Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المصافحة ثقافة شعبية أم عادة سلوكية؟

التحية مفتاح التعارف وفاتحة التواصل بين الناس

تعتبرالتحية باليد مفتاح التعارف والتواصل بين الناس (بيكسلز)

ملخص

المصافحة أو التحية من العادات السلوكية الأصيلة المتوارثة بين الأجيال بمختلف حضاراته وثقافاته، وهي مفتاح التعارف وفاتحة التواصل بين الناس والمعبرة عن المحبة والاحترام

إذا أردت السفر إلى أي وجهة، فلا بد لك أن تراجع عادات الشعب الذي تبتغي العيش في كنفه، فلكل شعب ثقافته الخاصة في كل شيء من أبسط التفاصيل إلى أعقدها، فما تعلمته في بلادك من أساليب الاحترام والتواصل ربما يكون تصرفاً غير جيد في بلاد أخرى، وأولى أدوات التواصل هي التحية التي تختلف باختلاف الثقافات والحضارات حول العالم؛ لذلك عليك أن تأخذ وقتك لتعرف وتتعلم عن المكان الذي أنت بصدد الذهاب إليه، حتى لا يؤخذ عنك فكرة خطأ من أول لقاء عبر تصرف بسيط وهو إلقاء التحية.
تعد المصافحة أو التحية من العادات السلوكية الأصيلة المتوارثة بين الأجيال بمختلف حضاراته وثقافاته، وهي مفتاح التعارف وفاتحة التواصل بين الناس والمعبرة عن المحبة والاحترام.

أقدم تحية

عرف العراقيون القدماء العديد من المراسم المعبرة عن حسن اللياقة ومن أهمها التحية والسلام بين الأفراد وهي إحدى القواعد الأساسية الخاصة بآداب السلوك والتعامل الراقي، إذ لم ينسَ الكُتَّاب - آنذاك - إضافة عبارات التحية والسلام لأنها كانت ضمن سياقات كتابة الرسائل، وبحسب ضوابط اللياقة في المجتمع حرص الملوك الأشوريين على استمرار سياق اللياقة هذه في أسلوب التخاطب والتعامل والاستقبال.

وفي نحت للملك سنحاريب على صخرة ملاطيا جنوب تركيا يظهر فيها يرفع يده لأداء التحية إلى الإله، وبالمقابل نجد الآلهة ترفع يدها لتحية الملك، ومن الأختام التي عثر عليها وتحمل إشارة التحية من العصر الأشوري الحديث وكانت معظمها تعود إلى إلههم وهو يحمل جعبة وضع فيها قوس وسهام، ويرفع يده لتحية أحد المسؤولين، وهناك ختم آخر تظهر فيه آلهة أخرى تقوم بالفعل نفسه.

ومن أهم المشاهد الفنية المعروفة، مشهد يعود للملك شلمنصر الثالث (858-824) قبل الميلاد، خلَّد فيها أخبار حملته على بابل التي امتد نفوذه إليها، وصورت المناسبة بالنحت البارز على مادة حجر الكلس، إذ يظهر فيها الملك الأشوري مرتدياً ملابسه الملكية وكامل عدته الحربية، ومن خلفه رجال بلاطه، واقفاً لاستقبال الملك البابلي مرتدياً زيه الملكي هو الآخر بين رجاله، حيث يصافح كل منهما الآخر بيده دلالة على الصداقة والتحالف ما بين البلدين أشور وبابل أولاً، وللتعبير عن النوايا الحسنة من الجانب البابلي ثانياً، ويعد هذا المشهد من أروع المشاهد المعبرة عن أداء التحية في العراق القديم.

