ملخص
الحرب تدخل أسبوعها السابع مع انحسار الضربات الجوية ولا مساعدات تذكر للمناطق المحتاجة
شهدت العاصمة السودانية الخرطوم بعض الهدوء، أمس السبت، في ظل هدنة تستمر سبعة أيام أدت على ما يبدو إلى تقليل الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع، غير أنها لم تقدم بعد المساعدات الإنسانية المنتظرة لملايين المحاصرين في العاصمة.
وتهدف الهدنة التي وقعها طرفا الصراع، الإثنين الماضي، لضمان ممر آمن للمساعدات الإنسانية، والتمهيد لمحادثات أوسع نطاقاً برعاية الولايات المتحدة والسعودية.
وأدى الصراع، الذي اندلع في 15 أبريل (نيسان) إلى مقتل 730 مدنياً على الأقل، ونزوح 1.3 مليون سوداني عن ديارهم، إما إلى الخارج أو إلى مناطق أكثر أمناً داخل البلاد.
وقال شهود إن الخرطوم تشهد بعض الهدوء، على رغم ورود أنباء عن اشتباكات متفرقة، خلال الليل وبعد ظهر السبت، في مناطق بجنوب العاصمة وفي مدينة أم درمان المقابلة لها عبر نهر النيل وهي إحدى نقاط الدخول المهمة للعاصمة.
انتهاك الهدنة
تبادل طرفا النزاع الاتهامات بخرق الهدنة، اتهمت قوات الدعم السريع في بيان، السبت، الجيش بشن ضربة جوية دمرت شركة سك النقود، وكان الجيش اتهم قوات الدعم السريع، الجمعة، باستهداف الشركة نفسها.
وقالت أيضاً، في وقت متأخر مساء السبت، إنها مستعدة للمشاركة في محادثات لبحث تمديد وقف إطلاق النار، الذي من المقرر أن ينتهي سريانه، مساء غد الإثنين.
وفي غضون ذلك، قال الجيش إن دعوته لقوات الاحتياط هي تعبئة جزئية وإجراء دستوري، أضاف أنه يتوقع استجابة أعداد كبيرة للدعوة.
ويعاني من بقوا في الخرطوم من انهيار الخدمات مثل الكهرباء والمياه وشبكات الاتصالات، بينما ينهب اللصوص المنازل، ومعظمها في الأحياء الميسورة.
وقالت الشرطة السودانية، إنها توسع نطاق انتشارها واستدعت أيضاً القادرين من رجالها المتقاعدين للمساعدة.
وقال أحمد صالح (52 سنة) وهو من سكان المدينة "أصبحنا نازحين ننتقل من مكان لآخر، لا نستطيع العودة لمنازلنا التي نهبت بالكامل وأصبحت مناطق عسكرية وانهارت الخدمة وانتشرت الفوضى في الخرطوم".
وأضاف "لا توجد جهة مهتمة بمساعدة المواطن السوداني، سواء كانت أطرافاً حكومية أو دولية، نحن بشر أين الإنسانية؟".
وتقول وكالات الإغاثة إنها، على رغم الهدنة، تجد صعوبة في الحصول على الموافقات الحكومية والضمانات الأمنية لنقل المساعدات والموظفين الموجودين في مناطق أكثر أماناً بالبلاد إلى الخرطوم وغيرها من المناطق الساخنة، وتعرضت المخازن للنهب.
وذكر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة على "تويتر"، السبت، أنه كان قد بدأ في تقديم مساعدات غذائية لمن هم في الخرطوم، لكنه أضاف "يلزم توفير السلامة والأمن وإمكانية الدخول (إلى المناطق) حتى نتمكن من زيادة دعمنا ليشمل 500 ألف شخص".
تقارير عن اغتصاب
امتد القتال أيضاً إلى مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور التي ظلت الأوضاع بها هادئة خلال الأسابيع الماضية نتيجة لهدنة أخرى جرى التوصل إليها محلياً.
وقال مراقب حقوق الإنسان المحلي محمد سليمان، إنه أمكن سماع نيران المدفعية الثقيلة بالقرب من السوق المركزية والمناطق الشرقية، مما أجبر عديداً من السكان على البحث عن ملاذ في أماكن أخرى بالمدينة. أضاف أن عدة أشخاص أصيبوا. ولم يتسن لـ"رويترز" التأكد من عددهم.
