ملخص
تنتج مصر سنوياً 100 مليار رغيف خبز بمعدل 275 مليون رغيف يومياً بسعر مدعم، لكن هذا الرقم مرشح للزيادة بعد وفود آلاف السودانيين، فهل تتحمل موازنة 2023 – 2024 الأرقام الجديدة؟
تثقل فاتورة واردات القمح في مصر، كاهل الموازنة العامة لبلد مصنف كأكبر مستورد في العالم، إذ باتت القاهرة أكثر عرضة لتقلبات الأسعار عالمياً بفعل الفجوة الكبيرة بين الإنتاج المحلي والاستهلاك، وسط مساعٍ لزيادة الإنتاج لخفض فاتورة الاستيراد، وتقليص عبء تدبير الدولار في مقابل شح في موارد النقد الأجنبي.
خلال الفترة من يناير (كانون الثاني) وحتى نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، استوردت مصر قمحاً بـ3.9 مليار دولار مقابل 3.18 مليار دولار في الفترة نفسها من 2021، بارتفاع قدره 724 مليوناً و417 ألف دولار، من إجمالي فاتورة واردات البلاد البالغة 88 مليار دولار أميركي، وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
لكن هذا الرقم مرشح للزيادة، إذ أظهرت تقديرات جديدة لوزارة الزراعة الأميركية، أن مصر ستشهد على الأرجح ارتفاعاً في واردات القمح وتنامياً استهلاكياً، خلال العام المالي 2023-2024.
تنتج مصر سنوياً 100 مليار رغيف خبز، بمعدل 275 مليون رغيف يومياً بسعر مدعم، بحسب بيانات مركز المعلومات بمجلس الوزراء، كما رفعت البلاد مخصصات دعم السلع التموينية لتصل إلى 90 مليار جنيه (ملياران و912 مليون دولار)، في الموازنة الحالية، بغية توفير رغيف الخبز والسلع الأساسية.
فجوة استهلاكية
ويقدر تقرير مجلس الوزراء المصري استهلاك البلاد المتوقع في العام المالي الجديد بـ20.400 مليون طن مقابل 20.250 مليون للعام الجاري، إذ يلقي الصراع في السودان، بتبعات اقتصادية على ما يبدو على مصر، الجار الشمالي للبلد الأفريقي.
ويأتي تقرير وزارة الزراعة الأميركية عن الحبوب "الأسواق العالمية والتجارة"، قبيل انطلاق موسم توريد القمح شرق العوينات في مصر، مذكراً بتحديات متوقعة على صعيد الإنتاج والاستهلاك لدى أكبر مستورد للقمح في العالم.
التقرير الأميركي، يشير إلى توقعات ببقاء مصر أكبر مستورد عالمي متوقع للقمح في الموسم المقبل، بإجمالي واردات تسجل 12 مليون طن بدلاً من 11 مليوناً في (2022-2023)، ما يلفت الأنظار إلى مسألة النزوح المتوقع من السودان إثر صراع دام بين الجيش وقوات الدعم السريع، الذي يلقي بظلاله على حاجة القاهرة لزيادة وارداتها من القمح، إضافة إلى استمرار النمو السكاني، وتحديات العملة المحلية.
أزمة الجار الجنوبي
وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني، توقعت بدورها في مذكرة بحثية الشهر الماضي، انتقال تبعات الاقتتال السوداني إلى اقتصادات البلدان المجاورة للبلد الأفريقي.
من شأن حاجة مصر إلى مزيد من واردات القمح في ظل شهية واسعة للاستهلاك المحلي المدعم بطلب 105 ملايين نسمة داخلياً، وزيادة ضغوط موازنة الدولة، وحاجة البلاد للنقد الأجنبي، وارتفاع أسعار السلعة الاستراتيجية عالمياً، علاوة على التوقعات المتشائمة التي يوردها التقرير الأميركي، حيال إنتاج (أكبر موردين عالمياً)، روسيا وأوكرانيا، اللتين كانتا تمثلان معاً 79.5 في المئة من إجمالي واردات البلاد من القمح.
