسانتس بسبب معركته ضد شركة ديزني العملاقة في ولاية فلوريدا، لكن من وجهة نظر سياسيي اليمين الجديد مثل ديسانتس، فإن المحافظين الحكوميين محدودون في تفكيرهم وساذجون لأنهم يتجاهلون حقيقة أن الليبراليين زاد نفوذهم في المؤسسات الأميركية الكبرى، وداخل الأوساط الأكاديمية، وشركات "فورتشن 500"، ووسائل الإعلام، ولهذا يحتاج المحافظون إلى استخدام القوة الحكومية للرد.
غير أن أبرز القضايا الحساسة التي تميز بنس عن ترمب، أن الأول سيترشح كمحافظ اجتماعي قوي في شأن سياسة الإجهاض. ففي حين رفض ترمب مراراً في ظهوره الأخير مع شبكة "سي أن أن"، القول إنه سيدعم حظراً فيدرالياً للإجهاض، مفضلاً ترك القضية لقرار كل ولاية، اعتبر مارك شورت، كبير مستشاري بنس أن "إحالة الرئيس السابق والآخرين الذين يتطلعون إلى أعلى منصب في البلاد هذه القضية إلى الولايات، هو أمر خطأ"، موضحاً أن "بنس سيدعم الجهود الفيدرالية لحماية الحياة بفرض حظر وطني على الإجهاض بعد 15 أسبوعاً من الحمل أو أقل".

عوائق كثيرة

ويجد بنس نفسه في وضع غير معتاد للغاية، كونه نائب رئيس سابق يحاول الضغط مرة أخرى ليكون له مكان بارز في الحوار الوطني الأميركي حول القضايا المختلفة، بخاصة أن الملف السياسي الذي بناه في عهد ترمب، كان بعيداً من كونه حامل اللواء، على الأقل حتى تمزقت علاقتهما في السادس من يناير 2021، كما أنه في مكان بعيد جداً في استطلاعات الرأي الوطنية مقارنة بترمب وديسانتس، ولم يبذل أي جهد لتوجيه الطاقات الشعبوية السائدة في الحزب الجمهوري.
وتظهر استطلاعات الرأي أن بنس سيبدأ حملته لعام 2024 كمرشح غير شعبي تاريخياً، حيث تشير الاستطلاعات الأخيرة من "فوكس نيوز" و"وول ستريت جورنال" و"أسوشيتد برس" إلى أن أغلبية طفيفة فقط من الجمهوريين يحبونه، وما يصل إلى أربعة من كل 10 لا يحبونه، ومع ذلك أظهر استطلاع لشبكة "سي بي أس" أن 57 في المئة من الجمهوريين قالوا إنهم لن يفكروا في التصويت لصالحه، وعلى المستوى الوطني فإن 60 في المئة من الأميركيين لديهم وجهة نظر غير مواتية تجاه بنس، مقارنة بنحو 29 في المئة مؤيدين، لكن بنس وحملته قد يجدان عزاءهما في أرقام ترمب نفسه في مايو (أيار) 2015 حين ترشح للمرة الأولى للانتخابات الرئاسية، إذ أظهر استطلاع لصحيفة "واشنطن بوست" وشبكة "أيه بي سي نيوز" أن 71 في المئة من الأميركيين و65 في المئة من الجمهوريين لديهم وجهة نظر سلبية عنه، لكن بعد فترة وجيزة من إطلاق حملته، أظهر الاستطلاع نفسه تغيراً عكسياً سريعاً بشكل مفاجئ آنذاك، فقد أحب 57 في المئة من الجمهوريين ترمب، بينما لم يحبه 40 في المئة، وهو نفس المعدل الذي يقف عنده بنس الآن تقريباً.
ويقول آرون بليك في صحيفة "واشنطن بوست"، إن "إدارة بنس حملة جمهورية تقليدية ومحافظة على نمط ريغان، تركز على الأفكار التي أصبحت أقل شعبية في اليمين، بما في ذلك دعم أوكرانيا وإصلاح الاستحقاقات والتجارة الحرة، لكن يبدو أن مغامرة إعادة الحزب في النهاية إلى أسسه، تستلزم انفصال الحزب الجمهوري بشكل واسع النطاق عن ترمب. وإن أرقام بنس السيئة لا يمكن أن تتحسن حقاً ما لم تتراجع أرقام ترمب".

دعم الكونغرس

هناك فرصة ضئيلة لأن يتلقى بنس تأييد عديد من أعضاء الكونغرس، وهو ما يعكسه اعتراف فريقه بأن بنس لا يحتاج إلى مسؤولين منتخبين ليؤكدوا أوراق اعتماده. ومع ذلك من غير الواضح حتى الآن عدد المتبرعين الجمهوريين الذين سيدعمون محاولته بعد أن ظهرت علامة مبكرة على الاهتمام الأسبوع الماضي في مدينة دالاس عندما استضاف الملياردير روس بيرو جونيور، وهو مطور عقاري وابن المرشح الرئاسي المستقل السابق روس بيرو، مأدبة غداء لنائب الرئيس السابق مع مانحين رئيسين آخرين، وفقاً لما ذكرته "نيويورك تايمز".
غير أن لدى بنس شيء آخر يقدمه في الوقت الحالي، وهو أنه على استعداد للاستغناء عن عنصر أساسي في الحملات الرئاسية الجمهورية في العصر الحديث وهي حرب ترمب المستمرة ضد وسائل الإعلام، حيث قال "يريد الناس رؤيتنا نعود إلى عتبة الكياسة في النقاش العام، وعندما أقول ذلك للناس فإنني أعتقد أن الديمقراطية تعتمد على جرعات كبيرة من الكياسة، ولهذا أتلقى استجابة عميقة للغاية من الجماهير".