ملخص
بعد فوز أردوغان بولاية رئاسية ثالثة قلة من الأشخاص تعتقد أنه بالإمكان حصول تغييرات جذرية في السياسة الداخلية أو الخارجية لتركيا بحسب ما يرى مراسل "اندبندنت" الدولي بورزو درغاهي
فاز رجب طيب أردوغان بولاية رئاسية جديدة لخمس سنوات أخرى من شأنها أن تطيل حكمه الجانح بشكل متزايد نحو الاستبداد لمدة ربع قرن - عقب خوضه معركة شكلت أحد أكبر التحديات التي واجهها خلال هذه الفترة.
وحصل السيد أردوغان على 52 في المئة من الأصوات في مقابل 48 في المئة لمنافسه كمال كليتشدار أوغلو. وستخلف هذه النتيجة الصادرة في ذكرى مرور 100 عام على تأسيس الجمهورية التركية على يد مصطفى كمال أتاتورك، تداعيات ذات دلالات عميقة على البلاد، فيما صرح السيد أردوغان بأنها تفتح الباب أمام "قرن لتركيا".
نظراً إلى موقع تركيا الجغرافي الذي يجعل منها صلة وصل بين الغرب والشرق، سيؤثر تمديد حكم السيد أردوغان على عدد من القضايا الدولية، ومن بينها الحرب في أوكرانيا ومباحثات توسيع الناتو والتنافس بين الولايات المتحدة والصين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتشكل نتيجة التصويت دليلاً على أنه رغم الهزيمة الانتخابية التي مني بها خافيير بولسونارو في البرازيل ودونالد ترمب في الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة، ما يزال النهج السياسي الشعبوي القائم على شخص القائد الذي يعتبر السيد أردوغان أحد الأمثلة عليه، موجوداً ومستمراً. وكان من بين أول زعماء العالم الذين سارعوا إلى تهنئته حتى قبل إعلان حصيلة الانتخابات الرسمية ساسة آخرون يجسدون نهج الرجل القوي مثل فلاديمير بوتين في روسيا وفكتور أوربان في هنغاريا - كما السيد ترمب نفسه.
يتناقش الدبلوماسيون ومراقبو الشأن التركي منذ أسابيع في احتمال زيادة السيد أردوغان القمع الداخلي، أو تشدده في سياسة أنقرة الخارجية خلال ولايته الجديدة. ولا شك أن السيد أردوغان أظهر على مر السنوات مرونة في الشؤون الداخلية والدولية، مع أنه ليس هناك شك في قمعه للمعارضة داخل البلاد.
وخلال سنوات حكمه الأولى، صور نفسه على أنه مناصر لحقوق مجتمع الميم والأقليات، بما في ذلك الدفاع عن المجتمع الكردي المضيق عليه في تركيا، قبل أن يحول مساره ويتبنى قيماً قومية متشددة. كما قام بانعطافات حادة في السياسة الخارجية من حيث تعزيز أو إضعاف العلاقات مع السعودية وإسرائيل وروسيا وأرمينيا ومصر والإمارات كلما ناسب ذلك حاجاته السياسية. وأثار السيد أردوغان مثلاً انزعاج حلفائه في الغرب بسبب استمرار تقاربه مع السيد بوتين بعد غزو موسكو لأوكرانيا، لكن بلده لعب أيضاً دور الوساطة في صفقة حبوب أسهمت في استمرار تدفق بعض الصادرات الأوكرانية.
ماذا يمكننا أن نتوقع الآن إذاً؟ قلة من الأشخاص تعتقد أن بالإمكان حصول تغييرات جذرية في السياسة الداخلية أو الخارجية - ومن أهم الأسباب على ذلك أن السيد أردوغان قضى الجزء الأكبر من السنوات الماضية في تعزيز النفوذ بمنصب الرئاسة. وهذا على رغم إحراز السيد أردوغان فوزاً بفارق ضئيل يشكل مؤشراً على تراجع شعبيته وحالة الاستياء العامة من طريقة سير البلاد.