ويتوقع تقرير الحبوب الصادر عن وزارة الزراعة الأميركية، تراجع إنتاج روسيا 11 في المئة وأوكرانيا 20 في المئة وأستراليا كذلك، أي بانخفاض 26 في المئة عن العام المالي الجاري، مقدراً الاستهلاك العالمي للقمح بـ789.5 مليون طن، بزيادة 2.9 مليون عن العام الماضي.
يلفت التقرير إلى توقعات بتقلص المخزونات العالمية على أساس سنوي، بسبب الانخفاضات الكبيرة لعديد من المنتجين المصدرين بخاصة روسيا صاحبة أكبر تراجع والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة التي يتوقع تراجع مخزونها إلى أدنى مستوى منذ 2007-2008 عند 15.1 مليون طن.
ضغوط الذرة
أعباء الموازنة المصرية، قد تأتي أيضاً من واردات الذرة المتوقعة الموسم المقبل، حسبما يشير تقرير وزارة الزراعة الأميركية، متوقعاً أن تبلغ واردات البلاد، أكبر مستورد للذرة في شمال أفريقيا، 8.5 مليون طن أي بزيادة قدرها 21 في المئة عن العام الجاري، مع عديد من التحديات الاقتصادية وارتفاع الأسعار العالمية، التي لم يتجاهلها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قبل أيام، في افتتاح موسم حصاد القمح شرق العوينات بإشاراته إلى تكاليف الاستيراد المرتفعة، وتحديات سلاسل الإمداد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما مشروع موازنة مصر للعام المالي الجديد، الذي يدخل حيز التنفيذ في أول يوليو (تموز) المقبل، فيقدر سعر طن القمح العالمي بـ340 دولاراً مقابل 330 دولاراً للموازنة الحالية، بحسب تصريحات لرئيس لجنة الخطة والموازنة في مجلس النواب المصري، فخري الفقي.
إلا أن حزمة قرارات حكومية الشهر الماضي، استهدفت خفض معدلات التعرض للأسواق العالمية، بتحفيز توريد الإنتاج المحلي، عبر صرف حافز إضافي لتوريد القمح موسم 2023 بنحو 1500 جنيه (48.54 دولار) وفرض قيود على استخدام المحصول غذاءً حيوانياً، وحظر نقله من مكان إلى آخر دون موافقة وزارة التموين، مع قصر تسويقه على شركات حكومية.
وأضعف شح الدولار العملة المصرية، عقب دورة التشديد النقدي التي بدأتها البنوك المركزية، وفي مقدمتها مجلس الاحتياطي الفيدرالي نهاية عام 2021، وأدت إلى خروج 20 مليار دولار من سوق أدوات الدين الحكومية بنهاية الربع الأول من عام 2022، وأدى ذلك إلى تراجع الجنيه المصري أمام الدولار الأميركي بنسبة 97.7 في المئة، عبر ثلاث عمليات من تحرير سعر الصرف منذ مارس (آذار) من العام الماضي.
الوزارة الأميركية توقعت كذلك أن يبلغ الإنتاج العالمي من القمح في عام 2023-2024 قرابة 789.8 مليون طن، بدعم من الإنتاج الأكبر لدى الأرجنتين، المنتج الرئيس في أميركا اللاتينية، بعد تعافي المحصول من آثار الجفاف، في حين تحفز الأسعار المرتفعة في الهند، المزارعين لزراعة مزيد من المساحات الإضافية بإجمالي إنتاج 110 ملايين طن، إضافة إلى ارتفاع إنتاج الاتحاد الأوروبي مع ظروف طقس مواتية باستثناء إسبانيا، مع ارتفاع طفيف في الولايات المتحدة.
مستورد شره
على رغم التحديات الواردة في تقرير وزارة الزراعة الأميركية، إلا أن هناك في مصر من يرى أن بلاده فطنت مبكراً إلى كونها مستورداً شرهاً للقمح، وعملت على زيادة المساحات المزروعة من المحصول، بغية خفض معدلات تعرضها للسوق العالمية.
