ألقت التغيرات السياسية التي يشهدها السودان بظلالها على مسار العملية التعليمية في مختلف مدن البلاد. وعلى خلفية مقتل خمسة طلاب من المرحلة الابتدائية في مدينة الأبيض جنوب السودان، وجّه المجلس العسكري الانتقالي حكّام ولايات البلاد الـ18، بتعطيل الدراسة ابتداءً من الأربعاء 31 يوليو (تموز) وحتى إشعار آخر.
حماية الطلاب
حادثة مقتل طلاب في مسيرات مطلبية بمدينة "الأبيض" يوم الاثنين الماضي، دفعت العديد من طلاب المدارس الابتدائية والثانوية للخروج في تظاهرات احتجاجية، مطالبةً بالانتقال إلى حكومة مدنية ومحاسبة المتورطين في مقتل زملائهم.
وتعدّ التحرّكات الطلابية الأخيرة، الأكثر انتشاراً خلال الفترة الماضية وغطّت غالبية المدن الكبيرة، وعلى إثر ذلك طالبت لجنة المعلمين السودانيين، وهي إحدى مكوّنات تجمّع المهنيين السودانيين الذي يقود الاحتجاجات في البلاد، المجلس العسكري بضرورة تعليق الدراسة بصورة عاجلة حتى تكوين حكومة مدنية، حفاظاً على أرواح الطلاب والطالبات.
الاستقرار الأكاديمي
لم تبدأ السنة الدراسية في السودان للعام الحالي في موعدها المحدّد بسبب الحراك الشعبي. وعلى الرغم من إعلان انطلاق الدراسة عقب عطلة عيد الفطر الماضي، إلا أن غالبية المدارس في السودان لم تشهد بداية طبيعية للعملية التعليمية، لأسباب عدة من بينها الاستقرار الأمني والعوامل المرتبطة بفصل الخريف، الذي بدأ منذ شهر يونيو (حزيران)، إذ كان سائداً أن يبدأ الفصل الدراسي قبل الخريف، جراء تسبّب الأمطار في تعطيل حركة تنقل الطلاب في بعض المدن والقرى.
وعلى مستوى العاصمة الخرطوم، تأجّلت بداية العام الدراسي مرّتين قبل أن تنطلق في 7 يوليو الماضي.
أوضاع اقتصادية
في بعض ولايات السودان ارتبط تأخّر إعلان بداية العام الدراسي بالأوضاع الاقتصادية المتردّية، إذ أشارت ولاية الخرطوم وولاية الجزيرة، في وقت سابق، إلى أن تأخير مواعيد الدراسة جاء بغية تمكين أولياء الأمور من ترتيب أوضاعهم المادية لتلبية حاجات المدراس المرتبطة بالزي والأدوات المدرسية المختلفة.
أضرار مستقبلية
ويشير مرتضى أحمد الزبير، معلم المرحلة الابتدائية في الخرطوم، إلى أن التعليق المستمر للدراسة له أضرار متعددة تقع على الطلاب والحكومة على حد سواء. ويتابع موضحاً "الجدول الدراسي في السودان يرتبط في أساسه بعدد من العوامل أهمها فصل الخريف، الذي يكون معطلاً حقيقياً للدراسة في العديد من الولايات، والآن نحن في بداية ذلك الفصل وتم تعليق الدراسة، وهو أمر غير طبيعي إذ كان من المفترض أن يكون الطلاب في بعض المدن أكملوا الفصل الدراسي الأول وبدأوا الإجازة الأولى".
الانتقال بين المراحل التعليمية
ويقول الزبير إن "التعليق المتلاحق سيخلق ربكة في عملية انتقال الطلاب بين المراحل التعليمية، مثل الانتقال من المرحلة الابتدائية إلى الثانوية ومن الثانوية إلى الجامعة، لأن كل مرحلة تعليمية لديها موعد معين لبداية الدراسة مختلف عن الآخر، إذ تتبع الحكومة السودانية نهج انطلاق الدراسة تدريجاً في المراحل المختلفة". بالتالي سيواجه السودان مشكلتين، بحسب الزبير، "الأولى ترتبط بالسياسة التي ستتبعها الحكومة لتكملة المقررات الدراسية خلال العام الحالي... هل ستقوم بتقليل فترات الإجازات الفصلية حتى يتسنى للمعلمين إكمال المقررات، أم ستعطي كل فصل أمده الزمني المحدّد؟ أما المشكلة الثانية فمرتبطة بالعام الدراسي المقبل، فهل ستعمل الحكومة على وضع خطة جديده له، لتبدأ الدراسة في مختلف المراحل التعليمية في وقت واحد على الرغم من الصعوبات المرتبطة بذلك من حيث الإعداد الفني للمعلمين والمدارس وأوضاع الأسر الاقتصادية التي لديها طلاب في المراحل التعليمية المختلفة، أم ستبدأ بالتدرّج ما يعني إحداث خلل في المواقيت المرتبطة بالدراسة؟".
