كواليس الهجوم على مقر الكونغرس الأميركي عام 2021، تتكشف تدريجاً لتعكس حجم الإرباك الذي أحدثه الرئيس السابق دونالد ترمب في أعقاب رفضه الاعتراف بفوز المرشح الديمقراطي آنذاك جو بايدن بالرئاسة، إلا أن تداعيات رفض الرئيس الجمهوري لنتيجة الانتخابات لم تقتصر آثارها على خصومه فقط، بل امتدّت إلى ساعده الأيمن مايك بنس، نائب الرئيس، الذي وجد نفسه بين مطرقة إرضاء ترمب وناخبيه وسندان القانون وحرّاسه، ما ضاعف الضغوط الشعبية عليه إلى درجة أن دائرته المقربة استشعرت خطراً أمنياً متزايداً مع اقتراب موعد مصادقة الكونغرس على فوز بايدن بالرئاسة.
وأزاحت صحيفة "نيويورك تايمز" الستار عن مكالمة هاتفية أجراها مارك شورت، كبير موظفي نائب الرئيس الأميركي من مكتبه في الجناح الغربي، بـتيم غيبلز، كبير موظفي جهاز الخدمة السرية المعني بحماية مايك بنس، أبلغه فيها بأن الرئيس ترمب "سينقلب علناً" على نائبه، مرجحاً حدوث خطر أمني على الأخير بسبب ذلك.
وأوضحت الصحيفة أن المكالمة بين شورت وغيبلز، جرت قبل يوم من اقتحام حشد من أنصار الرئيس ترمب مبنى الكابيتول في السادس من يناير (كانون الثاني) 2021، بينما كانت تُعقد جلسة مشتركة للكونغرس لفرز الأصوات الانتخابية والمصادقة على فوز بايدن. وعدّت "نيويورك تايمز" تحذير كبير مساعدي نائب الرئيس من مخاوف أمنية متزايدة، الأول من نوعه منذ تولّيه منصبه.
انقسام غير مسبوق
وعلى الرغم من التحذير المبكر، إلا أن السيد شورت لم يكُن على معرفة بالشكل الذي قد تتخذه هذه المخاطر الأمنية، إلا أنه بعد أيام من الضغط المكثف من قبل ترمب على بنس لعرقلة عملية فرز الأصوات في الكونغرس، بدا أن شورت كان لديه سبب وجيه للقلق بحسب الصحيفة، وزادت وجاهته بعدما أحدث رفض نائب الرئيس لمطالب رئيسه، انقساماً غير مسبوق بين الرجلَين، بينما كان ترمب يؤجج غضب أنصاره حيال ما يصفه بـ"الانتخابات المزورة".
ويعكس تحذير كبير مساعدي بنس، التوترات المتزايدة بين الرئيس الجمهوري ونائبه، التي لم تبقَ حبيسة غرف البيت الأبيض المتينة، بل شقّت طريقها نحو وسائل الإعلام المحلية والدولية، فيما كان ترمب يستنفد خياراته لإلغاء نتيجة الانتخابات، أولاً بعد رفض دعاويه القضائية، وثانياً، بعد امتناع بنس عن الوقوف حجر عثرة أمام مصادقة الكونغرس على نتائج المجمّع الانتخابي.
وبحسب "نيويورك تايمز"، فإن التحذير الأمني الصادر عن مكتب كبير موظفي نائب الرئيس يظهر القلق الذي تسلل إلى أعلى المستويات في الحكومة من المخاطر التي يمكن أن تنجم عن أفعال ترمب وتصريحاته. وعلى الرغم من أن الإجراءات التي اتخذها كبير موظفي الخدمة السرية الخاصة بنائب الرئيس بعد تلقّيه التحذير لم تتضح، إلا أنه وبعد يوم واحد من المكالمة، اقتحم أكثر من 2000 شخص، منهم من كان يهتف "اشنقوا مايك بنس"، مبنى الكابيتول، حيث كان نائب الرئيس يشرف على التصديق على فوز بايدن بالرئاسة.
وذكرت "نيويورك تايمز" أنه بعد تأمين بنس، ورد أن مارك ميدوز، رئيس موظفي البيت الأبيض، أخبر زملاءه أن الرئيس ترمب "قال إنه ربما كان ينبغي إعدام السيد بنس".
وأشارت الصحيفة إلى أن شورت سُئل عن المحادثة مع غيبلز خلال مقابلة مع لجنة مجلس النواب التي تحقق في أعمال الشغب يوم السادس من يناير العام الماضي. ولم تردّ متحدثة باسم الخدمة السرية على رسالة بريد إلكتروني تستفسر حول الأمر، ورفض المتحدث باسم نائب الرئيس السابق التعليق.
تحركات من الجانبين
يُذكر أنه بعد أسابيع قليلة من يوم الانتخابات الرئاسية الأميركية في 3 نوفمبر 2020، علم مساعدو بنس أن بعض مستشاري ترمب كانوا ينظرون إلى 6 يناير 2021، المحدد بموجب القانون باعتباره يوم المصادقة على نتائج المجمع الانتخابي، كتاريخ حساس بالنسبة إلى جهود الرئيس الجمهوري للبقاء في السلطة. في المقابل، سارع بنس بالطلب من مستشاره القانوني غريغ جيكوب، كتابة مذكرة توضح صلاحياته أثناء التصديق. وعلى الرغم من أن تلك المذكرة لم تتخذ موقفاً واضحاً، إلا أن مستشاري بنس واصلوا البحث وخلصوا في النهاية إلى أن نائب الرئيس ليست لديه سلطة للتحكم بالنتيجة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووضعت حملة الضغط لتغيير نتيجة الانتخابات، إلى جانب أحداث أخرى مثل إعاقة ترمب الموافقة على منح بنس جزءاً من أموال المرحلة الانتقالية، لتمويل مكتبه ما بعد البيت الأبيض، فريق نائب الرئيس في حالة تأهب قصوى. ووسط التوتر المتزايد، تواصل كبير موظفي الرئيس ترمب بين عيد الميلاد ورأس السنة الجديدة مع جاريد كوشنر، صهر الرئيس وكبير مستشاريه، ليستشيره في مساعي نزع فتيل ما أصبح صداماً بين معسكرَي الرئيس ونائبه، إلا أن كوشنر تجنّب التدخل، قائلاً إنه "منشغل بمفاوضات في الشرق الأوسط".
