ملخص
اتفاق وقف إطلاق النار الذي جرى برعاية الرياض وواشنطن يدخل حيز التنفيذ الإثنين... فهل يكون بداية لنهاية الحرب؟
تواصلت أعمال العنف والقتال في أنحاء الخرطوم الأحد بعد ساعات على تعهد الطرفين المتنازعين على السلطة في السودان بوقف إطلاق النار لمدة أسبوع اعتباراً من مساء الإثنين.
وأكد أحد سكان العاصمة لوكالة الصحافة الفرنسية صباح الأحد أنه سمع "غارات جوية" عنيفة بشكل متزايد، موضحاً أنها "هزت جدران المنازل".
وفي جنوب الخرطوم تحدث شاهد عيان عن "تجدد الاشتباكات بمنطقة الصحافة".
ترحيب سياسي
في خطوة جديدة نحو حلحلة الأزمة في السودان، رحبت قوى الحرية والتغيير، وهي تحالف يضم مجموعة من الأحزاب السياسية المؤيدة للحكم الديمقراطي، الأحد، باتفاق وقف إطلاق النار الذي تم توقيعه مساء السبت بين طرفي الصراع.
ووقع الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية اتفاقاً لوقف إطلاق النار لمدة سبعة أيام، مع دخول القتال الذي أدخل البلاد في حالة من الفوضى وشرد أكثر من مليون شخص أسبوعه السادس.
وقالت قوى الحرية والتغيير في بيان "ندعو في قوى الحرية والتغيير للالتزام الكامل بإعلان مبادئ جدة وباتفاق وقف إطلاق النار قصير الأمد والترتيبات الإنسانية، ونأمل بأن يشكل هذا الاتفاق خطوة أخرى إلى الأمام في طريق الوقف الكلي لهذه الحرب اللعينة".
الجيش ملتزم بالاتفاق
أكد الجيش السوداني الأحد الاتفاق على وقف إطلاق النار لمدة سبعة أيام مع قوات الدعم السريع شبه العسكرية، قائلاً إنه سيقتصر على الترتيبات الخاصة بهدنة لحماية المدنيين والمستشفيات ولن يتطرق إلى القضايا السياسية.
وقال المتحدث باسم الجيش، في بيان عبر "فيسبوك"، "تعلن قواتكم المسلحة التزامها بنص الاتفاق وتأمل أن تلتزم الميليشيات المتمردة بما جاء فيه"، في إشارة إلى قوات الدعم السريع.
آمال التهدئة
قال سكان في الخرطوم إنه يمكن سماع دوي قتال متقطع بين طرفي الصراع السوداني في العاصمة الأحد، بعد أن بث اتفاق توسطت فيه السعودية والولايات المتحدة لوقف إطلاق النار لمدة أسبوع الآمال في بعض التهدئة في القتال المستمر منذ خمسة أسابيع.
ومن المقرر أن يدخل اتفاق وقف إطلاق النار، الذي وقعه الجيش وقوات الدعم السريع بعد محادثات في مدينة جدة السعودية، حيز التنفيذ مساء الإثنين ويخضع لآلية مراقبة مدعومة دولياً، كما يسمح بتوصيل المساعدات الإنسانية.
ولم تنجح اتفاقيات متكررة لوقف إطلاق النار منذ بدء الصراع في 15 أبريل (نيسان) في وقف القتال، لكن اتفاق جدة يمثل المرة الأولى التي يوقع فيها الجانبان اتفاقية هدنة بعد مفاوضات.
ويقول محللون إنه لم يتضح ما إذا كان باستطاعة قائد الجيش الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان أو قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي، تنفيذ وقف إطلاق النار على الأرض. وأشار كل منهما من قبل إلى أنه يسعى إلى تحقيق النصر، ولم يسافر أي منهما إلى جدة.
وأسفر الصراع عن فرار 1.1 مليون شخص من ديارهم، سواء داخل البلاد أو إلى الدول المجاورة، مما أجج أزمة إنسانية تهدد بزعزعة استقرار المنطقة.
كما ترك الصراع أولئك الذين بقوا في الخرطوم يكابدون من أجل البقاء وسط جرائم النهب المستشرية وانهيار الخدمات الصحية وتناقص إمدادات الغذاء والوقود والكهرباء والمياه. وتحدث شهود عن اشتباكات في وسط وجنوب الخرطوم.
وقالت صفاء إبراهيم (35 سنة)، وهي موظفة بشركة وتعيش في الخرطوم، لـ"رويترز" عبر الهاتف، إنها تأمل في أن ينهي الاتفاق هذا الصراع.
وأضافت "نتمنى نجاح هذا الاتفاق، تعبنا من هذه الحرب وتشردنا من منازلنا إلى خارج الخرطوم وتشتتت الأسرة بين مدن السودان ومصر، نريد أن نعود إلى الحياة الطبيعية والأمان، على البرهان وحميدتي أن يحترما رغبة الناس في الحياة".
