Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"السهم الواقي" تدمر مقتنيات عم حازم: "نسفوا قلبي"

أكثر من 6 آلاف قطعة أثرية باتت تحت الأنقاض ولا يزال يأمل بالعثور عليها حتى لو ضحى بحياته

استغرق نحو 40 سنة في تجميع القطع الأثرية لديه واشتراها بنحو 50 ألف دولار أميركي (اندبندنت عربية - مريم أبو دقة)

ملخص

يعد متحف العم حازم أكبر المتاحف المنزلية التي يؤسسها الأفراد في بيوتهم، ويضم نحو 6 آلاف قطعة أثرية وتراثية جميعها موثق لدى وزارة السياحة والآثار، وتحمل رقماً واسماً ضمن قواعد بيانات القطع الأثرية الموزعة على متاحف خاصة، فما الذي جرى له؟

كان الدخان المنبعث من بين أنقاض منزل العم حازم كثيفاً للغاية، ولم يهدأ تصاعد الغبار الأسود لمدة 20 ساعة، وعلى رغم هذه الحال اعتلى الرجل ركام منزله ووقف بجانب أعمدة الدخان ليستنشقها بقوة، فقد كان في الواقع يطمئن على أن قطعه النحاسية لم تحترق تحت الأنقاض.

"النحاس أشم رائحته وهو خام وأميزه من بين المعادن، وأيضاً أعرف دخان انصهاره"، يقول العم حازم بينما يتنقل فوق ركام المنزل الذي كان يضم متحفاً تراثياً، لكن الطائرات المقاتلة الإسرائيلية دمرته أثناء عملية "السهم الواقي" العسكرية التي نفذتها في قطاع غزة.

يبكي ويرثي

يكرر العم حازم تنقله بين الركام وروائح الدخان، محاولاً الوصول إلى خبر من تحت الأنقاض عن حال مقتنياته، لكنه فشل في التفريق بين الانبعاثات الدخانية المتصاعدة من منزله إن كانت نتيجة قوة انفجار الصاروخ الإسرائيلي الذي دمر بيته، أم هي مزيج من انصهار قطع النحاس الأثرية مع المخطوطات القديمة التي يحتفظ بها.

محطم القلب يجلس العم حازم على الأنقاض، يبكي منزله ويرثي متحفه ومقتنياته. يقول "البيت مكون من خمس طبقات، ويعيش فيه 55 فرداً، وأكثر من ستة آلاف قطعة أثرية وتراثية، منحنا الجيش خمس دقائق للإخلاء قبل قصفه، وحينها عجزت عن إنقاذ مقتنياتي".

 

 

ويضيف بلهجته العامية "ينسفوا الدار عادي، ويرموننا بالشارع من دون ملابس كمان عادي، تعب السنين في البناء يهون، بس فرق معي دم قلبي وعشرة عمري، إسرائيل نسفت قلبي وقهرت روحي لما دفنت المتحف والآثار تحت الحجارة".

تحت الأنقاض

لم يفقد العم حازم الأمل في إنقاذ آثاره وظل ماكثاً بجوار حجارة بيته لأكثر من 20 ساعة من دون أن يفارقها، يقول "أنا رافض أنام، وإذا شعرت بالنعاس أنام على الأنقاض لعل النار تهدأ وأستطيع إنقاذ مقتنياتي الأثرية، لن أفرط بها حتى إذا كانت رماداً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بعد أن تلاشى الدخان الأسود تفقد العم حازم جميع أركان بيته، حتى عثر على ثغرة كبيرة بين أنقاض منزله بجانب عمود كان يسندها، ويمكنه من خلالها النزول إلى ما تبقى من المنزل، تدلى الرجل بين حجارة الركام محاولاً الوصول إلى بقايا متحفه الصغير لإنقاذه.

حذره السكان من خطر انهيار الأحجار عليه، لكن أصر على النزول قائلاً "حياتي هي الآثار، أعتبرها ولداً من أولادي، كنت أترك جميع غرف المنزل وأنام كل ليلة بجوارها، وسأصل إليها حتى إذا كنت سأضحي بحياتي في المقابل".

بصعوبة كان العم حازم يحرك الحجارة باحثاً عن مقتنياته الأثرية، وتمكن من إنقاذ جزء بسيط منها، حيث وجد قطعاً منها مدمرة، ويضيف "هذه خسارة فادحة لتراثنا الفلسطيني، لقد خسرت مقتنيات عمرها يفوق مئات الأعوام ما بين حجر عقيق وفيروز وبراويز وأحجار كريمة وعملات قديمة وأوراق ثبوتية لأوطان متعددة، إضافة إلى قطع خاصة بالتراث الفلسطيني كالأثواب المطرزة والبكارج والتحف النحاسية".

خرق لاتفاقية لاهاي

يعد متحف العم حازم أكبر المتاحف المنزلية التي يؤسسها الأفراد في بيوتهم، ويضم نحو ستة آلاف قطعة أثرية وتراثية بين جوانبه، وجميعها موثق لدى وزارة السياحة والآثار، وتحمل رقماً واسماً ضمن قواعد بيانات القطع الأثرية الموزعة على متاحف خاصة.

بحسب العم حازم، فإنه استغرق نحو 40 سنة في تجميع هذه القطع الأثرية، واشتراها بنحو 50 ألف دولار أميركي. مشيراً إلى أنه سخر لأجلها جميع المال الذي بحوزته، يقول "بعد تقاعدي وضعت كل ما حصلت عليه من مكافأة نهاية الخدمة في شراء هذه المقتنيات، ولم أكتف بذلك، فعندما وجدت قطعاً ثمينة ولم أكن أمتلك نقوداً لجأت إلى بيع مركبتي الخاصة للحصول عليها".

 

 

تعني القطع الأثرية للعم حازم كثيراً، ولكل واحدة قصة معه، يؤكد أنه رفض بيع متحفه مقابل مبلغ كبير بسبب ارتباطه المعنوي بمقتنياته، لكنه يعتقد أن الجيش الإسرائيلي بقصفه لبيته كان يقصد ملاحقة التراث الفلسطيني لأنه شخصياً لا يتبع أي فصيل سياسي، لذلك يصر على البحث عن قطع جديدة لتأسيس متحف آخر.

يقول مدير عام دائرة الآثار في وزارة السياحة والآثار جمال أبو ريدة، إن إسرائيل تستهدف الآثار منذ زمن بعيد، ولا يقتصر الأمر على التصعيد العسكري، حيث يتنوع تدمير المواقع الأثرية بين الاستهداف المباشر وتضررها نتيجة تطاير الشظايا.

ويضيف أبو ريدة "كل شيء يمكن تعويضه في غزة إلا الآثار التي تعد تاريخاً يعبر عن الوجود الفلسطيني، وتدميرها يأتي في سياق سياسة إسرائيل لإنكار حقنا في الوجود على هذه الأرض".

وفق أبو ريدة، فإن الوزارة عملت على توثيق الضرر الذي لحق بمتحف العم حازم، واطلعت عليه منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو"، التي من المفترض أنها ستتخذ إجراءات قانونية ضد إسرائيل، بحسب قوله.

هذه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها آثار ومتاحف غزة للقصف الإسرائيلي، بل تسببت العمليات العسكرية السابقة بين الجيش الإسرائيلي والفصائل الفلسطينية في تدمير نحو 74 موقعاً أثرياً.

يشير أبو ريدة إلى أن قصف متحف العم حازم يعد انتهاكاً للبروتوكول الثاني لاتفاقية لاهاي الخاصة بحماية الممتلكات الثقافية خلال أوقات النزاع المسلح.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات