ملخص
يعد ابن خلدون "صاحب المقدمة" واحداً من أبرز المؤرخين القدماء وأكثرهم إثارة للجدل ويصفه البعض بالمؤسس الفعلي لعلم الاجتماع.
تزخر تونس العاصمة بمعالم أثرية يصل عددها إلى 800 معلماً بين مساجد ومدارس وقصور، ومن بين هذه القصور، دار "ابن خلدون"، الواقعة في منطقة باب الجديد، أحد أبواب المدينة العتيقة، وبمناسبة قرار تحويلها إلى متحف واقتراب مشروع ترميمها، زارت "اندبندنت عربية" الدار التي شيدت في زمن الحكم الحفصي في القرن الثامن الهجري، الـ14 الميلادي، المكونة من طابق أرضي، وآخر علوي، يحيط بهما فناء مكشوف، وتتميز ببابها الخارجي المستطيل العالي ذي الدفتين على الطراز الأندلسي.
عبق التاريخ
في البداية فتح لنا الحارس الباب الخارجي، بعد أن تلقى إذناً بالموافقة على زيارتنا من محافظ مدينة تونس، وعند ولوج الدار، تشعر بوطأة الزمن، يأسرك المكان بعبقه التاريخي، حيث صمت عميق يلف المكان، وروح ابن خلدون تسكن زوايا الدار، ومقولاته المأثورة المشحونة السابقة لعصرها، منثورة في كل الزوايا.
وبجولة قصيرة داخل أفنية الدار، رحلت بنا إلى القرن الرابع عشر الميلادي، من خلال رصيد رمزي مهمل، وشكل معماري فريد فيه مزيج بين الأندلسي والغربي الإيطالي والحفصي التونسي، نجد صحن الدار واسعاً، مربع الشكل، فيه سبعة أبواب تفتح على غرف المعيشة، وفي الدار رواقان، في كل منهما ثلاثة أقواس ترتكز على دعائم أسطوانية من الرخام الأبيض، بينما الدرج الرئيس مبني من الرخام الأبيض، زينت جدرانه بمربعات خزفية ملونة، ويصل الدرج إلى الفناء المغطى، المزين بزخارف نباتية مستوحاة من الطراز الإيطالي.
تأثيرات معمارية أندلسية وأوروبية
يقول محافظ مدينة تونس، منتصر جمور لـ"اندبندنت عربية"، إن "دار ابن خلدون" أنشئت في القرن الـ14 الميلادي، في العهد الحفصي، وعندما هاجرت أسرة ابن خلدون من الأندلس استقرت في هذا المنزل، وهو أحد أبرز الوجهات السياحية داخل مدينة تونس العتيقة".
ويضيف جمور "الدار تمثل أنموذجاً من نماذج القصور في المدينة العتيقة، وتتكون من سقيفة منعرجة يولج منها إلى فناء وسطي يحيط بها رواقان يحيلان إلى عديد الغرف، وفيها طابق علوي أول بتأثيرات من المعمار الحفصي، وكذلك الأندلسي ويبرز على مستوى المربعات الخزفية المستعملة لكساء معظم الجدران داخل الدار، وكذلك على مستوى الأعمدة الرخامية إلى جانب بعض التأثيرات الأوروبية الإيطالية في استعمال زخارف نباتية على مستوى سقف الفناء الثاني".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبالنظر إلى القيمة الرمزية والتاريخية لهذه الدار ينتظر تحويلها قريباً إلى متحف يعني بالعلامة ابن خلدون الذي أشع على مستوى العالم، ويوجد بجانب الدار مسجد القبة، وهو الذي درس فيه عبدالرحمن بن خلدون وسيكون جزءاً من هذا المشروع الكبير، بعد أن تولى معهد التراث ترميمه.
وتبلغ تكلفة ترميم دار ابن خلدون وتحويلها إلى متحف 2.5 مليون دينار (نحو مليون دولار)، بتمويل من مركز جامع الشيخ زايد الكبير، بعد أن تم الأسبوع الماضي توقيع الاتفاقية مع وزارة الشؤون الثقافية، التي تندرج في إطار التعاون الثنائي بين تونس ودولة الإمارات العربية المتحدة.
وتمثل هذه المبادرة واحدة من مبادرات مركز جامع الشيخ زايد الكبير، لصون التراث الإنساني على جميع الصعد المحلية والعربية والعالمية، وإبراز الموروث الثقافي الإسلامي والعربي والمحلي.
شامخاً في شارع بورقيبة
وغير بعيد من دار ابن خلدون، وفي الشارع الرمز الحبيب بورقيبة، وسط العاصمة، ينتصب تمثال ابن خلدون شاهداً على تحولات تاريخية كبرى عاشتها تونس، ويقف في طرف الشارع، كأنه يراقب حركة التاريخ تدب في جسد تونس المنهك، والتمثال نحته الرسام والنحات الراحل زبير التركي عام 1978 بطلب من الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة، ويقال إن الفنان أراد أن يخلد نفسه من خلال ابن خلدون.
ويعد ابن خلدون صاحب المقدمة، واحداً من أبرز المؤرخين القدماء وأكثرهم إثارة للجدل، ويصفه البعض بالمؤسس الفعلي لعلم الاجتماع، كما يلقب بمونتسكيو العرب، إذ يقال إنه كان يفكر بعقل يتجاوز زمانه.
وتعج المدينة العتيقة في تونس العاصمة، برأسمال رمزي لا يقدر بثمن، وتنهل من عبق تاريخها، إلا أن النسيان بدأ يتسرب إلى الذاكرة حول عدد من معالمها وشخصياتها ورموزها، وهو ما يدعو إلى نفض الغبار عن ذلك الرصيد، من خلال تثمينه وإحيائه وإدراجه في المسالك السياحية والثقافية، وتقديمه إلى الأجيال الجديدة في أشكال تتلاءم وميولهم من أجل مصالحتهم مع موروثهم التونسي الأصيل.