انتظار الهدنة
اندلعت الحرب في الخرطوم بسبب خلافات بين قائدي طرفي الصراع، اللذين استوليا على السلطة في انقلاب عام 2021، في شأن المرحلة الانتقالية التي كان من المقرر أن تفضي إلى إجراء انتخابات بإشراف حكومة مدنية.
وشغل البرهان منصب رئيس مجلس السيادة وكان حميدتي نائباً له منذ إطاحة الرئيس السابق عمر البشير خلال انتفاضة شعبية عام 2019.
وتركز محادثات جدة على السماح بوصول المساعدات واستعادة الخدمات الأساسية. ويقول وسطاء إن هناك حاجة إلى مزيد من المحادثات لسحب القوات من المناطق الحضرية من أجل إبرام اتفاق سلام دائم تشارك فيه قوى مدنية.
وقال محمد حامد، وهو ناشط سياسي في العاصمة، إن أهالي الخرطوم ينتظرون الهدنة وفتح ممرات إنسانية، مضيفاً أن الوضع الصحي يزداد سوءاً يوماً بعد يوم.
وصرح الفريق ركن ياسر العطا عضو مجلس السيادة للتلفزيون الرسمي بأن الجيش يحاول إخراج قوات الدعم السريع من المنازل والمدارس والمستشفيات.
ووجد ملايين المدنيين أنفسهم محاصرين مع لجوء الجيش للضربات الجوية والقصف من أجل استهداف قوات الدعم السريع التي انتشرت بمناطق سكنية في بداية القتال.
ولدى سؤاله عن دعوات بعض زعماء القبائل لتسليح المدنيين، قال العطا "الآن الموقف إطلاقاً لا يتطلب تسليح المواطنين، لكن مع ما نشهده من اغتصابات وهجوم على منازل المواطنين والاعتداء عليهم وعلى ممتلكاتهم وأعراضهم فمن يتسلح يتسلح لحماية نفسه، وهذا حق طبيعي".
الغارات مستمرة
وشهدت الخرطوم السبت غارات جوية وقصفاً مدفعياً متبادلاً بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، فيما اتفق طرفا النزاع مساء اليوم نفسه على هدنة إنسانية تستمر أسبوعاً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأعلنت الولايات المتحدة والسعودية، في بيان مشترك مساء السبت، أن ممثلي الجيش السوداني وقوات الدعم السريع وافقوا على وقف لإطلاق النار مدته أسبوع يبدأ الإثنين.
وذكر البيان أن وقف النار "يمكن تمديده بموافقة الطرفين". وأشار إلى أن طرفي النزاع اتفقا أيضاً على "إيصال وتوزيع المساعدات الإنسانية، واستعادة الخدمات الأساسية، وسحب القوات من المستشفيات والمرافق العامة الأساسية".
وأوضح البيان المشترك أن وقف النار "يدخل حيز التنفيذ الساعة 21.45 بتوقيت الخرطوم (19.45 ت غ) يوم 22 مايو (أيار) ويستمر سبعة أيام".
وأكدت واشنطن والرياض أن كلا الطرفين أعرب عن "التزامهم عدم السعي وراء أي مكاسب عسكرية خلال فترة الإخطار البالغة 48 ساعة بعد توقيع الاتفاقية وقبل بدء وقف إطلاق النار".
وذكر البيان الأميركي - السعودي المشترك أنه يتوقع أن "تركز المحادثات اللاحقة على خطوات أخرى لتحسين الظروف الأمنية والإنسانية للمدنيين".
ومنذ اندلاع الحرب باءت بالفشل جهود عدة لإرساء هدنة دائمة، علماً أن ممثلين للطرفين كانوا يجرون خلال الساعات الماضية محادثات في السعودية.
وتابع البيان الأميركي - السعودي المشترك "من المعروف أن الطرفين قد سبق لهما الإعلان عن وقف لإطلاق النار لم يتم العمل به. وعلى عكس وقف إطلاق النار السابق، فقد تم التوقيع من قبل الطرفين على الاتفاقية التي تم التوصل إليها في جدة، وستدعمها آلية لمراقبة وقف إطلاق النار مدعومة دولياً من السعودية والولايات المتحدة الأميركية والمجتمع الدولي".
معارك عنيفة
ميدانياً أفاد سكان الخرطوم وكالة الصحافة الفرنسية السبت بأن العاصمة شهدت خلال ساعات النهار معارك عنيفة على رغم المناشدات الدولية لإرساء هدنة إنسانية.
وقال شهود عيان إن من بين المناطق التي تعرضت لهجمات تلك المحيطة بمبنى التلفزيون الرسمي في أم درمان.
