منذ أن شنت روسيا هجومها على أوكرانيا قبل 15 شهراً، طالب المسؤولون في كييف بطائرات حربية متقدمة للتغلب على التفوق الجوي لموسكو، لكن بايدن اعترض خوفاً من إمكانية استخدام الطائرات لضرب أهداف في عمق روسيا ما قد يدفع الكرملين إلى تصعيد الصراع.
لكن هذا الموقف تغير فجأة في انعطاف حاد للسياسة الأميركية، حيث أخبر الرئيس بايدن حلفاء الولايات المتحدة أنه سيسمح بتدريب الطيارين الأوكرانيين على طائرات مقاتلة من طراز "أف 16" أميركية الصنع، في توجه جديد نحو السماح لدول أخرى بإعطاء الطائرات لأوكرانيا، فما سبب هذا التحول، ولماذا زالت مخاوف التصعيد الروسي في التحليلات الغربية، وكيف سيتعاطى الحلفاء الغربيون مع هذا التطور؟
ما الرسالة؟
يرى خبراء سياسيون وعسكريون في واشنطن أن التحول الأميركي في إعلان الرئيس بايدن خلال قمة السبع السماح بتدريب الطيارين الأوكرانيين على طائرات "أف 16" الأميركية الصنع، وأنه مستعد للموافقة على نقل الدول الأخرى للطائرات إلى أوكرانيا، هو رسالة أخرى إلى الكرملين بأن الغرب ما زال موحداً ومصمماً على مواجهة روسيا في أوكرانيا مهما طالت الحرب.
كما يعد التحول علامة على الضغوط الغربية المتزايدة التي تسعى مع قرب شن هجوم أوكراني جديد إلى إجبار روسيا للجلوس على طاولة المفاوضات لمناقشة شكل من أشكال الهدنة التي من شأنها وقف القتال، حيث ينظر عديد من حلفاء أوكرانيا إلى الطائرة الحربية الأميركية متعددة الاستخدامات وخفيفة الوزن "أف 16" على أنها رادع مهم لروسيا.
وعكس البيان المشترك الصادر عن قادة الدول الصناعية السبع هذا التصميم عبر تأكيد التزامهم مواصلة المساعدات الأمنية لأوكرانيا، وتعهدهم بتقديم الدعم المالي والإنساني والعسكري والدبلوماسي الذي تحتاج إليه أوكرانيا لأطول فترة ممكنة، بينما تستعد أوكرانيا لشن هجوم مضاد كبير قريباً، على أمل استعادة مزيد من الأراضي التي سيطرت عليها روسيا خلال الأيام الأولى للحرب.
كما أنهم على استعداد لكشف النقاب عن عدد كبير من العقوبات الجديدة وضوابط التصدير لتضييق الخناق أكثر على قدرة الكرملين على تمويل الحرب، وللقضاء على دول الطرف الثالث التي كانت تزود روسيا سراً بالتقنيات المحظورة التي يمكن استخدامها في أنظمة الأسلحة.
لماذا الآن؟
واصل الرئيس بايدن وكبار مسؤولي "البنتاغون" تأكيدهم باستمرار أن أوكرانيا ليست بحاجة إلى طائرات "أف 16" في هذه المرحلة من الصراع، وعلى رغم أنها ليست المقاتلة الأميركية الأكثر تقدماً إلا أن الطائرة "أف 16" تحمل راداراً قوياً يمكنه تحديد الأهداف من على بعد مئات الأميال وتحمل مجموعة من الصواريخ الحديثة وغيرها من التقنيات التي لا يريد المسؤولون الأميركيون أن تقع في أيدي معادية.
وخلال الشهر الماضي، قالت سيليست والاندر مساعدة وزير الدفاع لشؤون الأمن الدولي، أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب، إن الطائرات المقاتلة الغربية المتقدمة احتلت المرتبة "الثامنة" على قائمة أولويات أوكرانيا، وإن المسؤولين ركزوا على القدرات ذات الأولوية القصوى، وهي الدفاع الجوي والمدفعية والآليات المدرعة، غير أن كل ذلك تغير خلال الأيام القليلة الماضية حيث تصاعدت مطالبات وتحليلات في الصحف ووسائل الإعلام الأميركية بأهمية إرسال طائرات "أف 16" إلى أوكرانيا بهدف تحسين قدراتها العسكرية في مواجهة روسيا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما تزايدت الضغوط في الكونغرس، هذا الأسبوع، بعد أن كشف موقع "ياهو نيوز" عن وثيقة تظهر تقييماً داخلياً للقوات الجوية الأميركية خلص إلى أن تدريب الطيارين الأوكرانيين على تشغيل المقاتلات سيستغرق أربعة أشهر فقط، وهو إطار زمني أقصر بكثير، مما استشهد به مسؤولو البنتاغون سابقاً.
