ملخص
زاد الإنفاق العسكري لدول العالم بنسبة أربعة في المئة ليتجاوز تريليوني دولار العام الماضي
في كلمة لها، الشهر الماضي، قالت رئيسة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا، إن الحرب في أوكرانيا "تمثل خطر محو فوائد اقتصاد السلم التي تمتع بها العالم في العقود الثلاثة الماضية"، ذلك في إشارة إلى أن ما وفرته دول العالم من الإنفاق على التسليح منذ نهاية الحرب الباردة، ومثل ما يسمى "عائد أرباح السلام" مهدد بالزوال مع زيادة الإنفاق العسكري لدول العالم.
وكان الاعتقاد السائد منذ نهاية الحرب الباردة وتوقف سباق التسلح العالمي أن خفض الإنفاق العسكري سيؤدي إلى زيادة إنفاق الدول على البنية التحتية والخدمات العامة وخفض الديون وتقليل نسبة الضرائب، وفي تحقيق مطول لها هذا الأسبوع، قدرت مجلة "الإيكونوميست" أنه منذ ستينيات القرن الماضي، وفر العالم نحو أربعة تريليونات دولار من الإنفاق العسكري تساوي إنفاق الحكومات في دول العالم على ميزانية التعليم، والآن يتحول عائد ربح السلام إلى ما وصفته المجلة بـ"ضريبة حرب" لا يعرف مدى تأثيرها على الاقتصاد العالمي.
وبحسب أرقام معهد "ستوكهولم" لأبحاث السلام الدولية "سيبري"، زاد الإنفاق العسكري لدول العالم، العام الماضي، بنسبة أربعة في المئة ليتجاوز تريليوني دولار، وترتفع أسعار أسهم شركات الصناعات العسكرية والدفاعية بمعدلات أعلى من ارتفاع مؤشرات البورصات الرئيسة في العالم.
اقتصاد الحرب
وبعد أن كانت الدول تخفض نصيب الإنفاق العسكري من الناتج المحلي الإجمالي لصالح الإنفاق العام على قطاعات أخرى، عادة في الآونة الأخيرة لزيادة ميزانية الدفاع، فالدول الغربية ترسل كميات هائلة من الأسلحة والذخيرة إلى أوكرانيا بعشرات مليارات الدولارات، وفي سياق تجهيز الهجوم المضاد الأوكراني في مواجهة القوات الروسية، جهزت الدول الغربية تسعة ألوية مدرعة أوكرانية بأحدث الأسلحة وأكثرها تعقيداً تكنولوجياً، من الدبابات إلى غيرها، وستبدأ تلك الدول قريباً في تدريب الطيارين الأوكرانيين على استخدام المقاتلات الأميركية من طراز "أف-16".
وكشفت الحرب في أوكرانيا عن مدى الحاجة إلى كميات هائلة من الذخيرة في أوقات الصراع، إضافة إلى عدم قدرة المصانع التي تعمل بوتيرة "إنتاج وقت السلم" على تلبية تلك الحاجات، فقد نفدت تقريباً مخزونات الذخيرة لدى بريطانيا ولم تعد تكفي لمدة شهر في الولايات المتحدة نتيجة الكميات التي ساعدت بها أوكرانيا، وأكثر الذخائر التي كاد ينفد مخزونها قذائف المدفعية 155 ملليمتر والصواريخ المضادة للسفن والمدرعات.
إنتاج الذخيرة
ولأن إنتاج الذخيرة يتطلب أشهراً طويلة، فإن زيادة طلبيات الحكومات الغربية من شركات الصناعات العسكرية مستمرة للفترة المقبلة، وبحسب تحقيق المجلة، فإن عدداً كبيراً من دول حلف شمال الأطلسي "الناتو" تجاوز الحد الأدنى للإنفاق العسكري الذي يضعه الحلف عند نسبة اثنين في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وأخيراً، أعلن حلف "الناتو" أن هذه النسبة هي السقف الأدنى من دون سقف أعلى للإنفاق العسكري للدول الأعضاء، وبينما كان عدد دول الحلف التي حققت الحد الأدنى من الإنفاق العسكري عام 2014 عند ثلاث دول فقط، وصل العدد العام الماضي إلى سبع دول.
ومن المتوقع أن يشهد اجتماع حلف "الناتو"، في يوليو (تموز) المقبل في ليتوانيا، الاتفاق على مسألة زيادة نصيب الإنفاق العسكري لدول الحلف في ضوء الصراع في أوكرانيا، على سبيل المثال، تخطط ألمانيا لزيادة الإنفاق على الدفاع لتحقيق مستهدف "الناتو" عند نسبة اثنين في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وقد تتجاوزها في ضوء ما هو معلن من مخصصات، كما تخطط اليابان لزيادة الإنفاق العسكري بنسبة الثلثين بحلول عام 2027 لتصبح ثالث أكبر المنفقين على الدفاع في العالم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقدر تحقيق "الإيكونوميست" أن الإنفاق على الدفاع حول العالم سيزيد بمقدار 200 مليار دولار سنوياً في الفترة المقبلة، وإذا أخذت التعهدات المعلنة حتى الآن، فإن الزيادة في الإنفاق العسكري العالمي قد تتجاوز 700 مليار دولار سنوياً.
تبعات زيادة الإنفاق
ولا تقتصر الزيادة في الإنفاق العسكري على دول حلف "الناتو" وحسب، فعلى مدى السنوات الـ10 الأخيرة، زادت ميزانية الدفاع في الهند بنسبة 50 في المئة، كذلك زادت ميزانية باكستان الدفاعية بالنسبة ذاتها تقريباً، في الوقت الذي ستمد فيه أميركا وبريطانيا أستراليا بغواصات نووية، كما تسعى أستراليا لتطوير صواريخ أسرع من الصوت.
وعلى مدى العقد الأخير، زادت ميزانية الصين العسكرية بنسبة 75 في المئة، وتستهدف بكين "التحديث الكامل" لقواتها بحلول عام 2035 كي تصبح أكبر قوة عسكرية في العالم بحلول 2049، وتبقى الولايات المتحدة الأكبر إنفاقاً عسكرياً في العالم، ومع تراجع إنفاقها العسكري إلى نسبة خمسة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي منذ 2012، هناك دعوات الآن لزيادة الإنفاق العسكري بنسبة من ثلاثة إلى خمسة في المئة سنوياً على مدى السنوات الخمس المقبلة.
وتأتي تلك الزيادة في الإنفاق العسكري في الوقت الذي تواجه في الاقتصادات الغربية مجموعة من التحديات، من زيادة الدين العام إلى ارتفاع أسعار الفائدة واستمرار معدلات التضخم العالية، وكي تستطيع تلك الدول تمويل الإنفاق العسكري، ربما لا تجد مفراً من زيادة عبء الضرائب على المواطنين الذين يعانون بالفعل من ارتفاع كلفة المعيشة.
يضاف إلى ذلك أن عقود التوريدات العسكرية والدفاعية غالباً ما تكون تفاصيلها سرية لاعتبارات الأمن القومي للدول، وهو ما يسمح بمزيد من "الفساد" كما يشير تحقيق المجلة، ويعني ذلك إهدار مزيد من أموال دافعي الضرائب في الوقت الذي تعاني فيه الخزانة في تلك الدول من مشكلات العجز وأعباء كلفة خدمة الديون، وإذا تم تمويل ذلك الإنفاق العسكري بالاقتراض الحكومي، فإن الأجيال المقبلة ستتحمل عبء ضريبة الحرب تلك.