ويشهد السودان نزاعاً منذ 15 أبريل (نيسان) بين الجيش وقوات الدعم السريع التي ترفض خطة لدمجها في صفوفه.
1000 قتيل
أوقعت المعارك منذ اندلاعها قرابة ألف قتيل غالبيتهم مدنيون ودفعت أكثر من مليون سوداني إلى النزوح أو اللجوء إلى بلدان مجاورة.
وتحذر الأمم المتحدة من وضع إنساني سريع التدهور في ثالث أكبر بلد أفريقي مساحة، علماً أن ثلث السكان كان يعتمد على المساعدات حتى قبل اندلاع الحرب الأخيرة.
الجمعة، أقال البرهان دقلو من منصب نائب رئيس مجلس السيادة (أعلى سلطة سياسية حالياً في البلاد) وقرر تعيين مالك عقار في المنصب، كما عين ثلاثة من حلفائه في مناصب عسكرية رفيعة.
ووقع مالك عقار عام 2020 ومعه قادة حركات تمرد اتفاق سلام مع الخرطوم، وهو عضو في مجلس السيادة منذ فبراير (شباط) 2021.
وأعلن في بيان أصدره السبت أنه مصمم على السعي إلى "إيقاف هذه الحرب" والدفع باتجاه مفاوضات.
وتوجه مباشرة إلى دقلو بالقول "لا بديل لاستقرار السودان إلا عبر جيش مهني واحد وموحد، يراعي التعددية السودانية".
ويعد دمج قوات الدعم السريع في الجيش نقطة الخلاف الأساسية بين دقلو والبرهان.
وقوات الدعم السريع انبثقت من ميليشيات "الجنجويد" التي لجأ إليها الرئيس المخلوع عمر البشير في أوائل القرن الحالي لسحق جماعات إثنية متمردة في إقليم دارفور، وهي تتمتع بقدرات كبيرة على صعيد التحركات الميدانية لكنها معروفة بعدم الانضباط.
اقتحام سفارة قطر
وعناصر "الجنجويد" متهمون بارتكاب عمليات اقتحام ونهب على نطاق واسع، بما في ذلك لمقار دبلوماسية ومكاتب منظمات إغاثية، والسبت تعرضت السفارة القطرية لهجوم دانته الدوحة.
وجاء في بيان لوزارة الخارجية القطرية "تدين دولة قطر بأشد العبارات قيام قوات مسلحة غير نظامية باقتحام وتخريب مبنى سفارتها في الخرطوم".
وتابعت الوزارة "تم إجلاء طاقم السفارة سابقاً ولم يتعرض أي من الدبلوماسيين أو موظفي السفارة لأي سوء".
وجددت الخارجية القطرية الدعوة إلى "وقف القتال في السودان فوراً، وممارسة أقصى درجات ضبط النفس والاحتكام لصوت العقل وتغليب المصلحة العامة، وتجنيب المدنيين تبعات القتال".
ولم تتهم قطر مباشرة قوات الدعم السريع بالهجوم، لكن بياناً أصدرته الخارجية السودانية اتهم قوات دقلو "بالهجوم على مقر السفارة القطرية بالخرطوم والعبث بمحتوياتها وتخريب الأثاث وسرقة المقتنيات وأجهزة الحاسوب والسيارات من دون مراعاة للأعراف والقوانين الدولية المعنية بحرمة وحماية الدبلوماسيين ومقرات وممتلكات البعثات الدبلوماسية". وفي الأسابيع الأخيرة تعرضت سفارات الأردن والسعودية وتركيا لهجمات.
التقاط الأنفاس
وجاء هجوم السبت غداة قمة عربية عقدت في جدة حضت الجنرالين المتحاربين في السودان على وقف القتال.
ولدى سؤاله عن المحادثات بين طرفي النزاع، قال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان الجمعة إن التركيز منصب على التوصل إلى هدنة تتيح للمدنيين السودانيين التقاط أنفاسهم.
وحض وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن البرهان خلال محادثة هاتفية معه السبت على التحلي "بالمرونة" في هذا الملف، وفق بيان للخارجية الأميركية.
اتساع نطاق العنف
على رغم أن المعارك الكبرى تتركز في الخرطوم، فقد اتسع نطاق أعمال العنف إلى إقليم دارفور في غرب البلاد حيث جذور قوات الدعم السريع.
في نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور، دارت معارك عنيفة خلال الساعات الأخيرة أسفرت عن 22 قتيلاً، وفق نقابة المحامين السودانيين.
والجمعة، أعلن مبعوث الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث تخصيص 22 مليون دولار من صندوق طوارئ تابع للأمم المتحدة لمساعدة سودانيين فروا إلى البلدان المجاورة.
وتعهدت الولايات المتحدة بتخصيص مبلغ قدره 103 ملايين دولار للسودان وجيرانه، دعماً للنازحين واللاجئين.