قد يقضي الرجل ذو الـ69 سنة السنوات الخمس المقبلة في محاولة تلميع إرثه عن طريق إنشاء مزيد من مشاريع البناء العامة الضخمة مثل الجسور المميزة والمساجد التي غيرت جغرافية البلاد. واشتهر بهذا الأمر. ومن المرجح أن يزيد قمعه لأعدائه في الداخل - سواء كانوا محتملين أم لا - ومهاجمته لخصومه في الخارج. وفي النهاية، فإن المستقبل بين يدي رجل واحد هو: أردوغان. فهو من غير شكل الديمقراطية البرلمانية في تركيا لتصبح نظاماً رئاسياً - من دون كثير من الضوابط والتوازنات.
يقول بول ليفين، الباحث في الشأن التركي في جامعة ستوكهولم "أحياناً يحقد ويأخذ الأمور على محمل شخصي. وسواء من الجانب العاطفي أو من ناحية نظرته إلى العالم، لا يضع أردوغان تركيا تلقائياً في جانب الغرب. لكنه أيضاً سياسي واقعي. في الوقت الذي لم تعد أمامه انتخابات يخوضها خلال السنوات الخمس المقبلة، وفيما يحكم قبضته على الإعلام، ما الذي يدعونا إلى توقع حصول تغيير كبير؟ أنا أتوقع استمرار الوضع المعهود".
قد يكون الاقتصاد التركي نقطة الضعف الكبرى لدى السيد أردوغان، إذ تفشى التضخم وانهارت قيمة العملة المحلية بسبب إصراره الشخصي المثير للجدل بالحفاظ على انخفاض معدلات الفائدة، بجانب بغض الإسلام للفائدة كان الهدف من وراء انخفاض معدلات الفائدة الحفاظ على ارتفاع النمو والحرص على استمرار تشييد تلك المشاريع الكبيرة. ويتساءل بعضهم إن كان سيسمح بالعودة لتبني سياسات اقتصادية أكثر تقليدية بعد الانتخابات. لكن ربما لا يمكن للسيد أردوغان أن يفعل كثيراً لكي يعيد ثقة المستثمرين التي جذبت رؤوس الأموال الأجنبية إلى تركيا خلال العقد الأول من هذا القرن.
وترى سيرين سيلفين قرقماز، المديرة التنفيذية لمعهد "اسطنبول" للأبحاث Istanbul Political Research Institute (IstanPol) "قد لا تجدي أية خطوة يقوم بها في موضوع معدلات الفائدة، مهما كانت. فالمشكلة في تركيا تمكن في تفكك مؤسساتها. في ظل وجود هذا النوع من النظام الرئاسي الذي يتسم بحكم رجل واحد ويفتقر إلى الضوابط والتوازنات، لا يمكنك تهيئة بيئة اقتصادية مستقرة".
واجه السيد أردوغان جولة إعادة للانتخابات للمرة الأولى في مسيرته المهنية. وخسر حزب العدالة والتنمية الذي يترأسه مقاعد في البرلمان مع أنه حافظ على أغلبية فيه، وفاز بهامش ضيق مع أنه يحكم قبضته على أهم وسائل الإعلام كما على أموال البلاد. وأقر الرئيس نفسه بضرورة تقييم أسباب هذا التراجع. عانى كثيراً، هو وحزبه، من أجل إقامة صلة مع الناخبين الشباب الذين لم يعرفوا أبداً تركيا لا يترأسها السيد أردوغان. لكن لا حاجة إلى التغيير الآن، مع أن هذه الانتخابات كشفت عن وجود انقسام عميق في تركيا.
وتقول نفسين منغو، المحللة السياسية المستقلة والمذيعة "لا يمكنه التغيير بعد كل هذه السنوات. أعتقد بأنه يسخر من خصومه… لن تكون السنوات الخمس المقبلة جيدة بالنسبة إلى النساء أو لمجتمع الميم… علينا أن نحاول النجاة خلال السنوات المقبلة. هذا كل ما في الأمر".