المصافحة

وما زالت هذه المصافحة هي البرتوكول المتبع بين رؤساء الدول والمسؤولين في المناسبات والأحداث، وتعني إلصاق راحة الكف بالكف، ويعتبرها البعض أنها أتت من كلمة "الصفح"، إذ تعتبر الأكثر شيوعاً للتحية حول العالم، مع وجود إضافات تعطي ذلك الحس المميز واللمسة الخاصة لكل شعب.
في البلاد العربية والولايات المتحدة الأميركية ومجموعة من الدول الأوروبية كفرنسا وبلجيكا وبريطانيا، إضافة إلى روسيا والصين وبعض دول أميركا الجنوبية مثل تشيلي؛ تعتبر المصافحة باليد أساس التحية مع فروقات واضحة.
فإذا كنت في فرنسا فعليك أن تضع على خد مصافحك قبلتين، ولكن إذا فعلتها في الولايات المتحدة وقبلت صديقك كرجل فإنه يشك بأمرك، إذ يعتبر أمراً غير مألوف بين الرجال وله دلالة جنسية تشير على عدم الاستقامة.
أما بريطانيا فبعد المصافحة يفضل تقبيل الخد بين الرجال والنساء الذين تربطهم علاقة صداقة أو عاطفية، بينما في بلجيكا يغض النظر عن جنس المصافح، ويعتبر تقبيل خد واحد هو وسيلة التحية الأساسية.
ولكن في روسيا والصين تتم المصافحة مع انحناء الرأس عند الصينيين، والقبض على اليد بشدة مع ثلاث قبلات على ذات الخد تحية من الرجال للنساء في روسيا.

اتفاقات واختلافات العرب

وفي العالم العربي، تختلف التحية من دولة لأخرى اختلافات منها بسيطة وأخرى اختلاف جذري، إذ تنتشر لدى أفراد دول الخليج العربي عادة تقديم التحية عن طريق تقبيل الأنف "حب الخشوم" وهي من العادات المتوارثة، فهم يعتبرون هذا النوع من السلام رفعة وشموخاً، يؤديها الرجال لمن يكبرهم سناً ومكانة كشيوخ القبيلة والأمراء عن طريق تقبيل أو ملامسة الأنف بالأنف، ويعد الخليجيون هذا الأمر تعبيراً عن التبجيل والتكريم.
ويشترك معهم في هذه الطريقة الشعب النيوزيلندي، وبخاصة المناطق الريفية، وتعرف باسم "الهونجى أو نسيم الحياة"، وتتضمن قيام المتصافحين بوضع مقدمة الرأس والأنف في مواجهة بعضهما البعض وحك أنفيهما معاً.
وفي تحية مشابهة ولكن تعرف بـ"شم الخدين"، تنتشر هذه الطريقة بين سكان جزيرة توفالو الواقعة في المحيط الهندي عند منتصف المسافة بين هاواي وأستراليا، ويضع كل شخص عند التحية أنفه عند خد الآخر، ويبدأ بشمه تعبيراً عن الشوق والحب المتبادل بينهما.

 


أما في العراق فتكون التحية لكبار القوم أو مشايخ العشيرة بتقبيل الكتف أو "العقال" وهو بمثابة التاج الذي يفخر به سكان مناطق واسعة من العراق والخليج وبلاد الشام؛ بينما تكون المصافحة باليد وتقبيل الخد في الشام بين الأصدقاء والأقارب والأحباب من الرجال والنساء، وفي بعض المجتمعات المحافظة لا يبادر الرجل بتحية المرأة إلا إن بادرته ومدت يدها، ومنهم من لا يبادر مطلقاً من منطلق ديني، وبعضهم يكتفي بانحناء الرأس، وهذه العادات والتقاليد منتشرة في بقية البلدان العربية وصولاً إلى المغرب العربي.