عضو الحملة القومية للقمح مدير المكتب الفني لمعهد المحاصيل بمركز البحوث الزراعية التابع لوزارة الزراعة المصرية، خالد جاد، قال لـ"اندبندنت عربية" إن المساحات المزروعة بالمحصول هذا العام حوالى 3.2 مليون فدان، وهي نسبة مستقرة تاريخياً، إذ تتراوح المساحات المزروعة بالقمح بين ثلاثة إلى 3.4 مليون فدان في الغالب، بإنتاجية 19.2 إردباً للفدان الواحد، و24 إردباً للفدان في الحقول الإرشادية النموذجية.
ويلفت جاد، إلى أن مصر أضافت مساحات جديدة لزراعة محصول القمح الاستراتيجي في مشروعي توشكي وشرق العوينات، بخاصة الأخير الذي يضم قرابة 160 ألف فدان من المقرر زيادتها العام المقبل إلى نصف مليون فدان، الأمر الذي يضيف إلى الإنتاج المحلي لمصر مليون طن إضافي.
تقرير رسمي لوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي المصرية، العام الماضي، أشار إلى أن إجمالي إنتاج البلاد من محصول القمح بلغ 10.6 مليون طن، وهو ما يجعل القاهرة في حاجة إلى تدبير الكميات المتبقية لسد الفجوة بين الإنتاج المحلي والاستهلاك، عبر الاستيراد.
وعن المساحات الجديدة المزروعة بالقمح، يوضح عضو الحملة القومية للقمح، أن مصر أضافت مساحات جديدة من الأراضي لزراعة المحصول، ولم تزاحم المحاصيل الرئيسة الأخرى مثل الأرز والذرة لصالح القمح، وهو ما سماه "إضافة وليس إحلالاً".
الاستيراد سبيلاً
أما نائب رئيس مجلس إدارة غرفة صناعة الحبوب باتحاد الصناعات المصرية، عبدالغفار السلامونى، فيشير إلى هيكل الاستهلاك في البلاد، متوقعاً أن يصل إنتاج البلاد هذا الموسم إلى 10 ملايين طن، في حين تستورد الهيئة العامة للسلع التموينية التابعة للدولة ما بين ستة إلى ثمانية أطنان، مقابل استيراد القطاع الخاص لـ4.8 مليون طن تقريباً، وهو ما يخلق فجوة بين الإنتاج والاستهلاك تتجاوز النصف تقريباً، ويتم سدها بالاستيراد من الخارج.
وتقول وزارة الزراعة المصرية، في تقدير سابق، إن البلاد تسعى إلى تحقيق اكتفاء ذاتي من المحصول الاستراتيجي تبدأ بـ55 في المئة بحلول عام 2025، على أن ترتفع إلى 70 في المئة بحلول نهاية العقد الحالي.
يصف السلاموني، الحافز الحكومي لتشجيع المزارعين على توريد إنتاجهم بحوالي 1500 جنيه (48.54 دولار) على كل طن، بأنه "جيد" ويمنح الطن المحلي أفضلية مقارنة بالسعر العالمي، إذ إن التوريد هذا الموسم اختياري، ويحق للمزارع تسويق إنتاجه أينما شاء داخل السوق المحلية.
ويلفت في هذا الصدد الانتباه إلى أنه منذ انطلاق موسم الحصاد الشهر الماضي، جرى توريد 2.2 مليون طن لصالح وزارة التموين، ومن المتوقع أن يصل حجم التوريد إلى ما بين أربعة وخمسة ملايين طن.
وخاطبت وزارة التموين والتجارة الداخلية، وزارة المالية والبنك المركزي المصري، لسرعة تدبير المخصصات المالية المستحقة لاستلام وتوريد المحصول المحلي من القمح، خلال موسم الحصاد الذي بدأ في أبريل (نيسان) الماضي، المقدرة بحوالي 33 مليار جنيه (1.07 مليار دولار)، بزيادة خمسة مليارات جنيه (161 مليون و803 آلاف دولار) عن الموسم الماضي.