Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن
0 seconds of 1 minute, 6 secondsVolume 90%
Press shift question mark to access a list of keyboard shortcuts
00:00
01:06
01:06
 

تصفير الأزمات... هل تدعم القمة العربية سوريا اقتصاديا؟

مراقبون يضعون رفع العقوبات الغربية وإعادة الإعمار على قائمة الأولويات

ملخص

تحركات واسعة في القمة العربية بجدة تتزامن مع معاناة الاقتصاد السوري من تخبط وتضخم وتقلص شديد للقدرة الشرائية في ظل انهيار العملة المحلية إذ بلغ الدولار الأميركي الواحد تسعة آلاف ليرة سورية علاوة عن كلفة إعادة الإعمار.. فهل تلتقط دمشق أنفاسها اقتصاديا برئة عربية؟

نفضت دمشق عن نفسها غبار العزلة، أخيراً، ولاقت ترحيباً في الاجتماع الوزاري التحضيري لـقمة جدة التي يصفها الساسة العرب بـ"قمة القمم" ويتوقع منها الكثير، لكن يظل أبرز ملفاتها "تصفير الأزمات" السياسية والدبلوماسية والاقتصادية لتسويات شاملة، بمسعى لتحقيق استقرار المنطقة، فلا اقتصاد مزدهراً ولا وبيئة استثمار عربية مفعمة بالحيوية، وجاذبة حول العالم من دون أمان لدولها وفي القلب منها سوريا.

ومع أن الأنظار تتجه إلى القمة العربية الـ32 على وقع أجواء إيجابية ترتبط بالمصالحات الأخيرة، ومد يد السلام إلى سوريا لتجلس بمقعدها الذي ظل شاغراً منذ عام 2011، بعد قرار تجميده على خلفية حراك شعبي طالب بإسقاط السلطة، وأتبعه اندلاع صراع مسلح وجهاً لوجه مع المعارضة وصولاً إلى حل سياسي شامل وتسوية على مبدأ "خطوة بخطوة" شهدته أروقة السياسة العربية أخيراً.

العزم العربي والاستثمار

تحركات واسعة تتزامن مع معاناة الاقتصاد السوري من تخبط وتضخم وتقلص شديد للقدرة الشرائية في ظل انهيار العملة المحلية، إذ بلغ الدولار الأميركي الواحد تسعة آلاف ليرة سورية، علاوة عن كلفة إعادة الإعمار التي تقدر بأكثر من 400 مليار دولار نتيجة الحرب و50 مليار دولار حصيلة ما خلفه الزلزال في السادس من فبراير (شباط) الماضي.

ودعا وزير الاقتصاد السوري محمد سامر الخليل، على هامش اجتماعات مجلس التعاون الاقتصادي والاجتماعي التابع لمجلس الجامعة المستثمرين العرب، إلى الاستثمار في بلاده، لافتاً النظر إلى فرص واعدة في المرحلة المقبلة.

ونوه كذلك إلى الاهتمام بالأمن الغذائي، الذي يأتي في وقت تقاسي سوريا أزمة قمح مع خروج "خزان الغذاء" في الجزيرة والفرات ووقوعه بأيدي فصائل سورية معارضة، أو قوات سوريا الديمقراطية (قسد).

بالتالي تستورد دمشق من حلفاء لها روسيا وبيلاروس وشبه جزيرة القرم وبصفقات متوالية لتوريد ما يناهز مليون طن من الطحين، تمثل الاحتياج السنوي للبلاد بينما لا تدخر الحكومة أي مساحة في الأراضي التي أعادت السيطرة عليها لزراعتها بالقمح لتعويض تلك الخسارة.

ورأت معاونة الوزير السوري رانيا أحمد، المشاركة في أعمال المجلس الاقتصادي، الذي عقد قبل أيام في جدة، أهمية تنشيط الحركة الاقتصادية في المناطق التي أصابها الزلزال أخيراً، عبر تشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة.

وطالبت بضرورة اتخاذ قرار يتيح زيادة عدد الدول الممثلة في مجالي إدارة الشركات المشتركة والمؤسسات المالية العربية، وإزالة القيود التعريفية وغير التعريفية أمام حركة التجارة البينية، وتشجيع الشركات على تأسيس مشاريع لها في سوريا.

سباق مع الزمن

في المقابل يبدو جلياً العزم العربي بالوقوف إلى جانب السوريين، فعقارب الساعة التي تسابق الزمن بانتهاء مهلة أعلنتها الخزانة الأميركية تدور مسرعة بعد قرارها الصادر في التاسع من فبراير الماضي، أي بعد أيام من زلزال مدمر في سوريا وتركيا جمدت به العقوبات على دمشق لمدة ستة أشهر فقط.

هنا يرى مراقبون أن الدول الأعضاء بالمجلس يمكن أن يتضامنوا اقتصادياً مع سوريا العائدة حديثاً للحضن العربي، لتتخطى المساعدات التقليدية الإنسانية، التي أظهرت تعاطف العرب مع ضحايا كارثة الزلزال لتصل إلى مجالات الاستثمار وملفات أكثر عمقاً، مرجحين المساهمة الفعالة في إعادة الإعمار إلى جانب الصين، التي عقدت عزمها أيضاً الدخول في السوق السورية وبقوة.

اليوم يعقد الشارع السوري آمالاً كثيرة، فالمطلوب فك الحصار في المقام الأول وتحفيز الإنتاج، وإطلاق عجلة الماكينات الثقيلة التي توقفت عن العمل بفعل الحرب، ومنها معامل دمرت أو تعرضت للسلب والنهب مع فقدان وحظر قطع الغيار المناسبة لإعادة تشغيلها.

ويتوقع المتخصص الاقتصادي والمصرفي عامر شهدا في حديث إلى "اندبندنت عربية"، أن يبدأ دعم القمة العربية لسوريا بتفعيل مواثيق واتفاقيات الجامعة، لكن في الوقت نفسه ومع مرور دمشق بمرحلة التعافي بعد الحرب فإن إرادة الدول العربية ستصدم بالعقوبات الأميركية والأوروبية التي لا تزال مفروضة وإن كانت مجمدة لبضعة أشهر.

وحث شهدا على ضرورة اتخاذ العرب موقفاً تجاه العقوبات الأجنبية كتفعيل للاتفاقيات والمواثيق ومنها ما يخص التجارة البينية بين بعضهم بعضاً، وكذلك السوق العربية المشتركة، والنمو المتوازن بين الدول، قائلاً "هنا أمام العرب مهمة صعبة، تتمثل في الوقوف أمام عقوبات الولايات المتحدة، بالتالي مطالبة واشنطن ودول الاتحاد الأوروبي برفعها وفتح المجال أمام إعادة الإعمار".

وأضاف "المساعدات التي تحتاج إليها سوريا لا تقتصر على الدول العربية فقط ولا بد أن تتحمل الدول الأجنبية مسؤولياتها أيضاً، فالعرب سيقدمون الدعم بالحدود الممكنة لكن هناك دولاً من المفترض أن تتحمل مسؤولياتها حول ما نتج من انهيار بالبنى التحتية وقطاعات الاقتصاد والمطلوب مئات مليارات الدولارات".

إزاء ذلك يستبعد الباحث، شهدا أن تتحمل القمة العربية كامل المسؤولية مع إقرار تقديم مساعدات إنسانية أو غير إنسانية، لكن المهم بحسب رأيه الوقوف بوجه العقوبات وإزالتها لتتمكن سوريا من التحرك والاتجاه بإعمار نفسها "العقوبات عائق صعب جداً، ويتطلب بذل جهود سياسية ضخمة على المسرح السياسي العالمي لأجل هذا الهدف".

