ملخص
بعد أن كان مدعوماً بيد عاملة رخيصة ونظام مصرفي فعال، يعاني الاقتصاد التركي اليوم مشكلة تسببت بها السلطة التنفيذية نفسها ولا يواجهها سوى عدد قليل من الدول الأخرى
يواجه الاقتصاد التركي وضعاً حرجاً برأي محللين، فالسياسة الحالية التي يعتمدها الرئيس رجب طيب أردوغان تنطوي على خطر وشيك، في حين أن أي حل سيتطلب إجراءات أليمة.
قطع أردوغان الذي أعيد انتخابه الأحد لولاية من خمس سنوات، وعوداً بمليارات الدولارات خلال الحملة الانتخابية، وضخ عشرات المليارات الأخرى لتعويم الليرة التركية قبل الاقتراع.
في مذكرة بحثية حديثة، قالت شركة "كابيتال إيكونوميكس" إن "ساعة الحقيقة قد تكون تقترب للاقتصاد التركي".
بعد أن كان مدعوماً بيد عاملة رخيصة ونظام مصرفي فعال، يعاني الاقتصاد التركي اليوم مشكلة تسببت بها السلطة التنفيذية نفسها ولا يواجهها سوى عدد قليل من الدول الأخرى.
خاض أردوغان حرباً ضد نسب الفوائد المرتفعة التي يروج لها بحسب قوله "لوبي أجنبي"، كما أن الرئيس التركي لجأ في السابق إلى تعاليم الإسلام التي تحرم الربا، في إطار فرض سياسته التي تخالف بالفعل نظريات الاقتصاد وجاءت عكس توجهات البنوك المركزية على مستوى العالم التي واصلت دورة التشديد النقدي ورفع أسعار الفائدة منذ الربع الأول من العام الماضي وحتى الآن، ضمن الحرب على التضخم المرتفع.
لكن في تركيا وبتعليمات أردوغان، واصل البنك المركزي التركي خفض أسعار الفائدة، لتهوي من 19 في المئة خلال سبتمبر (أيلول) 2021، إلى أقل من 10 في المئة خلال الوقت الحالي، ولذلك سجل التضخم مستويات قياسية في ظل الانهيار المستمر لليرة التركية مقابل الدولار الأميركي.
نقص السيولة
لكن أردوغان وفي إطار خوض معركته مع الفائدة المرتفعة، قام بتغيير حكام البنك المركزي، والنتائج كانت كارثية، إذ هبطت الليرة التركية وتجاوز التضخم السنوي الرسمي نسبة 85 في المئة خلال موسم الخريف الماضي، فيما تقدر مجموعة اقتصاديين أتراك مستقلين هذه النسبة بأكثر من الضعفين.
في تعاملاتها الأخيرة، واصلت الليرة تراجعها مقابل الدولار الأميركي، وخلال الفترة من 2018 وحتى 2023، فقدت الليرة التركية أكثر من 77 في المئة من قيمتها مقابل الدولار، إذ سجلت العملة الأميركية الخضراء ارتفاعاً بنسبة 350.8 في المئة، بمتوسط مكاسب سنوية يبلغ نحو 70.2 في المئة، وذلك بعد أن زاد سعر صرف الدولار من مستوى 4.48 ليرة، إلى نحو 20.2 ليرة في الوقت الحالي.
وفق وكالة الصحافة الفرنسية، يقول محلل شركة "كونوتوكسيا"، بارتوش ساويكي، "انتهت المعجزة الاقتصادية التركية التي كانت قائمة في سنوات الألفين خلال العقد الأول من حكم أردوغان، فقد غادر المستثمرون الأجانب خوفاً من عدم الاستقرار ومن وضع اليد على مؤسسات كان يديرها في السابق تكنوقراط حياديون".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف "نقدر أن حيازة السندات التركية من قبل حاملي السندات الأجانب انخفض بنحو 85 في المئة مقارنة مع 2013 السنة التي خسرت فيها الليرة نحو 90 في المئة أمام الدولار". وتابع "المشكلة الأكثر إلحاحاً بالنسبة لتركيا هي أن مصرفها المركزي تنقصه السيولة".
ووفق البيانات المتاحة، أنفق البنك المركزي نحو 30 مليار دولار لدعم الليرة منذ أول ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ما دفع احتياطه من النقد الأجنبي إلى المنطقة السلبية للمرة الأولى منذ عام 2002. ويرى المحلل لدى شركة "بلوباي" تيموثي آش، أن "الوضع الحالي غير قابل للاستمرار".