تشكل الانتخابات البلدية العام المقبل التحدي السياسي القادم له. هل تحدث محاولة لإخراج رئيس بلدية إسطنبول المحبوب أكرم إمام أوغلو من منصبه بعد إدانته بتهم إهانة مسؤولي هيئة الانتخابات في عام 2019 - وهو حكم اعتبر مناصروه أنه صدر لأسباب سياسية. لو حصل ذلك، قد يغضب الناخبون من استبداله بقائم بالأعمال مناصر لأردوغان لكن من شأن ذلك أيضاً أن يقصي منافساً سياسياً مستقبلياً قوياً محتملاً. لكن التمادي قد يغضب الغرب الذي أصبح يبدي إعجاباً بــإمام أوغلو. ويقول السيد ليفين "إن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يترقبان ويمارسان ضبط النفس. لكن الآن بعد انتصار أردوغان قد نرى موقفاً أكثر صرامة في عدد من القضايا [في تركيا]".
قد يتضمن ذلك مطالبات لتحسين سجل حقوق الإنسان والالتزام بسيادة القانون في البلاد. لكن قد يشمل أيضاً احتمال فرض عقوبات عليها لتعاملها التجاري مع روسيا. وربما يقرر الغرب فرض ضغط اقتصادي على السيد أردوغان لكي يوافق على دخول السويد إلى الناتو، وهو ما ترفض تركيا - التي تملك ثاني أكبر جيش في الحلف العسكري الموافقة عليه. ويضيف السيد ليفين "ما عاد الغرب بحاجة إلى أن يقلق أكثر من الظهور كأنه يدعم المعارضة".
أشار بعض الخبراء إلى نقاط ضعف تركيا الخاصة باعتبارها نقاط ضغط محتملة، إذ يقدر بأن احتياطي النقد الأجنبي في تركيا انخفض إلى المنطقة السلبية فيما أنفق السيد أردوغان بسخاء على الهبات الشعبوية - رفع الأجور والتدخل في العملة - قبل العملية الانتخابية. والآن، يجب سداد الفواتير. ومع أن روسيا والصين والسعودية وقطر والإمارات قد يستمرون بدعم الاقتصاد التركي من خلال وضع الودائع في البنك المركزي والدفع المؤجل، لكنهم قد يطلبون تنازلات مكلفة قد لا تحل أي من مشكلات البلاد الاقتصادية الكامنة.
وحدها أوروبا والمملكة المتحدة، أكبر شريكين تجاريين لتركيا وأكثر الأسواق التي تدر عليها الأرباح لقاء السلع والخدمات، أظهرتا استعداداً عبر السنين للاستثمار في قطاعات التصنيع والمالية والنسيج والتكنولوجيا التي تحتاج إليها تركيا من أجل خلق فرص العمل.
ومع انتهاء الانتخابات، قد ينفد صبر واشنطن ولندن وبروكسيل من السيد أردوغان وحركاته العشوائية. مع أن النتيجة تظهر بأن الرئيس التركي يمكنه أن يثق بالدعم الشعبي لأسلوبه الخاص في الدبلوماسية الذي بناه حول شخصيته القوية.
وتقول السيدة قرقماز "أعتقد بأن أردوغان تعلم كيف يستخدم السياسة الخارجية لخدمة مآربه الداخلية. وستستمر السياسة الخارجية القائمة على طابعه الشخصي".
ويحتمل أن يفاقم مزيج الضعف المالي والقمع السياسي والعزلة عن الغرب هجرة الأدمغة من تركيا، مع سعي عشرات الآلاف من ألمع شباب البلاد إلى السفر خارجاً.
تقول معاهد اللغات الأجنبية في تركيا إنها مليئة بالشباب الأتراك الطموحين من المحترفين التواقين لتعلم اللغة الفرنسية أو الألمانية والسفر إلى أوروبا. كما تفيض المراكز الدبلوماسية الغربية بطلبات تأشيرات الدخول التي يقدمها أتراك يأملون أن يكملوا دراستهم أو يعملوا في أي مكان عدا تركيا.
في مراكز الاقتراع أمس الأحد، عبر معارضو السيد أردوغان عن نظرتهم القاتمة إلى المستقبل. وقال غوكان دجانبي، العاطل عن العمل الذي يبلغ من العمر 35 سنة بعد إدلائه بصوته لصالح كليتشدار أوغلو في وسط إسطنبول "تبعاً لمسار الأمور الحالي، ستكون هذه آخر انتخابات حرة. لا عدالة ولا حرية ولا سيادة للقانون. والتفاوت في الدخل كبير جداً. لا يمكننا أن نفعل شيئاً. سننتظر خمس سنوات".
© The Independent