كما كتب جون ماكنتي، كبير مساعدي ترمب، ملاحظة مكتوبة بخط اليد تم تداولها في الجناح الغربي، بدا أنها تقرّ بأن بنس لا يعتقد أنه يمكن أن يؤثر في نتيجة الانتخابات. واستمر بنس في تلقي المذكرات غير المرغوب بها، التي تجادل بأن لديه القدرة على عرقلة المصادقة، منها ملاحظة كتبها ماكنتي استشهد فيها بسابقة قديمة من التاريخ الأميركي وورد فيها وفق "نيويورك تايمز"، "استخدم جيفرسون موقعه كنائب للرئيس للفوز".
وفي مستهل يناير، أوضح بنس لترمب أنه "لا يعتقد أن لديه القدرة على فعل ما يريده، لكنه أشار إلى أنه سيواصل دراسة القضية". إلا أن ترمب غرّد في صباح يوم الخامس من يناير 2021، قائلاً إن بنس بوسعه رفض الأصوات الانتخابية. وحاول الرئيس الجمهوري إقناع بعض مستشاريه غير الرسميين خارج البيت الأبيض بالذهاب إلى المقر الرسمي لنائب الرئيس لحمله على قبول رغبته. وفي ذلك اليوم، تحدث ترمب إلى بنس مرة أخرى، وضغط عليه بشأن قدرته على وقف المصادقة على الأصوات الانتخابية، وهو اليوم ذاته الذي أفصح فيه كبير مساعدي نائب الرئيس عن مخاوفه الأمنية لممثل جهاز الخدمة السرية (الاستخبارات).
وبحلول يوم السادس من يناير، خاطب ترمب الآلاف من أنصاره في تجمع حاشد بالقرب من البيت الأبيض، قبل بدء المصادقة على نتائج المجمع الانتخابي في الساعة الواحدة ظهراً، إذ مارس ترمب جنباً إلى جنب مع المحامي جون إيستمان الذي اشتهر بطرحه حول قدرة نائب الرئيس على التدخل، ضغوطاً علنية على بنس لعرقلة المصادقة على نتيجة الانتخابات.
وقال ترمب لمؤيديه إن "البلاد لن تُستعاد بالضعف"، وخاطب مايك بنس، قائلاً، "أتمنى أن تدافع عن دستورنا ومصلحة بلدنا. وإذا لم تفعل ذلك، فسأُصاب بخيبة أمل كبيرة فيك، سأخبرك من الآن. لا أسمع قصصاً جيدة".
وفي حوالى الساعة الواحدة ظهراً، أصدر بنس مذكرة أوضح فيها أنه يختلف مع الرئيس بشأن سلطته للتدخل في عملية التصديق. ولم يتم إطلاع المستشار القانوني للبيت الأبيض على المذكرة مسبقاً، ما يوضح تمزّق الثقة بين جناحَي الرئيس ونائبه.
ولاحقاً، اجتاح أنصار ترمب مبنى الكابيتول، ما دفع غيبلز إلى إخراج بنس من قاعة مجلس الشيوخ، وأخذه إلى رصيف تحميل تحت الأرض، حيث رفض نائب الرئيس ركوب السيارة، على الرغم من حثّه على المغادرة، وذلك لأنه كان يعتقد أن إخلاءه "سيسمح لمثيري الشغب بتحقيق النصر على عملية ديمقراطية أساسية"، وفق مساعديه. ومكث بنس هناك لساعات، حتى أصبحت العودة إلى قاعة مجلس الشيوخ آمنة، وأصرّ على إنهاء عملية التصديق.
موقف بنس
وتساعد التفاصيل الجديدة في توضيح مساعي ترمب وحلفائه للضغط على بنس لقبول نظريتهم بأن نائب الرئيس قادر على منع تصديق الكونغرس على نتائج المجمع الانتخابي، وهي السلطة التي أكد بنس مراراً أنه لا يملكها، إذ قال بعد حوالى خمسة أشهر من هجوم الكابيتول، إنه "لا توجد تقريباً أي فكرة لا تمثل القيم الأميركية أكثر من فكرة أن أي شخص يمكنه اختيار الرئيس الأميركي".
وفي فبراير (شباط) الماضي، انتقد بنس علناً الضغط الذي مارسه عليه ترمب أثناء محاولة الأخير عكس نتائج خسارته في انتخابات 2020 أمام بايدن.
وقال نائب الرئيس السابق أمام مؤتمر سنوي لـ "الجمعية الفيدرالية" وهي منظمة أميركية تضم محامين وقضاة وسياسيين محافظين وليبراليين، تُعنى بالدفاع عن التفسير الأصلي لدستور الولايات المتحدة، إن "الرئيس ترمب أخطأ. ولم يكُن لي الحق في أن أغيّر نتيجة الانتخابات".