تخوف الأسر
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى الرغم من تعثّر بداية العام الدراسي في السودان، إلا أن بعض الأسر قابلت قرار تعطيل الدراسة إلى حين إشعار آخر بشيء من الارتياح. وقالت إيمان إبراهيم، وهي أم لطفلين في المرحلة الابتدائية، إنها استقبلت قرار التأجيل بارتياح كبير. وأضافت "الأوضاع الأمنية في السودان مضطربة، وهناك مخاطر تقع على الطلاب من خلال مشاركتهم في الاحتجاجات التي تخرج من المدارس، نعم الاستقرار الأكاديمي مهم بالنسبة لي، لكن حياة أطفالي لا يمكن مقارنتها بذلك".
وتعتبر إيمان الشعار الذي يرفعه الطلاب خلال تظاهراتهم "لا تعليم في وضع أليم" شعار يعبّر عن الواقع بصورة جيدة، وتقول "نحن نعيش أوضاعاً اقتصادية صعبة، فأنا على سبيل المثال عانيت في توفير حاجات إبنيْ، اللذين يدرس أحدهما في المستوى الرابع والآخر في المستوى الثاني من المرحلة الابتدائية، وعلى الرغم من أن تلك المرحلة لا تحتاج لمعينات دراسية، إلا أن توفير حاجاتها كان صعباً للغاية".
وأشارت الوالدة إلى نقطة أخرى مرتبطة بأبنائها وقالت إنها تنطبق على أسر كثيرة، وهي "نقل الطلاب من المنزل إلى المدرسة، إذ ارتفعت تكاليف الاشتراكات في تراحيل الطلاب بنسبة عالية، ومع ذلك لا يمكن توفيرها بصورة سهلة للطلاب لأن غالبية أصحاب الحافلات الذين يعملون على ترحيل الطلاب يعانون من مشكلات توفير الوقود المتكررة". وبفعل ذلك، ألقي على إيمان وأسرتها عبء إضافي، إذ بات عليها التفرّغ لترحيل أبنائها وإحضارهم إلى المنزل. وفيما تبدي الأم ارتياحها لقرار تعطيل الدراسة، غير أنها لا تخفي رغبتها في استئناف الدراسة سريعاً، لارتباط ذلك بعوامل أخرى تشمل "التحصيل الأكاديمي والعطل الدراسية".
استغلال الطلاب
عقب حادثة مقتل طلاب مدينة الأبيض، وُجّهت للمعارضة السودانية العديد من الاتهامات، من بينها استغلال الطلاب في الحراك الأخير بغرض تحقيق مكاسب سياسية، كونهم فئة منظمة ويسهل تحريكها بأعداد كبيرة وفي مواقيت محددة.
غير أن المتحدث باسم تجمع المهنيين السودانيين إسماعيل التاج نفى ذلك، وقال إنها تهمة غير صحيحة. وأوضح التاج، في مؤتمر صحافي عقده التجمع مساء اليوم الأربعاء، أن "الطلاب السودانيين لديهم الوعي والنضج الكافي للتعبير عن أنفسهم وحاجاتهم من دون أن تضطلع جهة بتحريكهم، وبدا ذلك واضحاً منذ بداية الثورة التي أطاحت بنظام الرئيس عمر البشير، والتي ابتدأها طلاب المدارس في مدينتي عطبرة والدمازين، لتتبعهم غالبية فئات المجتمع".
ورأى التاج إن "التهمة المتعلقة باستغلال المعارضة للطلاب، لا تخرج عن كونها محاولة التفاف عن الحقيقة، فالأمر لا يرتبط بتحريك الطلاب إنما بمن هو صاحب المصلحة في قتلهم".
وعلى الرغم من إعلان الحكومة تعطيل الدراسة من دون تحديد موعد لاستئنافها، إلا أن تقارير محلية أشارت إلى أن الدراسة ستستأنف عقب عطلة عيد الأضحى، منتصف شهر أغسطس (آب) المقبل.