التقارب والعقوبات

في غضون ذلك تراقب واشنطن التطورات الأخيرة على الساحة العربية بكثير من القلق على رغم صمت يخيم على ردود فعلها تجاه التقارب العربي نحو الشرق وبالذات الصين، والتفاهم السعودي- الإيراني، لكنها لم تقف مكتوفة الأيدي فأعضاء الكونغرس من الحزبين الديمقراطي والجمهوري قدموا مشروع "مواجهة التطبيع مع سوريا" لعام 2023 الذي يحذر الإدارة الأميركية من تطبيع العلاقات مع حكومة دمشق.

وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيار، في بيان صحافي، إن "العقوبات ستظل قائمة بما في ذلك قانون قيصر"، بينما أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن موقف بلاده الرافض للتطبيع، ولكن في المقابل لفت الانتباه إلى أهداف مشتركة مع شركاء واشنطن في المنطقة، وفق تصريحات له.

وكانت العقوبات الأميركية والأوروبية، ومن أبرزها قانون قيصر أو ما يسمى "سيزر"، من أبرز القوانين التي تحظر التعاون بين النظام السوري والهيئات والأفراد والشركات والدول وبما فيها الأفراد، حيث دخل حيز التنفيذ في عام 2020 وطالت العقوبات قطاعات مهمة في مجالات الطاقة والنفط والطيران وغيرها من القطاعات الاستراتيجية.

وزاد الأمر قسوة الأزمة المالية والمصرفية في لبنان بعد أن لعبت في مرحلة سابقة دوراً بارزاً كحديقة خلفية لنشاطات الأعمال التجارية ورؤوس الأموال المهاجرة بين البلدين، لتتبعها الأزمة المالية على خلفية جائحة كورونا، إذا ما علمنا أنه بين عام 2010 لغاية 2020 شهد انكماشاً إجمالياً في الناتج المحلي بأكثر من النصف، ودفع الانخفاض الكبير في نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي إلى تصنيف البنك الدولي لسوريا عام 2018 كبلد منخفض الدخل.

حوامل الطاقة

ويتوقع مراقبون الاستفادة من حزمة مشاريع تدرسها الجامعة العربية وبمبادرة من الرياض، لمواجهة التحديات المستجدة في العالم والمنطقة العربية منها مبادرة الشرق الأوسط الأخضر وتوفير إمدادات الطاقة التي يحتاج إليها العالم، مع إطلاق إطار عمل مشترك لمعالجة الديون.

ومن جهته يصنف المتخصص في الشؤون السياسية مضر الشيخ إبراهيم، محطات الطاقة وإعادة تأهيلها أو بناء محطات جديدة لتوليد الكهرباء أبرز مساعدة عربية يمكن تقديمها لسوريا، وتأتي في سلم الأولويات، التي تشكل العصب الأساسي لحياة الإنسان، لافتاً إلى الحاجة الملحة لبناء وإعادة تأهيل البنى التحتية للمدن والبلدات التي تعرضت لأعمال عسكرية.

وأضاف "حتى المطارات المدنية قد تعرضت لاعتداءات إسرائيلية وصولاً إلى إعمار شقق ومساكن للنازحين ممن فقدوا نتيجة الحرب بيوتهم ومزارعهم وأرزاقهم، وربما أي دولة خرجت بعد الحرب وعاشت عقداً من الزمن وسط الحصار والمعارك تحتاج لكل شيء للولوج لمرحلة جديدة".

ومع كل التفاؤل والترقب لنتائج القمة 32 العربية في جدة وانعكاسات إيجابية تلوح بالأفق بما يخص سوريا ودول المنطقة، يعتري فريق من الخبراء الاقتصاديين القلق حيال اصطدام كل ذلك بالعقوبات الأميركية، التي قد تترك تأثيراً على أداء هذا التقارب دون إمكانية الإفلات أو تجاوز الحصار المفروض على البلاد.

المزيد من العالم العربي