وأكد الوثيقة مسؤول كبير بالقوات الجوية قال، إنه تم مشاركتها مع عديد من حلفاء الناتو الذين يشغلون طائرات "أف 16"، واحتوت على تقييم مفصل تم إجراؤه في أواخر فبراير (شباط) وأوائل مارس (آذار) بقاعدة موريس الجوية للحرس الوطني في توكسون، بولاية أريزونا.
في الوقت نفسه، صعدت عديد من الدول الأوروبية التي تنتمي إلى حلف الناتو ولديها طائرات "أف 16" في ترساناتها، من ضغوطها عبر الدعوة إلى بذل جهد دولي منسق لتوفير التدريب ونقل طائراتها إلى أوكرانيا، الذي يتطلب تفويضاً أميركياً، لأن الأسلحة تم بيعها لهم لأول مرة من قبل الولايات المتحدة، وهو ما دفع بايدن إلى الاستجابة للضغوط وتغيير موقف أميركا السابق بنشر أسلحة متقدمة في أوكرانيا مثلما فعل ذلك من قبل، بإرسال قاذفات صواريخ "هيمارس" وأنظمة صواريخ "باتريوت" للدفاع الجوي ودبابات "أبرامز".
ما هي طائرة "أف 16"؟
تعرف الطائرة "أف 16 فالكون" باسم "الصقر المقاتل" وصنعت لأول مرة عام 1976، بموجب اتفاقية غير عادية لإنشاء كونسورتيوم بين الولايات المتحدة ويمثلها مقاول الدفاع الأميركي من شركة "لوكهيد مارتن" ومصنعين من أربع دول في الناتو هي: بلجيكا والدنمارك وهولندا والنرويج، التي يقول مسؤول أوكراني كبير، إنها أشارت بهدوء إلى استعدادها لنقل بعض طائرات "أف 16" إلى كييف.
تعد الطائرة المقاتلة متعددة المهام خفيفة الوزن، وفعالة من حيث التكلفة بسعر أدنى يصل إلى 63 مليون دولار حسب الطراز، وتبلغ سرعتها ضعف سرعة الصوت (2 ماخ) أي 1500 ميل في الساعة، ويصل مداها إلى 2002 ميل، وتستخدمها الجيوش في 25 دولة في القتال الجوي والهجوم البري والحرب الإلكترونية، وقد شاركت في الصراعات الأميركية في أفغانستان والعراق وكوسوفو والخليج العربي، وفي مهام الدفاع في المجال الجوي للولايات المتحدة.
تتميز "أف 16" بقدرة عالية على المناورة تفوق الطائرات المثيلة من فئتها، ويمكنها تحديد الأهداف في جميع الظروف الجوية واكتشاف الطائرات التي تحلق على ارتفاع منخفض، وفي الهجمات البرية يمكنها الطيران لأكثر من 500 ميل (860 كيلومتراً)، وتوجيه الأسلحة والقذائف بدقة فائقة، وفي الوقت نفسه الدفاع عن نفسها ضد طائرات العدو، والعودة إلى نقطة البداية.
وهناك ما يقرب من ثلاثة آلاف طائرة "أف 16" في الخدمة العسكرية النشطة بجميع أنحاء العالم، بما في ذلك نحو ألف طائرة في القوات الجوية والبحرية الأميركية.
لماذا تريدها أوكرانيا؟
مع عدم اقتراب الحرب من نهايتها، أصبحت "أف 16" أحدث سلاح متطور تقول أوكرانيا وبعض مؤيديها، إنها بحاجة إلى استخدامها لإبعاد روسيا، سواء في الصراع الحالي أو لسنوات مقبلة، خصوصاً أن الطائرة تتمتع بقدرات هجومية ودفاعية، ولهذا يمكن استخدامها لصد وابل الصواريخ الروسية المتكرر الذي يستنفد أنظمة الإطلاق الأرضية الحالية في كييف، بينما يمكن إطلاق طائرات "أف 16" في غضون دقائق وتجهيزها لإسقاط الصواريخ القادمة ومواجهة طائرات العدو.
ويعتقد عديد من المسؤولين في جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة أن مقاتلات "أف 16" يمكن أن تردع القوات الجوية الروسية المتفوقة بشكل كبير من مهاجمة أوكرانيا في المستقبل، حيث يقول عضو مجلس الأمن القومي الأميركي السابق وسفير الولايات المتحدة السابق لدى الناتو، الفريق المتقاعد دوغ لوت، إن طائرة "أف 16"، يمكن أن توفر دعماً جوياً وثيقاً للقوات البرية الأوكرانية، وسيكون ذلك مهماً للغاية نظراً للهجوم الذي تشنه أوكرانيا هذا العام وفي العام المقبل.
