"أول سعودي يتكلم عن الأقمار الصناعية"، هكذا عنون الوزير السعودي الشهير غازي القصيبي إحدى مقالاته قبل عقدين من الزمان، وهو يعني الدكتور عبدالرحمن الشبيلي ، الذي وافته المنية اليوم (الثلاثاء) إثر سقوطه من شرفة منزله في باريس قبل أيام، نتيجة تعرضه لاصابة بالغة، نقل بعدها بواسطة الإخلاء الطبي إلى عاصمة بلاده التي أحب الرياض، حيث أعلن عائلته أنه سيصلى عليه ويدفن اليوم الأربعاء.
ولم تكن حياة الإعلامي وعضو الشورى السابق عادية بل مختلفه منذ ولادته حتى وفاته، فقد بدأت من بائع التمور في بلدته الى مدير التلفزيون السعودي، وهو أول سعودي ينال الدكتوراه في الإعلام وفقاً لما وثق نفسه في سيرته الذاتية تحت عنوان "مشيناها ..حكايات ذات"، وهو الذي حاز العام 2017 على أعلى تقدير في بلاده، عندما قلده العاهل السعودي الملك سلمان، وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى.
وروى الشبيلي في حكاياته أنه عندما كان طالباً يسكن في غرفة ضمن "قيصرية البلدية" بميدان الصفاة في الرياض كان يأنس بالاستماع إلى (إذاعة طامي) في ذروة شهرتها عام 1961 دون أن تتشكل لديه فكرة مسبقة للعمل الإعلامي، وأنه سيكون أحد الأفراد المؤسسين لانطلاقة البث الإذاعي الرسمي من الرياض بعد حوالي 4 أعوام وتحديداً في 3 يناير(كانون الثاني) عام 1965، وكأن في الأمر مصادفة.
55 عاماً من العمل
والحديث عن الصدفة دائماً ما يلازم الشبيلي في كل مرة يأخذه فيها الحديث عن مراحله العملية الممتدة طوال 55 عاماً، 14 منها قضاها في وزارة الإعلام، و17 أخرى في وزارة التعليم العالي، ثم 12 عاماً في مجلس الشورى و12 في النشاط الثقافي الاجتماعي حتى وافته المنية.
وأفرد الشبيلي في كتاب ذكرياته "مشيناها..حكايات ذات" المساحة الأكبر لفترة عمله في الإعلام، إذ تقلد فيها عددا من المناصب الإدارية حتى وصل إلى منصب مدير عام التلفزيون عام 1971، فكانت مرحلة النشأة والتأسيس والتطوير للجهاز. ويذكر الشبيلي بفخر أنه أول من أضاف في الإذاعة دعاء "اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة" بعد بث أذان الحرم، ولا يزال يُقرأ من الستينات إلى اليوم.
اللافت في كتاب "مشيناها..حكايات ذات" أن هناك ترتيباً سار عليه المؤلف بحيث وزع مداخل الحكايات إلى 8 أبواب وعن ذلك قال الشبيلي: "قسمتها تقسيمات متوازنة ربعها للنشأة وللمدينة التي عشت فيها حتى أصبح عمري 15 عاماً، ودراسة المرحلة الابتدائية، وربع آخر من الكتاب تم تخصيصه للدراسة الجامعية، أما الإعلام فأخذ النصيب الأكبر 100 صفحة".
ولفت إلى أن الأجزاء المتبقية كانت مقسمة بين مرحلة العمل في التعليم العالي ومجلس الشورى، والمجالس التي شارك بها مثل المجلس الأعلى للإعلام.
حديث الشرايين
أما بالنسبة للفصل الأخير من الذكريات فقد حمل اسم (ذاتيات) وتحت عنوان "حديث الشرايين" اتسمت الكلمات بالحزن للذكريات المؤلمة التي مر بها الشبيلي بداية من رحيل ابنه طلال ثم إجرائه شخصياً لعملية القلب.
ويوثق الكتاب لمراحل مهمة لبداية طبيعة الحياة في مدينة الراحل عنيزة (وسط السعودية) ثم المراحل العملية والدراسية لصاحب الذكريات داخل السعودية وخارجها، في محاولة وصفها بأنه "تصور مرابع النشأة، وبيئة الدراسة، وظروف الزمن، وأن تبوح بالممكن من مكنون الصدر، فأبقت بعد ذلك طي الكتمان ما هو أكثر".
وكان الراحل ولد في عنيزة عام 1944، وخلّف 55 كتاباً ومحاضرة مطبوعة في تاريخ الإعلام وسِيَر الأعلام، مثلت في تقديره "حكايات عمر لم يعرف الفراغ، وحياة قلق شكلتها الصدف منذ الطفولة"، فقد أفسح المجال للقارئ في عيش مظاهر الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وصناعة مشاهد بصرية تتراءى له في أسواق "الهفّوف" و"القاع" إلى ساحة "الحيالة"، وفي وسط "المسوكف" تحديداً حيث محل والده، إذ عمل الشبيلي مع والده في بيع التمور حتى تجاوز الخامسة عشرة من عمره، وكان ملماً بأنواع التمور والنخيل بداية من غرسه إلى كنزه واستخراج الدبس منه.
وفور تعرض الفقيد للإصابة، تفاعل مع الحادثة وزير الإعلام في بلاده تركي الشبانة، وقال على حسابه في تويتر: "آلمني ما تعرض له الإعلامي الكبير الدكتور عبدالرحمن الشبيلي وقد اتصلت بابنته "شادن" للاطمئنان على صحته، وأبلغتها بحرص خادم الحرمين الشريفين على أبنائه المثقفين والإعلاميين، وطلبت مني الأخت "شادن" أن أحث الجميع على الدعاء لأستاذنا بالشفاء وأن يلبسه الله ثوب العافية"، وإثر إعلان نبأ وفاته، نعاه جمع من الاعلاميين والمثقفين السعوديين، إذ كان الراحل قد خط لنفسه موقعاً خاصاً في قلوب أبناء جيله وأبناء وطنه ومحبيه.