ملخص
تتميز "الدبور الأسود" بضآلة حجمها، فطولها لا يكاد يتجاوز 10 سنتمترات، وعرضها لا يتجاوز 2.5 سنتمتر
يسابق الجيش المغربي الزمن لامتلاك أحدث المعدات والأسلحة لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة في المنطقة، خصوصاً في خضم سباق التسلح المحموم بين المغرب والجزائر، وأيضاً بهدف تعزيز القدرات الدفاعية والعملياتية واللوجستية للقوات المسلحة الملكية.
وفي هذا الصدد بات الجيش المغربي يمتلك أصغر طائرة من دون طيار (درون) عسكرية في العالم من حيث الحجم، تدعى "بلاك هورنت 3" (Black Hornet 3)، أي "الدبور الأسود"، نسبة إلى خفة وزنها وصغر طولها الذي لا يتجاوز طول الأصبع الواحد أو حجم كف اليد.
ونشرت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، متخصصة في متابعة آخر أخبار الجيش المغربي أخيراً، صورة لجنود مغاربة وهم يتعاملون مع "الدبور الأسود"، مما يفيد بامتلاك القوات المسلحة المغربية لهذا الجيل الجديد من الأسلحة العسكرية المتطورة، التي لا يملكها سوى قلة من الجيوش في العالم.
ما خف وزنه وغلا ثمنه
ويبدو أن المغرب صار آخر الملتحقين بركب الدول التي تمتلك الطائرة العسكرية من دون طيار "الدبور الأسود"، بعد كل من أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وتركيا وأستراليا والنرويج وهولندا وبولندا والهند ونيوزيلندا وإسرائيل، وفق معطيات نشرتها تقارير إعلامية وعسكرية متطابقة.
وتعد "بلاك هورنت 3" طائرة مسيرة عسكرية متطورة جداً، طورتها في الأصل شركة "بروكس دينامكس" النرويجية، واستحوذت عليها الشركة المصنعة الأميركية "فلير سيستمز" FLIR Systems، وتتميز عن غيرها من "الدرونات العسكرية" بخفة وزنها، الذي يصل إلى 60 غراماً، ويمكن مسكها براحة اليد الواحدة بكل سهولة، ووزنها الإجمالي مع أداة التحكم والبرمجة لا يتجاوز كيلوغراماً واحداً.
وتتميز "الدبور الأسود" أيضاً بضآلة حجمها، فطولها لا يكاد يتجاوز 10 سنتمترات، وعرضها لا يتجاوز 2.5 سنتمتر، لكن سعرها يظل باهظاً، إذ يناهز 200 ألف دولار، مما يجعل هذه المسيرة العسكرية المرعبة تدخل ضمن قائمة الأسلحة التي خف وزنها وغلا ثمنها.
ولأنها صغيرة الحجم جداً وتكاد لا ترى من بعيد، كما يكاد لا يسمع لها حس ولا حسيس بفضل نظام تشغيلها الكهربائي المتطور، فإن مسيرة "الدبور الأسود" تستطيع التحليق في الأجواء مدة زمنية تصل إلى 25 دقيقة أو نصف ساعة على الأكثر، بسرعة 10 أمتار في الثانية الواحدة، بمدى طيران يبلغ 1600 متراً، قبل أن تعود إلى الجنود الذين يشغلونها لشحنها من جديد.
وتمنح هذه الخصائص لمسيرة "الدبور الأسود" أفضلية الاشتغال في مجال التجسس عن بعد والاستطلاع وجمع المعطيات عن مناطق العدو أو الخصم، وغيرها من المهمات المرتبطة بالتجسس المتطور، لا سيما وأنها تكون في الغالب مزودة بثلاث كاميرات تمنح صوراً ثابتة في غاية الدقة ومقاطع مصورة واضحة في النهار كما في الليل.
خاصية أخرى لهذه المسيرة المخيفة والذكية في آن، ذكرتها تقارير عسكرية وإعلامية مختلفة، كونها تنجح في التحليق في المناطق التي يصعب على الجيش ولوجها أو الوصول إليها، كما أنها معدة تكنولوجياً لمقاومة عوامل الرياح والحرارة والأمطار، مما يجعل مهماتها الاستطلاعية والعسكرية تنجح في الغالب بنسبة كبيرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حرب المدن
ولعبت مسيرة "الدبور الأسود" دوراً حاسماً في عديد من الحروب المعقدة، من قبيل الحرب في أفغانستان عندما لجأ الجيش الأميركي إلى استخدام هذا السلاح الفتاك المخصص للاستطلاع والتجسس السري، وأيضاً في الحرب الدائرة رحاها حالياً بين روسيا وأوكرانيا.