وفي الجانب الهجومي أيضاً، يمكن أن تطلق "أف 16" القذائف لمسافات بعيدة، بمعنى إطلاق نيران في العمق وراء الخطوط الأمامية داخل الأراضي الأوكرانية التي سيطرت عليها روسيا، حيث يمكن أن تضرب مواقع القيادة والسيطرة الروسية، والمواقع اللوجيستية الروسية في القواعد العميقة في عمق أوكرانيا، بما في ذلك شبه جزيرة القرم ومياه البحر الأسود.
وعلى الجانب الدفاعي، تعتبر هذه الطائرات مهمة أيضاً، لأنها يمكن أن تسقط الطائرات الروسية المقاتلة، فضلاً عن إسقاط صواريخ "كروز" الروسية التي كانت تضرب البنية التحتية المدنية الأوكرانية، الأمر الذي يجعل "أف 16" تحدث فارقاً في المعادلة العسكرية داخل أوكرانيا.
لماذا ترددت أميركا في إرسالها؟
يستغرق تدريب الطيارين الأوكرانيين على قيادة الطائرات الغربية أشهراً. وقالت إدارة بايدن، إنه من الأفضل إرسال أسلحة ستساعد أوكرانيا في هجومها المضاد المقبل ضد روسيا، وهي معركة يأمل كثيرون في الغرب أن تكون نقطة تحول في الحرب، الأمر الذي دفع مسؤول أميركي كبير هذا الأسبوع للتحذير من أن تكلفة إرسال طائرات "أف 16" من شأنه أن يستنزف قدراً كبيراً من الأموال الأميركية المتضائلة بالفعل لتمويل الحرب في أوكرانيا.
وفي أوقات سابقة، رفضت إدارة بايدن إرسال عدة أنواع من الأسلحة المتقدمة لأوكرانيا، بما في ذلك قاذفات صواريخ "هيمارس" ودبابات "أبرامز" وصواريخ "باتريوت"، لكنها عادت وتراجعت تحت ضغط من الحلفاء الأوروبيين والكونغرس.
هل تخشى أميركا استفزاز روسيا؟
يشير تصريح بايدن الأخير إلى أن قضية استفزاز روسيا لم تعد لها أصداء في واشنطن، حيث يقول الفريق المتقاعد دوغ لوت، إن القلق الأميركي في شأن استفزاز روسيا كان قائماً بالفعل بشكل جزئي، وعلى مدار الـ15 شهراً الماضية من هذه الحرب، كانت روسيا تخبر الأميركيين بشكل نمطي ومتكرر "لا تفعلوا ذلك، سيكون هذا استفزازياً، وسنرد إن زودتم أوكرانيا بأسلحة متقدمة، لكن في النهاية، فعلت الولايات المتحدة ما أرادته وأرسلت الأسلحة المتطورة، سواء أكانت أنظمة صواريخ بعيدة المدى، أو دبابات، أو أنظمة دفاع جوي باتريوت، والآن طائرات "أف 16"، حيث بدا واضحاً أن روسيا ليس لديها القدرة على فعل كثير حيال ذلك.
ويمكن القول، إن أميركا تأخرت في إرسال "أف 16"، فقد كان من الممكن أن تكون هذه الطائرة مفيدة جداً خلال العام الماضي أو نحو ذلك، لأن الأوكرانيين كانوا يعانون خللاً في الطائرات المقاتلة، حيث يتمتع الروس بميزة واضحة، لذا فإن قرار توفير الطائرات وتقديم التدريب المطلوب يعالج هذا الخلل الذي ربما يكون آخر الاختلالات المتبقية لصالح الروس.
ما فرص أوكرانيا في اقتناء "أف 16"؟
بموجب ما يصفه المحللون بالسيناريو المحتمل في الغالب، ستصدر الولايات المتحدة تراخيص إعادة التصدير إلى دول أخرى لديها طائرات "أف 16"، مما يسمح لهم بنقل طائراتهم إلى أوكرانيا، لكن في حين أن عديداً من المسؤولين الأميركيين أكدوا أن الرئيس بايدن مستعد للقيام بذلك، لكن لم يتضح متى ستتم الموافقة، وبالنظر إلى تكاليف كل طائرة، فمن غير المرجح أن ترسل الولايات المتحدة طائرات "أف 16" الخاصة بها إلى أوكرانيا، على الرغم من أن ذلك ليس مستحيلاً.
ويقول خبير الطيران العسكري في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن، دوغلاس باري، إنه إذا كان الحلفاء الغربيون يعتزمون ترقية الأسطول الجوي الأوكراني القديم الذي يعود إلى الحقبة السوفياتية بطائرات أكثر حداثة، فإن إعطاء البلاد طائرات "أف -16" هو النتيجة الأكثر ترجيحاً.