ملخص
فاجأت تخفيضات الإنتاج الأخيرة من "أوبك+" في أبريل الماضي بأكثر من مليون برميل يومياً الأسواق، وألقت بالباعة على المكشوف نحو الهاوية
أدى التحذير شديد اللهجة من جانب وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان إلى بائعي النفط على المكشوف أو المضاربين الذين يراهنون على انخفاض أسعاره، هذا الأسبوع إلى زيادة التكهنات حول قيام تحالف "أوبك+" باتخاذ إجراءات إضافية في شأن سياسة الإنتاج وسط توقعات باحتمالية إعلان مزيد من التخفيض.
وأشار وزير الطاقة السعودي في تصريح له إلى أن التكتل النفطي على استعداد لدراسة مسألة اتخاذ مزيد من الإجراءات متحدياً المضاربين. وقال خلال "منتدى قطر الاقتصادي" بالدوحة إنه ينبغي على المراهنين على هبوط أسعار النفط "الحذر".
وأضاف الأمير عبدالعزيز بن سلمان "المضاربون، كما هو الحال في أي سوق، موجودون ليبقوا، أبلغهم باستمرار بأنهم سيتألمون، لقد تألموا في أبريل (نيسان)، لست مضطراً إلى كشف أوراقي، لكنني سأقول لهم فقط أن احذروا".
وجاء تحذير الأمير عبدالعزيز بن سلمان قبل أيام من اجتماع مقرر لتحالف "أوبك+" الذي يضم 23 دولة بقيادة السعودية وروسيا، في الرابع من يونيو (حزيران) بالحضور الشخصي في العاصمة النمسوية فيينا لاتخاذ قرارهم حول مسار العمل التالي في شأن سياسة النفط في المستقبل.
وفاجأت تخفيضات الإنتاج الأخيرة من "أوبك+" في أبريل الماضي بأكثر من مليون برميل يومياً الأسواق، وألقت بالباعة على المكشوف نحو الهاوية.
واستهدفت تلك الخطوة رسمياً دعم "استقرار سوق النفط"، بعد انخفاض أسعار الخام في مارس (آذار) صوب 70 دولاراً للبرميل، وهو أدنى مستوى في 15 شهراً.
وبينما دخلت تلك التخفيضات حيز التنفيذ أدى ذلك إلى تشتيت عمليات بيع النفط على المكشوف في البداية، ودفع الأسعار إلى الارتفاع، في مؤشر إلى أن ضربة "أوبك+" للمضاربين ربما تكون قد بدأت تؤتي ثمارها.
ولكن السوق النفطية تراجعت منذ ذلك الحين وسط مخاوف في شأن الاقتصاد العالمي، وتحول مديرو الأموال إلى الاتجاه السلبي مرة أخرى فيما سجلت مراكز الصناديق في عدد كبير من العقود الأكثر هبوطاً منذ أكثر من عقد.
ما "البيع على المكشوف"؟
يعني "البيع على المكشوف" (Short Selling) لسلعة أنك تراهن على سعر المواد الخام مثل النفط أو الذهب. وبمعنى آخر، حينما تتجه الأسعار نحو الهبوط يقرر البعض استخدام أسلوب المضاربة أو ما يعرف بالبيع على المكشوف، فيقترض الشخص عقود نفط آجلة من وسيط بسعر معين ويبيعها في بورصات النفط بسعر السوق.
وبعد تراجع أسعار النفط وقبل استحقاق العقود الآجلة يشتري الشخص العقود مجدداً بأسعار أقل ويعيدها إلى الوسيط مجدداً ليحقق ربحاً من فارق السعر.
ويمكن أن يقود النشاط الكبير لعمليات البيع على المكشوف إلى انخفاضات مفاجئة في الأسعار، مما يضعف ثقة المستثمرين، بحسب الموقع الرسمي لهيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية.
وبحسب وكالة "بلومبيرغ" فإن المضاربة هنا تكون حركة متشائمة إذ تتوقع الهبوط وانخفاض الأسهم، وهي استراتيجية خطرة في التداول وتتطلب مراقبة دقيقة للسوق.
وبحسب الوكالة فإن بيانات السوق الحالية تظهر أن المضاربين في النفط بدأوا في العودة لسياستهم المعتادة على رغم تلقيهم خسارة قوية الشهر الماضي، بعد أن أقر تحالف "أوبك+" تخفيضات مفاجئة في الإنتاج، وتتوقع المؤشرات التي يعتمد عليها هؤلاء المضاربون هبوطاً في الأسعار بعد قرار "أوبك+" الشهر المقبل.
هدف لـ"أوبك+"
ولطالما شكلت محاربة المضاربين الذين أخذوا مواقف تجارية قصيرة، والتي كانت سلبية على السوق، هدفاً لتحالف "أوبك+" من خلال الرغبة المستمرة في توجيه درس قوي من الدول الأعضاء في التكتل إلى المضاربين قصيري النظر، لا سيما أن للمضاربات في أسواق النفط تأثيراً في الأسعار لا يمكن تجاهله.
تخفيض جديد
ونقلت وكالة "بلومبيرغ" عن محللي بنك "ستاندرد تشارترد" أن التوقعات الحالية للمضاربين ربما تجعل أعضاء منظمة "أوبك" البارزين يتجهون نحو تخفيض جديد كوسيلة دفاعية ضد المضاربات الحادة في أسواق النفط.
وما زالت أسعار النفط في تذبذب بانخفاض بنسبة تتجاوز سبعة في المئة منذ بداية العام متأثرة بشكل كبير بالمخاوف من أن تدهور الأوضاع الاقتصادية سيعوق انتعاش الطلب، لا سيما مع تباطؤ نمو الاقتصاد في الصين وتقشف السياسة النقدية في الولايات المتحدة.
إشارة واضحة
من جهته قال المتخصص في الشؤون النفطية كامل الحرمي إن تحذير وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان للمضاربين يعتبر إشارة واضحة إلى أن تحالف "أوبك+" ربما يدرس اتخاذ إجراءات إضافية في شأن الإنتاج قبيل اجتماعه في الأسبوع المقبل، لافتاً إلى أن مراكز المضاربة على هبوط الخام أصبحت مفرطة بما يكفي لتحفيز استجابة "أوبك" وحلفائها.
وأضاف الحرمي أن هذه ليست المرة الأولى التي يطلق فيها الأمير عبدالعزيز تحذيراته لبائعي النفط على المكشوف، والتي أدت إلى إرباك توقعات السوق مرات عدة في السنوات الأخيرة وعلى رأسهم المضاربون، مثل الصدمة التي كشف عنها في تخفيض المعروض في كل من شهري أبريل وأكتوبر (تشرين الأول) الماضيين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف أن تحالف "أوبك+" كان يهدف من خلال بعض قراراته المفاجئة إلى معاقبة المضاربين وردعهم عن القيام بمراهنات غير مبررة على أسعار الخام، متوقعاً أن يتخذ التحالف مرة أخرى خطوة مفاجئة، إذ تتراوح التوقعات بين فرض قيود جديدة من 200 ألف برميل يومياً إلى نحو مليون برميل يومياً.
وقال المتخصص في الشؤون النفطية إن أسواق النفط وجدت دعماً من التحذير السعودي للبائعين على المكشوف، مضيفاً أن الرياض ستفعل على الأرجح كل ما يلزم للدفاع عن الأسعار.
تحذير في محله
من جانبه قال محلل أسواق النفط العالمية أحمد حسن كرم "إن الأسواق النفطية لا تختلف عن باقي أسواق السلع أو البورصات العالمية، إذ يلعب المضاربون فيها بشكل كبير ومؤثر في أدائها سواء على المديين القصير أو الطويل"، مضيفاً "تحذير وزير الطاقة السعودي جاء في محله، إذ تعد الأسواق النفطية غير مستقرة حالياً نتيجة عوامل اقتصادية عالمية عدة أو تأثيرات سياسية متغيرة بسرعة تجعل صعوبة في السيطرة على هذه الأسواق".
وأوضح كرم أنه إلى الآن لم يتم استيعاب تأثير قرار تخفيض إنتاج أعضاء "أوبك+" الأخير في أسعار النفط، إذ ما زالت تتراوح عند الأسعار السابقة. مضيفاً أن التحالف لم يكن هدفه الرئيس هو رفع الأسعار، وإنما الهدف الحقيقي هو منعها من الانخفاض عن المستويات وقت إعلان القرار عند مستويات بين 70 و72 دولاراً للبرميل، ومواجهة المضاربات المستمرة في أسواق الخام، إلى جانب ضمان استقرار السوق.
وتابع كرم "على أي حال لا نرى جاذبية حالياً للمضاربين بالدخول إلى أسواق النفط في ظل وجود الأسعار الحالية والمتغيرات الكثيرة مع وجود زيادة بإنتاج النفط الأميركي وارتفاع معدلات التضخم. فالمضاربون يمثلون شريحة من الأشخاص أو الشركات المالية أو حتى مديري الصناديق يشترون كميات من النفط على أن يتم بيعها في اليوم التالي أو بعد فترة قصيرة بسعر أعلى بعد إغراء دخول مشترين آخرين".
وتوقع أحمد حسن كرم ألا يتم اتخاذ قرارات أخرى بتخفيض إضافي لإنتاج النفط من قبل أعضاء "أوبك+" في اجتماعهم المقبل، وذلك لعدم استيعاب الأسواق التخفيض الأخير إلى الآن، والأرجح تثبيت معدلات الإنتاج إلا ما إذا حدثت تخفيضات طوعية من قبل الأعضاء.
تخفيضات محدودة
من جهته يرى المحلل النفطي الكويتي خالد بودي أن تحركات تحالف "أوبك+" تهدف في الأساس إلى الحفاظ على الاستقرار والتوازن في أسعار النفط، وليس من المتوقع أن يقرر التكتل النفطي تخفيضات جديدة أو قد تكون هناك تخفيضات محدودة لأن أسواق النفط مستقرة حالياً والأسعار ما زالت جيدة.
وأضاف بودي أنه بالنسبة إلى عمليات المضاربة فتحكمها توقعات المضاربين لأسعار الخام وهي تتم من خلال مؤسسات استثمارية غالباً وأفراد، وهي أسواق منظمة يتم اتخاذ القرارات فيها بناءً على نصائح الخبراء وتوقعات المستثمرين.