وخارج الخرطوم، كانت مدينة الجنينة، الواقعة على الحدود مع تشاد، الأكثر تضرراً إذ تعرضت لهجمات من ميليشيات تسببت في تدمير البنية التحتية وقتل المئات.
وقالت وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل، وهي جهة حكومية، في وقت متأخر من الجمعة، إنها تلقت تقارير عن 25 حالة اغتصاب لنساء وفتيات في دارفور و24 حالة في الخرطوم منذ اندلاع الصراع.
وأضافت أن الضحايا قالوا، إن 43 رجلاً من المعتدين كانوا يرتدون زي قوات الدعم السريع، وكانوا إما يستقلون مركبات تحمل لوحات قوات الدعم السريع أو في مناطق تسيطر عليها القوات شبه العسكرية.
وأردفت "تعرب الوحدة عن قلقها البالغ من ورود تقارير بوقوع حالات اعتداء جنسي جماعي وحالات اختطاف في أحياء طرفية في الخرطوم ومن تعرض النساء والفتيات لخطر الاعتداء الجنسي خلال رحلة بحثهن عن الغذاء والخدمات".
وتنفي قوات الدعم السريع تورط جنودها في الاعتداءات الجنسية أو عمليات النهب، ولم يتسن لـ"رويترز" التحقق بشكل مستقل من تقارير وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل.
الجيش يسعى لتعزيز صفوفه
اتهم قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان مبعوث الأمم المتحدة الخاص فولكر بيرتيس بالمساهمة بسلوكه "المنحاز" وأسلوبه "المضلل" في اندلاع النزاع الدامي في منتصف أبريل (نيسان)، في ما يبدو حلقة من سلسلة تحركات تهدف إلى تعزيز موقعه في الحرب الدائرة.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إنه "صدم" برسالة من البرهان طلب فيها "ترشيح بديل" لبيرتيس واتهمه بارتكاب "تزوير وتضليل" أثناء قيادته عملية سياسية تحولت إلى حرب مدمرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في 15 أبريل، اليوم الذي بدأ فيه القتال في الخرطوم، كان من المفترض أن يلتقي البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو لإجراء مفاوضات بتسهيل من الأمم المتحدة.
وكان الهدف التوصل إلى اتفاق ينهي الأزمة السياسية التي يشهدها السودان منذ 2021، عندما استولى البرهان ودقلو معاً على السلطة في انقلاب على شركاء الحكم المدنيين.
مع تفاقم الخلاف بينهما، ناشد المجتمع الدولي الجنرالين المتعنتين التوصل إلى اتفاق في شأن دمج قوات الدعم السريع في الجيش.
وكان فولكر بيرتيس عبر مراراً عن "تفاؤله" بالوصول إلى اتفاق. وقال إنه "فوجئ" بالحرب التي أسفرت منذ بدئها عن مقتل نحو 1800 شخص ونزوح أكثر من مليون سوداني.
تضليل وتدليس
لكن البرهان قال، بحسب نص الرسالة التي نشرت، الأحد، في الخرطوم، إن المبعوث الدولي الخاص مارس في تقاريره "تضليلاً وتدليساً بزعم الإجماع على الاتفاق الإطاري".
وأضاف أنه "أصر على فرضه (الاتفاق) بوسائل وأساليب غير أمينة على رغم مما اعترى هذا الاتفاق من ضعف وثغرات"، فأفضى ذلك إلى "ما حدث من تمرد ومواجهات عسكرية".
واعتبر أن دقلو ما كان أقدم على ما أقدم عليه "لولا تلقيه إشارات ضمان وتشجيع من أطراف أخرى" بينها المبعوث الدولي.
كما اتهم بيرتس بعدم احترام واجب "الحياد وعدم الانحياز واحترام سيادة الدول"، معتبراً أنه صار "طرفاً وليس مسهلاً أو وسيطاً".
رسالة صادمة
من جهته قال الأمين العام للأمم المتحدة، إنه "صدم بالرسالة"، مضيفاً أنه "فخور بالعمل الذي قام به فولكر بيرتيس ويؤكد ثقته الكاملة بممثله الخاص"، وفق ما جاء في بيان للمتحدث باسمه ستيفان دوجاريك.