سيناريوهات للخروج من الأزمة
للخروج من الأزمات القائمة، قدم الخبراء حلين، رفع أسعار الفائدة أو ترك الليرة تهبط، إذ ألغت إجراءات الدعم النقدي ميزة أسعار الفائدة المنخفضة في اقتصاد يهيمن عليه قطاع التصنيع. وبحسب المحللين لدى شركة "أليانز"، فإن "سعر الصرف الفعلي لليرة ارتفع بنحو 35 في المئة منذ دخول النهج غير التقليدي للسياسة النقدية حيز التنفيذ بالكامل في ديسمبر 2021".
ويرى المحللون، أن "العودة إلى نظام سعر الصرف العائم ستكون ضرورية لاستعادة القدرة التنافسية للصادرات التركية"، كما يتوقع عديد من المحللين انخفاض الليرة في الأشهر المقبلة، في هبوط سيؤثر بشكل إضافي على القدرة الشرائية لدى الأتراك ويمكن أن يرغم الحكومة على البحث عن مليارات الدولارات لاتخاذ إجراءات دعم للأسر، إضافة إلى عديد من الوعود الانتخابية.
ويمكن أن يساعد ارتفاع حاد بأسعار الفائدة في كسر هذه الحلقة المفرغة لكن الرئيس أردوغان استبعد ذلك خلال الحملة، فيما يخشى محلل شركة الاستشارات "غلوبال سورس بارتنرز"، أتيلا يسيلادا، أن يقوم البنك المركزي التركي بطبع أوراق نقدية لتمويل الزيادات في رواتب موظفي الخدمة المدنية والمعاشات التقاعدية التي وعد بها أردوغان.
في موازاة ذلك يجب أن تمول تركيا إعادة إعمار المحافظات المتضررة من زلزال 6 فبراير (شباط) الذي أوقع 50 ألف قتيل، والذي تقدر أضراره بأكثر من 100 مليار دولار.
وقال يسيلادا "كيف ستمول الحكومة جهود إعادة الإعمار من دون طباعة الأوراق النقدية والاتجاه إلى تضخم مفرط، هذا سؤال لا يود أحد الإجابة عليه".
ويرى المحللون أن الحكومة التركية لن يكون أمامها من خيار آخر سوى رفع أسعار الفائدة. يقول محلل مجموعة "أوراسيا الفكرية" إمري بيكر، إن تركيا ستحاول أولاً احتواء الطلب على الدولارات عبر "إجراءات احترازية شمولية وضوابط على رؤوس الأموال".
قد يضطر أردوغان في نهاية المطاف إلى التخلي عن حملته ضد رفع نسب الفوائد، لكن أتيلا يسيلادا يحذر من أن "رفع أسعار الفائدة سيخفض رؤوس أموال البنوك التي لن تكون قادرة على الإقراض لفترة طويلة".
غاز طبيعي مجاني بداية من مايو
في ما يتعلق بمعدلات التضخم، فمن المتوقع أن يأخذ معهد الإحصاء التركي في الاعتبار قرار الحكومة توفير الغاز الطبيعي مجاناً للمنازل في مايو (أيار) الحالي، عند احتساب التضخم. وأوضح المعهد أن هذا الإجراء سيكون له "تأثير كبير" في خفض معدل التضخم الشهر الحالي.
وفي أبريل (نيسان) الماضي، وقبل الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي أجريت هذا الشهر، وعد الرئيس رجب طيب أردوغان بتوفير الغاز بالمجان في مايو، وفاز بفترة رئاسية جديدة بعد جولة إعادة أجريت يوم الأحد الماضي. وقال إن الحكومة ستقدم 25 متراً مكعباً من الغاز الطبيعي للأسر مجاناً لمدة عام واحد اعتباراً من الشهر الحالي.
وكشف معهد الإحصاء، أن طريقة "السعر الصفري" ستطبق على الغاز الطبيعي في حسابات تضخم أسعار المستهلكين في مايو، كما سينعكس الغاز المجاني على الحسابات على مدى العام المقبل. ومع ذلك، ذكر المعهد أنه سيكون هناك تأثير تصاعدي قوي مع نهاية العام بالتوازي مع زيادة استهلاك الغاز الطبيعي، في وقت يبلغ وزن الغاز الطبيعي في حسابات التضخم 2.9 في المئة.
من المقرر الإعلان عن بيانات التضخم لشهر مايو الحالي في الخامس من يونيو (حزيران) المقبل.
في تعليقه على بيانات معهد الإحصاء، قال الأكاديمي في جامعة "بيلكنت"، وكبير الاقتصاديين السابق بالبنك المركزي التركي، حقان كارا، إن معهد الإحصاء التركي قد يعلن عن تضخم صفري أو سلبي بمقدار طفيف لشهر مايو بعد خصم 2.4 نقطة من معدل التضخم الشهري بفضل الغاز الطبيعي المجاني.