وجرب الجيش الأميركي "الدبور الأسود" في مهمات خاصة في الحرب الأفغانية، واستخدمها تحديداً جنود الكتيبة الأولى من فوج المشاة المظلي 508 التابع للفرقة 82 المحمولة جواً، بهدف مساعدتهم في تنفيذ مهماتهم القتالية في أفغانستان.
من جهتها استخدمت بريطانيا "الدبور الأسود" في أفغانستان، إذ لجأت قواتها إلى الخدمات التي تسديها هذه المسيرة الصغيرة المرعبة، وهو ما ترجمته تصريحات أحد قادة الجيش البريطاني في عام 2013 عندما صرح أنه "في السابق كان الجنود هم يقتحمون الخطوط الأمامي لرصد تحركات الأعداء، لكن الآن صار الدبور الأسود هو من يقوم بهذه المهمات الصعبة وبنجاح في المناطق التي يسيطر عليها الخصم".
أما في الحرب الروسية - الأوكرانية فيبدو أن لمسيرات "الدبور الأسود" دوراً مؤثراً أيضاً بحسب خبراء عسكريين، إذ أعادت التوازن العسكري بين موسكو وكييف، بل أمالت الكفة إلى الثانية بعدما أسهمت في التسبب بخسائر معتبرة للجيش الروسي، بفضل المعطيات والمعلومات الاستخبارية الحساسة التي تجمعها.
وشكلت "الدبور الأسود" علامة فارقة في هذه الحرب المستمرة، لا سيما وأن لها دوراً حاسماً في "حرب المدن" والأحياء المأهولة بين الطرفين، بفضل الدعم الاستخباري الذي تقدمه للأوكرانيين، كما تكشف عن أماكن وجود جنود الخصم وقناصيه، وتأمين معطيات للقوات الأوكرانية عن الكمائن والفخاخ المحتملة.
وكانت بريطانيا والنرويج أعلنتا قبل أشهر خلت تزويد أوكرانيا، بطلب من رئيسها فولوديمير زيلينسكي، بـ850 مسيرة صغيرة الحجم من طراز "الدبور الأسود"، ضمن مساعدات عسكرية بلغت قيمتها حينها أكثر من 54 مليون جنيه استرليني.
التفكير العسكري المغربي
ويبدو أن المغرب استشعر الأهمية الاستراتيجية القصوى لهذا النوع من الأسلحة العسكرية المتطورة، وكيف يمكنها أن تلعب دوراً محورياً يقلب الكفة لصالح الجهة التي تملكها وتحسن استخدامها في الحروب المعقدة التي قد تندلع في أية لحظة.
ويعلق الباحث في السياسة العسكرية والأمنية إحسان الحافظي قائلاً "إن امتلاك المغرب لهذا النوع من الأسلحة يرمي إلى تطوير ترسانة الاستطلاع التي يمتلكها الجيش المغربي، من أجل تعزيز منظومة الدفاع الاستخباري وتأمين محيط التهديد أثناء العمليات العسكرية في الميدان".
ولفت الحافظي إلى أن "واجهة التحديات الأمنية في المنطقة تقتضي تحقيق التفوق العسكري، وهذا ما يحدث حالياً في إطار ما يسمى تحديث الترسانة العسكرية للمغرب"، مشدداً على أن "عملية التجديد والتطوير والتحديث تصنع الفارق بشكل واضح بين جيوش المنطقة".
واعتبر المتحدث ذاته أن "رهان الرباط على هذه النوعية من أسلحة الاستطلاع والتجسس يكشف عن تحولات استراتيجية في التفكير العسكري المغربي نحو تجميع المعطيات وتأمين العمليات الأمنية أثناء المواجهات"، مردفاً أن "هذا المعطى ظهر منذ إطلاق المغرب قمراً اصطناعياً من أجل تحقيق أهداف مدنية وعسكرية".
يذكر أن العاهل المغربي الملك محمد السادس دعا أخيراً، بصفته رئيس أركان الحرب العامة، في مناسبة الذكرى الـ67 لتأسيس القوات المسلحة، إلى "تطوير منظومة تخطيط الجيش وقيادته، وتعزيز قدراته الدفاعية والعملياتية واللوجستية وامتلاك الإمكانيات التقنية الحديثة". وشدد على ضرورة "تفعيل شبكة واسعة من وسائل الاتصال والمعلومات من أجل تنفيذ المهمات الأساسية بانضباط واحترافية"، داعياً إلى "ضرورة امتلاك الإمكانات التقنية الحديثة في مجالات حساسة تشمل إدارة العمليات ونظم الدفاع والرصد والرقمنة".