ملخص
يواجه عقيد سابق في الجيش الأفغاني قاتل إلى جانب القوات البريطانية في بلاده وفرّ إلى المملكة المتحدة على متن قارب صغير، تهديداً بالترحيل إلى رواندا
يواجه عقيد سابق في الجيش الأفغاني قاتل إلى جانب القوات البريطانية في بلاده وفرّ إلى المملكة المتحدة على متن قارب صغير، تهديداً بالترحيل إلى رواندا، في خيانة جديدة لعسكريين أبطال دعموا قوات التحالف الدولي في أفغانستان.
المحارب السابق الذي شارك في العمليات المشتركة مع القوات البريطانية في مقاطعة هلمند خلال بعض أشرس المعارك في الحرب الأفغانية ترك في وضع تخوف فيه على حياته، وزعم أنه "لم يحصل على أي شكل من أشكال المساعدة" بعد سقوط كابول في أيدي مقاتلي "طالبان" في أغسطس (آب) 2021.
وقد اضطر العقيد الذي كان لا يزال يتعافى من جروح أصيب بها أثناء القتال إلى ترك زوجته وأطفاله في أفغانستان والمغادرة بحثاً عن الأمان، وبعد رحلة محفوفة بالأخطار قادته إلى 11 دولة، وصل أخيراً إلى المملكة المتحدة على متن قارب صغير في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي.
لكنه، كما الطيار الأفغاني الذي نظمت "اندبندنت" حملة تطالب فيها الحكومة البريطانية بمنحه الحق في اللجوء، تلقى إشعاراً من وزارة الداخلية ينذره بالترحيل إلى رواندا.
اقرأ المزيد
- قائد بريطاني سابق لقوات التحالف يطالب بعدم طرد الطيار الأفغاني البطل
- طيار أفغاني يواجه تهديدا بترحيله إلى رواندا
- طيار أفغاني يروي قصة فراره من طالبان إلى بريطانيا على متن قارب
- استمرار المناشدات لوقف ترحيل الطيار الأفغاني من بريطانيا
- زعماء دينيون بريطانيون يستنكرون التهديد بترحيل بطل حرب أفغاني إلى رواندا
- وزير بريطاني يرفض دعم محارب أفغاني مهدد بالترحيل إلى رواندا
الإشعار جاء بعدما تقدم في أواخر العام 2021 عندما كان لا يزال في أفغانستان، بطلب اللجوء بموجب مخطط إعادة توطين الأفغان الذي تديره وزارة الدفاع البريطانية والمعروف اختصاراً باسم (أراب) "سياسة نقل ومساعدة الأفغان" Afghan Relocations and Assistance Policy (Arap)، ويقول إنه تلقى من أحد المسؤولين البريطانيين مكالمة تفيد بمتابعة وضعه، لكنه منذ ذلك الحين لم يسمع شيئاً من سلطات المملكة المتحدة.
ويعد الكولونيل الأفغاني أحد المحاربين الأفغان القدامى الذين اضطروا إلى اللجوء إلى سبل غير قانونية للوصول إلى المملكة المتحدة بسبب القيود والتأخيرات التي اعترت مخططي إعادة توطين الأفغان اللذين وضعتهما الحكومة البريطانية.
القائد السابق لـ "البحرية الملكية" البريطانية الأدميرال آلن ويست، لورد سبيتهيد في إنجلترا، رأى أن هناك "التزاماً أخلاقياً" يترتب على بريطانيا تجاه الأفغان الذين "قاتلوا إلى جانبنا وقاتلوا معنا"، مضيفاً "إنهم في خطر داخل بلادهم لذا يتعين عليهم مغادرتها".
أما القائد السابق للجيش البريطاني الجنرال اللورد ريتشارد دانات فأعرب من جانبه عن مخاوفه قائلاً "مرة أخرى نشهد حالة تم فيها تجاهل أو خيانة الأفراد الذين سعوا إلى التصرف بحسن نية من خلال التقدم بطلب للانضمام إلى مخطط ’أراب‘".
ورأى أن من الأهمية بمكان أن تتم مراجعة قضايا مثل قضيتي هذا العقيد والطيار على الفور، وقال "إذا كانا بالفعل من طالبي اللجوء الحقيقيين فيجب منحهما فرصة البقاء في بريطانيا، كما لو كانا وصلا إلى البلاد بموجب مخطط ’أراب‘".
وزير الدفاع في حكومة الظل "العمالية" المعارضة النائب جون هيلي دعا وزير الدفاع بن والاس إلى "أن يعمل على وجه السرعة على إصلاح مخطط ’أراب‘ الفاشل"، على حد تعبيره، وقال "يجب أن نقوم بواجباتنا الأخلاقية التي تقضي بحماية هؤلاء الأفغان الذين يتعرضون لتهديد خطر من حركة ’طالبان‘ ومساعدتهم".
المحارب الأفغاني السابق الذي قال إنه تعرض للإصابة أكثر من 20 مرة خلال حياته العسكرية، وصف في حديث مع "اندبندنت" كيف دفع به عدم اليقين إلى حال من التوتر والقلق على حياته.
وقال "إن الوضع برمته أثر بشكل كبير في حالتي النفسية، وأنا أشعر الآن بقلق شديد على أفراد عائلتي، فإذا ما تحسن وضعي هنا فسأكون قادراً حينها على التخطيط لمستقبلهم، لكن إلى أن يحدث ذلك فأنا أشعر بقلق كبير".
العقيد الذي يتلقى دعماً من مؤسسة "كير فور كاليه" Care4Calais الخيرية (التي تعنى بتسهيل أوضاع طالبي اللجوء في شمال فرنسا وبلجيكا) يعيش في سكن تابع لوزارة الداخلية ويتلقى من الحكومة البريطانية تسعة جنيهات إسترلينية (11.16 دولاراً أميركياً) في الأسبوع لتغطية نفقات معيشته.
وكما هي الحال مع كثير من المحاربين القدامى الآخرين فقد جاء العقيد إلى المملكة المتحدة بناء على الذكريات الطيبة التي كونها خلال خدمته إلى جانب القوات البريطانية في بلاده، لا سيما منها تلك المتعلقة بالوحدة التي كان يتمركز معها في مقاطعة هلمند.
وقال مستعيداً تلك الذكريات، "كنت منذ أيام دراستي أشاهد الجنود وأقاتل في بلادي وكنت مهتماً بالانضمام إلى الجيش، وعندما جاءت القوات الأجنبية إلى أفغانستان التحقت بأكاديمية (تدريب الشرطة)، وفي البداية عملت لأعوام عدة في إطار الوحدات الخاصة لـ "الشرطة الوطنية الأفغانية"، وانطلاقاً من هذا الدور شاركت في العمليات الميدانية جنباً إلى جنب مع القوات البريطانية والأميركية بشكل أساس في مقاطعة هلمند".
وشرح كيف كان هو وزملاؤه يذهبون في كثير من الأحيان في عمليات مشتركة وفي دوريات ليلية مع البريطانيين بعدما كانوا يتلقون معلومات عن وجود العدو في مواقع معينة.
وأضاف، "لا شك في أن المهمات كانت مخيفة للغاية فقد كنا معرضين لخطر الموت في أية لحظة، سواء بسبب الألغام الأرضية المنتشرة في كل مكان أو نتيجة إطلاق النار علينا".
واطلعت "اندبندنت" على صور وشهادات توثق الفترة التي عمل فيها العقيد في ولاية هلمند إلى جانب "قوة المساندة الأمنية الدولية" International Security Assistance Force تظهر لقطات عدة للكولونيل الأفغاني مع أفراد القوات المسلحة البريطانية التي كانت متمركزة في تلك المنطقة من أفغانستان خلال تلك المرحلة.
إحدى الصور التي التقطت خلال فترة عمل العقيد في "الجيش الوطني الأفغاني" تظهره وهو يصافح الجنرال الأميركي أوستن سكوت ميلر برتبة أربع نجوم (وهي أعلى الرتب وتمثل مستوى عالياً من القيادة والإمرة)، وهو القائد الأخير لقوات "حلف الأطلسي (ناتو) والوحدات الأميركية في أفغانستان، وتظهر صورة أخرى الكولونيل مع الرئيس الأفغاني آنذاك أشرف غني.