سر اليد اليمنى

وتتميز الهند ونيبال بتحية "نامستي أو نامسكار" أو أنحني لك، وتتضمن التحية الانحناء مع ضم اليدين مفتوحتين والأصابع موجهة لأعلى والإبهامان يلامسان الصدر، وتتشارك معها كمبوديا والغابون وكوريا في ضم اليدين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


ومن الملاحظ أن اليد تعتبر القاسم المشترك بين معظم أساليب التحية بين شعوب العالم وهذا يدل على قيمتها في معظم الثقافات، وبخاصة اليد اليمنى، إذ تعتبر في علوم الطاقة الحيوية أنها تحمل شحنات موجبة في باطنها، وثبت بالتصوير بجهاز كيرليان أن انبعاث الطاقة من اليد اليمنى يكون فاعلاً بدرجة أكبر منها في اليسرى التي تحمل شحنات سالبة، ولذلك فالسلام غالباً بين الأشخاص يكون من موجب إلى موجب كبداية جيدة للتواصل.
يتغير المعنى عند الهنود في جمع اليدين مع بعضهما، فعندما تتطابق اليدان اليسرى واليمنى مع بعضهما البعض فتشكلان قناة موحدة للطاقة، تماماً كقطبي طاقة الكهرباء السالب والموجب وكذلك قطبا طاقة المغناطيس واحدة تتلقى والأخرى تحتفظ.
فاليد اليمنى تكمل اليد اليسرى، ولقد أثبت كذلك علمياً من خلال تصوير كاميرا كيرليان، المختصة في الهالة أو الأورا، أنه أثناء اتحاد اليدين مع بعضهما البعض يتولد حقل بيو-طاقي كثيف للشخص؛ لذلك فضم اليدين يشكل حركة حيوية للجسم الذي يتلقى الطاقة منهما وكأنهما قناة طاقية.
ومنذ القدم استعملت اليدان للشفاء من العلل والأمراض، وفي السنة النبوية وجد أن النبي محمد يوصي بوضع اليد اليمنى على المكان المتألم وقراءة بعض آيات القرآن، وكان هو إذا عاد مريضاً وضع يده اليمنى على رأسه ودعا له بالشفاء، وعليه فيبدو أن البشر يشافون أنفسهم بالمصافحة من دون أن يعرفون ذلك.

تحيات غريبة

ومن المصافحة إلى الضرب، إذ تكون التحية في اليونان عبر ضرب الآخر على ظهره، ومن الضرب على الظهر إلى ضرب الرأس في الأسكيمو، أو ضرب كتف الشخص الآخر للتحية، فيما تكون التحية بين النساء بضرب الظهر أو قرص الخدود في كوريا الجنوبية.

 


من أكثر طرق التحية غرابة، تلك التي تخص شعوباً معينة مثل شعب التيبت الذين يحيون بعضهم بإخراج اللسان في مواجهة الشخص الآخر، بينما يقوم سكان جزر "ميكرونيسيا" بتحية بعضهم البعض عن طريق رفع الحاجبين.
ويعتبر التصفيق الطريقة الأكثر تهذيباً لتبادل التحية بين أفراد قبائل "الشونا"، المنتشرة جنوب أفريقيا، كما يقوم الناس في موزمبيق بتحية بعضهم البعض عن طريق التصفيق بالأيدي ثلاث مرات ثم قول "مرحباً".
أما أفراد قبائل "الماساي" في كينيا وتنزانيا فيقولون مرحباً بالبصق على بعضهم البعض، وكذلك إذا تقابل اثنان من السكان الأصليين لجزيرة "سان ريموو"، الواقعة شمال غربي إيطاليا، وأراد كل منهما أن يعبر عن احترامه للآخر فيقوم بالبصق على كفه ثم يدعك به وجه الثاني.
مع انتشار وباء كورونا تغيرت كثير من طرق التحية، ففي الصين تجنبوا المصافحة ودعوا لضم اليدين عن بعد، أما في إيران انتشر شعار "لن أصافحك لأني أحبك" واستعاضوا عنه بضرب أقدامهم ببعض، وهذا ما فعلوه في لبنان، كما انتشرت في رومانيا لافتة تقول، "أعط الزهور لا القبل"، إذ نصح الرجال بعدم تقبيل زوجاتهم والاستعاضة عنها بالزهور، بينما انتشرت أكثر طريقة للمصافحة في العالم وبخاصة بين الرؤساء وهي عبر ملامسة الذراع عند منطقة الكوع، وذلك لتجنب انتقال العدوى.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات