ملخص
على المدى الأبعد زمنياً يظل التساؤل الأهم "إلى متى ستظل هذه السطوة الدولارية حول العالم، وهل بقاؤها رهن للحضور السياسي والعسكري الذي يلازم الولايات المتحدة الأميركية؟"
وسط الأخبار المتسارعة عن أزمة سقف الدين الأميركي والتي انتهت باتفاق مبدئي بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، فوجئ كثر الأيام القليلة الماضية بصعود العملة الأميركية إلى أعلى مستوى لها منذ ستة أشهر في مقابل الين، وذلك في التعاملات الآسيوية، الأمر الذي يعكس التناقض الصارخ بين نهج التشديد الذي لا يزال يتبعه مجلس الاحتياطي الاتحادي "البنك المركزي الأميركي" وسياسات بنك اليابان فائقة التيسير.
تراجعت العملة الأوروبية "اليورو" 0.5 في المئة لتسجل هبوطاً بنحو اثنين في المئة بعد شهرين متتاليين من المكاسب.
تطرح السطور المتقدمة علامة استفهام "كيف يصعد الدولار على رغم الصراع الاقتصادي الضاري الجاري بين الديمقراطيين والجمهوريين حول رفع سقف الدين الأميركي في الداخل الأميركي؟".
تبدو قصة الدولار الأميركي مثيرة للتفكير، والبحث في الأسباب التي تقف وراء قوته هذه أمر واجب الوجود، بخاصة في أوقات التغيرات الجيوسياسية المهمة التي يعيشها العالم.
على المدى الأبعد زمنياً يظل التساؤل الأهم "إلى متى ستظل هذه السطوة الدولارية حول العالم، وهل بقاؤها رهن للحضور السياسي والعسكري الذي يلازم الولايات المتحدة الأميركية، مما يعني أنه حال نهاية هذا الحضور سينهار الدولار أو في الأقل تتراجع قوته إلى الحد الذي يضمحل فيه نفوذه؟".
الدولار القوي
استمد الدولار الأميركي تاريخياً قوته من ارتباطه بالذهب، كان ذلك قبل عام 1944، أي حين ظهرت اتفاقية "بريتون وودز"، ووقتها حددت معظم دول العالم سعر صرف عملتها الأصلية بحسب قيمة الذهب، ومن وقتها حصد الدولار تقديراً عالياً وغالي القيمة حول العالم، وبخاصة بعد أن وافقت الدول الأعضاء على تحديد سعر صرف عملتها من حيث الدولار.
غير أنه مع بداية السبعينيات من القرن العشرين، تحديداً عام 1971، بدأت غالبية دول العالم في طلب الذهب مقابل عملتها لمحاربة التضخم، مما أدى إلى استنزاف احتياطات الذهب الأميركية، ولهذا أقدم الرئيس نيكسون على إنهاء اتفاقية الدولار مقابل الذهب، ومنذ ذلك الحين بات يتم تحديد سعر صرف العملات المختلفة بواسطة قوى السوق.
والشاهد أنه على رغم مرور أكثر من خمسة عقود على قرار نيكسون فلا يزال الدولار الأميركي أقوى عملة في العالم.
ولعل السؤال الواجب طرحه أول الأمر "ما المفهوم المجرد لقوة العملة؟".
من دون الإغراق في جذور علم الاقتصاد يمكن الإشارة إلى أن البشرية عرفت أنظمة متعددة للتعاون والتبادل التجاري عبر العصور والأزمنة، كان في مقدمتها نظام المقايضة العيني، أي سلع مقابل سلع، ولاحقاً بدأت تظهر المعادن النفيسة من الذهب والفضة كمقياس وطريق للتعامل، وتالياً ظهرت العملات المسكوكة، وصولاً إلى المطبوعة.
قوة العملة تترجم من خلال قدرتها الشرائية عند تداولها في مقابل المنتجات أو العملات الأخرى المنافسة لها، إذ يتم قياس قوة العملة من الكمية ومجموع العملات الأجنبية المنافسة مقابل عملة واحدة من العملة المحلية.
لكن كيف تحدد قوة العملة المحلية؟
باختصار يتم ذلك من خلال تفاعل عدد كبير من العوامل المحلية والعالمية كالعرض والطلب في سوق الصرف الأجنبية، وأسعار الفائدة للبنك المركزي، والتضخم والنمو في الاقتصاد الوطني والتجارة التي تحدث في البلاد، لكن ما قوة الدولار الأميركي بناءً على هذه المعطيات؟
وفقاً لقائمة منظمة المعايير الدولية "ISO" يوجد نحو 185 عملة حول العالم، يبدو الدولار الأميركي أقواها، إذ إنه حتى الآن تجرى 80 في المئة من عمليات التجارة العالمية عبر الدولار، ويتم تقديم نحو 39 في المئة من قروض العالم به، كما يتم استخدام 65 في المئة من المعروض بالدولار خارج الولايات المتحدة، ولهذا السبب فإن معظم الدول تقبل الدفع بالدولار فقط، مما يؤدي إلى تعميق مشاركة الدولار في التجارة العالمية.
الدولار و"بريتون وودز"
هل من علاقة ما بين قوة الدولار ومتانة الاقتصاد الأميركي؟ قطعاً نعم، بخاصة أن الاقتصاد الأميركي لا يزال أكبر اقتصاد في العالم، وواشنطن هي من يقرض الجميع بالدولار، وهي كذلك من يتلقى السداد بالدولار، ولهذا السبب فإن الطلب على الدولار يبقى قائماً على الدوام.
ولأن السوق الأميركية أكبر سوق استهلاكية على مستوى العالم فإن حاجة الدول المستوردة من أميركا، لا سيما قطاع السلاح الذي تبرع في إنتاجه وتسويقه الشركات الأميركية، بجانب الحبوب التي تستخدمها كسلاح ناعم، تجعل الجميع في حاجة ماسة إلى مزيد من الدولار صباح مساء.
في واقع الحال تمتلك واشنطن التي رسخت جذور إمبراطوريتها المالية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية نفوذاً معززاً للدولار، عبر أكبر ثلاث ركائز للنظام المالي العالمي: البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبنك الاحتياطي الفيدرالي، والذي يعتبر بمثابة البنك المركزي لجميع بنوك العالم.
وبالنظر إلى وضعية صندوق النقد الدولي نجد أن الأعضاء الذين يبلغون نحو 189 دولة، يتعين على كل واحدة منها إيداع نسبة معينة من حصتها بالدولار الأميركي، مما يزيد في النهاية من الطلب على العملة الأميركية دولياً.
ولأن واشنطن هي من يسهم بأكبر نسبة في مقدرات البنك الدولي والصندوق الدولي، وهي كذلك من يتولى تنظيم عمل هاتين المؤسستين المحوريتين للاقتصاد العالمي، بل لا نغالي إن قلنا المتحكمتين في مقدرات العالم مالياً، وبالتبعية سياسياً، لذا تبدو عملتها كحجر زاوية في الاستقرار العالمي اقتصادياً ومالياً دفعة واحدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولعل الأرقام المتوفرة توضح إلى أي حد ومد يبدو الدولار الأخضر سيد العملات، ذلك أن نحو 60 في المئة من احتياطات البنك الفيدرالي الأميركي مقومة به.
الأمر نفسه ينسحب على الديون الأميركية، إذ إن 40 في المئة منها تقدر بالدولار، والأمر كذلك ينطبق على 90 في المئة من التداولات الأجنبية، و80 في المئة من التجارة العالمية، فماذا يعني ذلك؟
باختصار غير مخل، يفيد ذلك بأن الدولار هو الملاذ الأكثر أماناً من أي عملة أخرى، لا سيما في حال القلاقل والاضطرابات الاقتصادية، مما يجعل كثيراً من الدول والشركات تقترض بالدولار الأميركي، وتحقق إيراداتها بعملتها المحلية، وهذا الأمر يزيد من قوة الدولار وبخاصة من أخطار التخلف عن سداد هذه القروض.
قوة النظام الأميركي وسيادة القانون
في طريق البحث عن الأسباب التي تجعل من الدولار الأميركي عملة قوية لا تصد ولا ترد حتى الساعة، نجد أن الأمر لا يرتبط فقط بالأوضاع الاقتصادية، بل ربما تكون المسارات السياسية هي الأصل والجذر الذي تنبني عليه النجاحات الاقتصادية الأميركية.
عند المستشار الاستثماري المتخصص في أبحاث الاقتصاد الكلي والتقييمات وتخصيص الأصول وإدارة الأخطار، مايكل ليبويتز، تبدو جزئية سيادة القانون في الداخل الأميركي أهم مرتكز يستمد منه الدولار الأميركي قوته، ويجعله محبوباً ومرغوباً من جميع بلاد المسكونة.
يرى ليبويتز أن سيادة القانون تساعد على ضمان حصول مواطني الولايات المتحدة ومؤسساتها على حقوقهم الإنسانية، والحفاظ على ملكياتهم الخاصة، والأمر ينسحب كذلك حتى على الأجانب المقيمين على الأراضي الأميركية، إذ يحميهم النظام القانوني الأميركي، ويعاملهم على قدم المساواة مع المواطنين في كل ما يخص تعاملاتهم الاقتصادية والمالية.
وبشيء من التحديد فإن المحاكم الأميركية والقوانين الواضحة الشفافة هي التي تحكم في النزاعات المالية على الأراضي الأميركية، مما يجعل الدول الأجنبية تثق بنظام القانون والحوكمة في الداخل الأميركي بأكثر مما تثق بأي دولة أخرى حول الكرة الأرضية.
عطفاً على ذلك، توفر القوانين واللوائح الثقة في الأداء السليم للأسواق الأميركية التي تعتمد عليها بشدة لتلبية حاجات الاقتراض والاستثمار.
لكن هل مايكل ليبويتز وحده هو من يذهب في هذا الاتجاه؟ بالقطع هناك أصوات أخرى مشابهة ترى نفس رأيه، ومن بينها قطب صناديق التحوط مارك موبيوس، الذي صرح مارس (آذار) الماضي لشبكة "سي أن أن" الأميركية أن لديه حساباً لدى بنك "أتش أس بي سي" في شنغهاي في الصين، لكنه لا يستطيع إخراج أمواله، إذ تقيد الحكومة تدفق الأموال إلى خارج البلاد.
يضيف موبيوس "بالنسبة إلى أولئك الذين يعتقدون أن الصين وروسيا يمكنهما تجميع عملة احتياطية، اسأل نفسك سؤالاً، إذا كنت رئيس مجلس إدارة شركة كبرى أو مستثمراً كبيراً أو حتى زعيم دولة هل ستترك أموالك في أنظمة مصرفية تخص موسكو وبكين؟".
يحمل التساؤل على التفكير في الربط بين استقرار النظام السياسي الأميركي من جهة وقوة العملة الأميركية من جهة ثانية، وهو تساؤل له كثير من الوجاهة في واقع الحال.
غير أن الموضوعية تقتضي منا كذلك نقد هذا الطرح، إذ إن النظام الحكومي الأميركي والمراسيم الرئاسية تنحرف وتنجرف في بعض الأوقات عن الأصل، وتمضي في طريق الفروع، وذلك عندما تصادر أرصدة وممتلكات دول وأفراد بذرائع لا تتسق إلا مع الرؤى الفوقية الإمبريالية الأميركية.
القوة العسكرية داعم لقوة الدولار
هل لعبت وتلعب القوة العسكرية الأميركية دوراً أساسياً فاعلاً ومحركاً مستمراً ومستقراً في قوة الدولار الأميركي؟ ربما نجد الجواب عند أحد أهم العقول الأميركية المفكرة، إذ يرى رجل استخبارات الظل، مؤسس وصاحب شركة "سترا تفور" الاستراتيجية، جورج فريدمان، الذي يشرف على تطوير وحدة الاستخبارات في الشركة وتدريبها، أن جوهر القوة الأميركية اقتصادي، وإن بدا متضرراً في الوقت الراهن إلا أنه وراء هذه القوة الاقتصادية يقف بأس قوة عسكرية هائلة بل وضاربة من مشارق الشمس إلى مغاربها.
هل حديث فريدمان يتسق والسياقات التاريخية للقوى العظمى والإمبراطوريات؟ مؤكد أن القصة عادة ما تبدأ من عند تعاظم القوة الاقتصادية لأي كيان بشري جديد، كما حدث من قبل مع الإمبراطورية الرومانية، هذا الفائض المالي يجد طريقه إلى الخارج للاستثمار أول الأمر، ثم تحتاج تلك القوة الوليدة إلى قوة عسكرية بالتبعية توفر الحماية لوجودها الاقتصادي في الخارج.
هنا يبدو الدولار الأميركي مرتكزاً وبقوة إلى القوات المسلحة الأميركية بجميع فروعها، والتي تجوب أساطيلها البحار والمحيطات مرة كل 24 ساعة، قبل أن تصعد بقواها إلى الفضاء الخارجي لتراقب كل ما يجري فوق الأرض وتحت الأرض.
الغرض من الجيوش الأميركية، وبحسب فريدمان، هو منع أية دولة أزعجها النفوذ الاقتصادي الأميركي، أو أي تحالف لتلك الدول، من استخدام القوة لتعديل الظروف التي أضرتها، وكشأن فيالق روما يتم نشر القوات الأميركية على نحو استباقي في أنحاء العالم، فقط لأن أكثر طرق استخدام القوات العسكرية كفاءة هو تعطيل القوى الناشئة، قبل أن تصبح مهددة على نحو هامشي.
هنا فإن الذين يمتلكون الدولار ويثقون به يدركون تمام الإدراك كيف أن الولايات المتحدة الأميركية ترتب نظامها الاقتصادي ونظامها العسكري على نحو يجعله ضامناً لسيطرتها على النظام الاقتصادي العالمي، وفي الوقت ذاته توفر الولايات المتحدة التكنولوجيات وغيرها من السلع والخدمات والسوق الضخمة التي تبيعها فيها.
من جهة أخرى فإن القوات المسلحة الأميركية تبقي على الطرق البحرية مفتوحة، وإذا اقتضى الأمر تتحرك هذه القوات لحفظ النظام في المناطق الجامحة، ولكنها لا تفعل ذلك من أجل منفعة بلدان أخرى، بل من أجل نفسها، وفي النهاية تجعل قوة الاقتصاد الأميركي وتوزيع القوة العسكرية الأميركية التحالف مع الولايات المتحدة ضرورة اقتصادية بالنسبة إلى بلدان كبيرة وكثيرة، وهذه الضرورة يمكن القول إن الدولار يمثلها بأفضل صورة في حاضرات أيامنا.
العملة المفضلة للتجارب الدولية
هل يمكن أن نعزو قوة الدولار إلى ارتكانه إلى ملاذ أميركي هو الأكثر أماناً حول العالم؟ يبدو أن هذا التساؤل قد شاغب عقل المفكر الأميركي الاستراتيجي، ريتشار هاس، رجل مركز العلاقات الخارجية الأشهر في نيويورك.
في مؤلفه الأخير والمثير "The World A brief Introduction" أو "العالم بإيجاز"، نقرأ كيف أن الدولار الأميركي يظل هو العملة المفضلة لاختيار إجراء التجارب الدولية، وأقرب شيء إلى العملة الدولية.
من الناحية العملية يقطع هاس بأن هذا يعني أن سعر البضائع الصينية يتم تحديده بشكل عام بالدولار، وحتى إذا كانت شركة برازيلية تستورد تلك البضائع، فإنها تدفع عادة للشركة الصينية بالدولار. وبمجرد أن تتلقى الشركة الصينية الدولارات، فإنها تستبدل بها من أحد البنوك العملة المحلية، أو تبيعها لمستثمرين في القطاع الخاص، يرغبون في الاستثمار في الولايات المتحدة بسبب العائد الجذاب على الأصول الأميركية، أو الأمان المتوافر للاستثمار في هذا البلد.
نظراً إلى أن الدول التي تبيع سلعاً وخدمات على المستوى الدولي أكثر مما تشتري ينتهي بها الأمر إلى تراكم كميات كبيرة من الدولارات، كما هي الحال في اليابان والصين، وهي ليست مشكلة طالما أنها دولارات نزيهة أو نظيفة، فلا يتبقى أمامها سوى إعادة استثمارها في سندات الخزانة الأميركية مرة أخرى، وتكون عادة راضية عن تصرفها بسبب ثقتها في قوة الدولار الذي يحميه نظام اقتصادي ثابت ومستقر، في ضوء قوانين داخلية تحترم في جميع المحاكم الأميركية.
يؤكد هاس من جديد أن ثقة الناس في النظام الأميركي تنعكس على ثقتهم في قوة الدولار، وكذا مستقبله في العقود المقبلة، وبخاصة في ظل عدم تأخر وزارة الخزانة الأميركية عن سداد ديونها، ولا مرة واحدة في التاريخ، الأمر الذي يجعل البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم تسعى حثيثاً للاحتفاظ بالدولار الأميركي، لتضمن قدرتها على شراء الواردات، وتمكينها من سداد ديونها للأجانب، والعمل كوثيقة تأمين عند حدوث الأزمات المالية.
لا بديل ولا سقوط للدولار
يأخذنا البحث في مستقبل الدولار الأميركي عند منعطف التساؤل عن قوته وهل ستنهار في القريب العاجل، أو يحل محلها بديل آخر؟
نظرياً من حيث المبدأ يمكن الحديث عن عملات أخرى مثل الين واليوان واليورو والاسترليني، واستبدال أي منها بالدولار أو بسلة مجتمعة، وهذا ربما ما يسعى إليه الأعضاء في تجمع البريكس اليوم، عبر تطلعهم إلى عملة جديدة، أو عملة مشفرة crypto-currency أو مزيج من ذلك.
غير أن اللافت للنظر أنه حتى خلال الأزمة المالية العالمية 2008-2009 التي بدأت في الولايات المتحدة ارتفع الدولار وظل العملة المفضلة للمستثمرين، وليست هناك دولة أخرى ذات اقتصاد بحجم مماثل للاقتصاد الأميركي، وبعملة يمكن تداولها بحرية في أي مكان في العالم، تتمتع بمثل هذا القدر من الثقة.
هل يعني ذلك أن الين واليورو واليوان غير قادرة في الوقت الراهن على مواجهة أو مجابهة الدولار؟
في الواقع اليابان بلد صغير جداً، ومستقبل اليورو كعملة غير مؤكد تماماً، كما أن الصين ثاني أكبر اقتصاد حول العالم ليست مستعدة لتعويم عملتها، لأنها تفضل القدرة على التنبؤ بشكل أكبر عن طريق سعر الصرف المدار، وما زالت ترغب في التحكم في تدفق الأموال إلى داخلها وخارجها.
كما أن سلة العملات التي كثر الحديث عنها أمر يتطلب درجة عالية من التنسيق السياسي غير موجودة قبل المالي، على رغم أنها قد تظهر في حالة فقدان عدد كاف من الحكومات الثقة في الولايات المتحدة، إذ ليس هناك بنك مركزي عالمي مستقل، لذا فإن العملة الدولية ليست خياراً جاداً.
لكن كيف للمرء أن يواجه الأصوات التي بدأت في التخوف من الانخفاض الذي ضرب الدولار في السنوات السابقة لا سيما في وقت جائحة "كوفيد-19"؟
الجواب نجده لدى البروفيسور الشهير، الاقتصادي الأميركي اللامع، أستاذ علوم الاقتصاد في كلية "شتيرن" لإدارة الأعمال في نيويورك، نورييل روبيني، الذي يحيلنا على مقولة الكاتب الأميركي الساخر مارك توين، التي يشير فيها إلى أن "التقارير حول زوال الدولار المبكر مبالغ فيها إلى حد كبير".
هنا يؤكد روبيني أن هناك أسباباً بعينها أدت إلى ضعف الدولار لكنها عوامل دورية قصيرة الأمد، أما على المدى البعيد فإن الوضع أشد تعقيداً، إذ يتسم الدولار بمواضع قوة ونقاط ضعف قد تقوض أو لا تقوض موقعه العالمي بمرور الوقت.
هل من خلاصة؟
يمكن القول إن الدولار الأميركي وفي الوقت الراهن لا يزال في وضع الأمن وربما السيطرة، لكن ضمن دائرة التغيرات الدولية التي تتسم بها الحياة الاقتصادية والسياسية للمنظومات الإمبراطورية سيأتي عليه وقت ليتراجع، بخاصة مع مواجهته تحديات كبيرة في السنوات والعقود المقبلة، فمع نمو الاقتصادات الأخرى وانفتاحها أكثر قد تكون مستعدة وقادرة على القيام بدور العملة الاحتياطية.
أما الآن فإن العالم لا يزال بعيداً جداً عن تلك النقطة، وفي كل الأحوال قد لا يكون الدولار مثالياً، لكن كما يقول المثل الدارج "في أرض المكفوفين يصبح الرجل الأعور ملكاً"، وفي الوقت الحالي الدولار هو الرجل ذو العين الواحدة.