وبعد مسيرته المهنية في وزارة الداخلية الأفغانية تم تعيينه قائد فوج في "الجيش الوطني الأفغاني" وتقدم في الترقية وتسلسل الرتب العسكرية، وفي وصف لإحدى المهمات التي قام بها خلال هذه الفترة علق قائلاً "قام الأعداء بمحاصرة أحد المواقع وكانت مهمتنا تقضي بالتوجه لكسر الحصار وإلحاق الهزيمة بهم، وفي صباح اليوم التالي تعرضت دبابتي أثناء العودة لكمين أسفر عن قطع رقبة السائق، أما أنا فأصبت بجروح في الجهة الجانبية لمعدتي".
وعندما سقطت البلاد في أيدي "طالبان" قال العقيد إنه شاهد انهيار الحكومة الأفغانية من سريره في مستشفى عسكري، وأشار إلى أنه أمضى نحو 20 يوماً يتعافى من إصابته برصاصة في ساقه أثناء وجوده جنوب البلاد.
وبحكم خبرته كقائد عسكري بارز ومعروف أدرك أن عليه أن يغادر وطنه في غضون أيام، وإلا فإنه سيتعرض لمطاردة الإرهابيين له.
ويقول في هذا السياق، "من المؤسف حقاً أن كل ما حدث في النهاية جعلنا نشعر بأنه تم التخلي عنا وأنا تركنا لمصيرنا، وإن أحداً لم يكترث بما حدث لنا نحن الجنود ولا بمصير بلادنا بشكل عام، وفي المراحل الأخيرة من القتال تم قطع الإمدادات عنا حتى الذخيرة، وترك جنودنا القتلى في الميدان".
تمكن العقيد الأفغاني من الفرار من المستشفى العسكري بمساعدة أصدقاء له والاختباء قبل أن يتوجه بسيارة إلى الحدود الإيرانية ليعبرها سيراً على القدمين.
وحط العقيد رحاله في المملكة المتحدة أخيراً بعد رحلة طويلة قادته عبر 11 دولة في الأقل، وطغى عليها المرض إذ انعكست ضغوطها سلباً على الإصابة في ساقه.
وقال في وصف بعض محطاتها، "مكثتُ في إيران قرابة شهرين واضطررت إلى البقاء فيها لفترة من الوقت بسبب تورم ساقي التي كشف عليها طبيب أفغاني يعمل في مستشفى هناك، وقام بإجراء جراحة فيها".
وتابع يقول "من ثم واصلت طريقي إلى تركيا ومكثت فيها لفترة أطول، وحاولت خلالها بطرق عدة مغادرتها، لكنني لم أكن محظوظاً، فلم يتوافر لدي ما يكفي من المال لدفع أجرة قارب، سعيت إلى العبور إلى اليونان لكن التجربة كانت صعبة، وقد تعرضت لضرب مبرح أثناء قيامي بذلك، ثم حاولت العبور إلى بلغاريا مرات عدة".
وأضاف، "الضرب الذي تعرضت له على يد قوات حرس الحدود في بلغاريا جعل جرحي يتورم مرة أخرى، وتم إدخالي إلى المستشفى في تركيا لليلتين في حينه، لكن في محاولتي الأخيرة نجحت في العبور إلى بلغاريا وسرت على قدمي لمدة 21 يوماً متتالياً حتى تمكنت من العبور إلى صربيا".
وفي نهاية المطاف تمكن العقيد من شق طريقه إلى ألمانيا بمساعدة أحد المهربين، وقال "اضطررت إلى البقاء هناك لفترة من الوقت بسبب الإصابات في ساقي، محاولاً التفكير في المكان المناسب الذي يجب أن ألجأ إليه، ووجدت أن المملكة المتحدة هي الوجهة الأفضل من أي خيار آخر بحكم مشاركتي في الخدمة إلى جانب القوات البريطانية في أفغانستان".
الإشعار الذي تلقاه الكولونيل الأفغاني من وزارة الداخلية البريطانية والصادر في شهر فبراير (شباط) هذا العام ينص على أن المسؤولين لا يزالون ينظرون في ما إذا كانت رحلته عبر دول أوروبية عدة ستتسبب برفض طلب اللجوء الذي تقدم به.
وأضاف الإشعار أن في إمكانه الحصول على المساعدة "إذا ما رغبت في سحب مطالبتك باللجوء إلى المملكة المتحدة والعودة لبلدك الأصلي".
وفي معرض تعليقه على التهديد بترحيله إلى رواندا قال العقيد الأفغاني، "اعتقدت أنني قد وصلت إلى مكان آمن لكن هذه المسألة أصبحت تشكل مصدر قلق بالنسبة إلي الآن، ولا سيما لجهة مصير أسرتي في حال تم إبعادي إلى رواندا، وما إذا كنت سأبقى عالقاً هناك؟".
وعلى رغم أن الضابط الأفغاني السابق تقدم بطلب اللجوء بموجب مخطط "سياسة نقل ومساعدة الأفغان" الحكومي إلا أن وزير الدولة البريطاني لشؤون الدفاع جيمس هيبي قال هذا الأسبوع، إن أفراد القوات المسلحة الأفغانية لن يكونوا مؤهلين "من حيث المبدأ" للاستفادة من هذا مخطط "أراب".
وتنص الإرشادات المنشورة على الموقع الإلكتروني لحكومة المملكة المتحدة على أن مخطط "أراب" مخصص "للمواطنين الأفغان الذين عملوا لحساب حكومة المملكة المتحدة أو بالتعاون معها في أفغانستان في أدوار مكشوفة أو أساسية"، بيد أن الصلاحيات التي يشتمل عليها هي في الواقع أكثر محدودية.
وفي هذا الإطار رأى الرئيس التنفيذي لمؤسسة "كير فور كاليه" الخيرية والعقيد السابق في الجيش البريطاني ستيف سميث أن هذا النظام "صمم عمداً لمنع اللاجئين من البحث عن ملاذ آمن في المملكة المتحدة".
وأضاف موضحاً، "إن النظام يترك قدامى المحاربين الأفغان بلا طريق آمن لطلب اللجوء في المملكة المتحدة، وقد حان الوقت كي تتدخل الحكومة وتسحب تهديداتها بترحيلهم وأن تعمد إلى منحهم الحق في اللجوء في المملكة المتحدة، ولم شملهم مع أسرهم التي لا تزال تعيش تحت الخطر في أفغانستان".
ويشار إلى أن حملة "اندبندنت" المطالبة بوقف تهديد الطيار الأفغاني بالترحيل إلى رواندا لاقت دعماً متزايداً من قادة عسكريين وسياسيين رفيعي المستوى، ومن مشاهير في البلاد.
وقد طالب كل من زعيم المعارضة السير كير ستارمر وزعيم حزب "المحافظين" السابق السير إيان دانكن سميث، ومخرج هوليوود غاي ريتشي، وأسطورة الموسيقى ستينغ، والرئيس السابق للقوات المسلحة البريطانية الجنرال السير ديفيد ريتشاردز، الحكومة البريطانية بالوقوف إلى جانب أولئك الأفغان الذين دعموا المهمة التي قامت بها القوات البريطانية في أفغانستان.
وتعليقاً على ما تقدم اعتبر متحدث باسم وزارة الداخلية البريطانية أنه ينبغي ألا يخاطر أحد بحياته من خلال عبور "القنال الإنجليزي"، أو سلوك طرق خطرة وغير قانونية للوصول إلى المملكة المتحدة.
وختم المتحدث بالقول، "إننا نواصل العمل مع الشركاء ذوي الرؤية المشتركة ومع الدول المجاورة لأفغانستان في شأن قضايا إعادة التوطين ودعم مرور آمن للأفراد لأفغان المؤهلين".
© The Independent