كما أعربت الخارجية الأميركية عن "دعمها القوي" لبيرتيس، مشيرة إلى "قلقها" من رسالة البرهان التي دعا فيه إلى استقالة المسؤول الأممي.
ويشهد السودان اليوم السادس من وقف إطلاق نار لأسبوع جرى الاتفاق عليه بوساطة من الولايات المتحدة والسعودية، لكن طرفي النزاع تبادلا الاتهام مراراً بانتهاكه.
ودعت واشنطن والرياض الطرفين المتحاربين إلى مواصلة النقاش لتمديد وقف إطلاق النار من أجل تسهيل "إيصال المساعدات الإنسانية التي يحتاج إليها الشعب السوداني"، وفق وكالة الأنباء السعودية الرسمية.
أقال البرهان، الأسبوع الماضي، رسمياً دقلو من منصب نائب رئيس المجلس السيادي الحاكم، وعين مكانه مالك عقار الذي يتزعم الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال المتمردة سابقاً.
بعد ورود تقارير عن رسالة البرهان، قال نائبه الجديد عقار في بيان، السبت، إنه تحدث إلى بيرتيس حول "كيفية العمل على حل الأزمة وإنهاء الاقتتال".
ويسعى الجيش حالياً إلى تعزيز صفوفه، فقد دعت وزارة الدفاع، الجمعة، "المتقاعدين من الجيش" و"كل القادرين على حمل السلاح" للتوجه إلى وحدات القيادة "لتسليحهم تأميناً لأنفسهم وحرماتهم وجيرانهم".
لكنها تراجعت لاحقاً وأصدرت بياناً حصرت فيه الدعوة بجنود الاحتياط والمتقاعدين من الجيش.
قرار خطر
ووصفت قوات الدعم السريع الدعوة بأنها "قرار خطر" واتهمت الجيش بشن مزيد من الضربات الجوية في انتهاك للهدنة.
كان بيرتيس وبعثة الأمم المتحدة في السودان هدفاً لاحتجاجات آلاف من مؤيدي العسكريين والإسلاميين الذين اتهموا المبعوث مراراً بـ"التدخل" وطالبوا بإقالته.
واندلعت احتجاجات مماثلة في مدينة بورتسودان بشرق البلاد منذ بدء الحرب في 15 أبريل.
بيرتيس موجود حالياً في نيويورك حيث أطلع مجلس الأمن الدولي على الوضع في السودان في وقت سابق هذا الأسبوع، قائلاً لمن "يتهمون الأمم المتحدة"، إن المسؤولين عن النزاع هما "الجنرالان المتحاربان".
لم تصدر السلطات السودانية تأشيرات للأجانب منذ بدء الحرب، و"قد لا يسمح لبيرتيس بالعودة إلى السودان، وهو أمر كان يعرفه بالتأكيد عندما غادر"، وفق المحللة السودانية خلود خير من مركز "كونفلوانس أدفايزوري" الذي يتخذ مقراً في الخرطوم.
وأضافت المحللة عبر "تويتر"، "سيكون إصدار تأشيرته بمثابة اختبار حقيقي لقياس عودة الإسلاميين".
"حصان طروادة"
لطالما اتهمت الأصوات المؤيدة للديمقراطية عبدالفتاح البرهان بأنه "حصان طروادة" للإسلاميين الذين حكموا السودان خلال عهد الرئيس عمر البشير الذي أطيح من السلطة عام 2019 إثر احتجاجات حاشدة.
خلال ستة أسابيع من القتال، صار داعمو البرهان أكثر وضوحاً ومن بينهم "شبكة من الشركات القائمة على المحسوبية، من بنوك وشركات اتصالات مملوكة لإسلاميين وضباط استخبارات، فضلاً عن شركات مملوكة للجيش نفسه"، وفق الخبير في الشأن السوداني أليكس دي وال.
وسلط محمد حمدان دقلو الضوء على هذه المسألة، واصفاً البرهان بأنه "إسلامي" و"انقلابي" عازم على إحياء "بقايا النظام القديم"، على عكس قوات الدعم السريع التي قال إنها تقاتل من أجل دعم "الديمقراطية".
من جهته دعا المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي الذي يزور مصر، طرفي النزاع "للاستماع إلى القصص المأسوية للاجئين". أضاف "إذا كانا يفكران حقاً في الناس، فعليهما التوقف عن القتال على الفور".