أثارت حفلة افتتاح بطولة غرب آسيا في مدينة كربلاء العراقية، عاصفة جدل اشتبك فيها ساسة ورجال دين مع نشطاء علمانيين، بعد ظهور فتيات يؤدين حركات تعبيرية، وأخرى عزفت النشيد الوطني للبلاد.
وفيما شن رجال دين وزعماء سياسيون هجوماً كبيراً على منظمي الحفلة، سخر مدونون من ازدواجية الأحزاب الإسلامية، التي تغض النظر عن ملفات الفساد الفضائحية، وتنشغل بالتعليق على قضايا شكلية.
الوقف الشيعي يستنكر
وقال ديوان الوقف الشيعي، وهو أعلى سلطة إدارية دينية لتنظيم شؤون المذهب الشيعي في العراق، "تلقينا ببالغ الأسف نبأ الانتهاك الصارخ لقدسية كربلاء بما تضمنه احتفال افتتاح دورة رياضية في ملعب المدينة".
وأضاف "نستنكر بشدة هذا الفعل الشنيع الذي تجاوز الحدود الشرعية وتعدى الضوابط الأخلاقية".
ودعا الوقف الشيعي العراقي، "الجهات الدينية وعموم المؤمنين في كربلاء إلى الوقوف بشجاعة أمام هذه الهجمة اللاأخلاقية على مقدسات الإسلام وأحكامه بالتعاون مع الحكومة المحلية التي أبدت تحفظها على تلك التجاوزات"، مشيراً إلى أن "مجرد التحفظ لم يكن كافياً لمنع وقوع هذه الأفعال المشينة كما أنه لا يخلي مسؤولية الجميع مما حصل على تلك الأرض المقدسة".
حكومة كربلاء تتحفظ
وكانت حكومة كربلاء المحلية، أعلنت أمس (1-8-2019)، تحفظها على فقرات حفلة افتتاح بطولة غرب آسيا المقامة على ملعب المحافظة.
وقال محافظ كربلاء نصيف الخطابي "وصلتنا انتقادات على بعض الفقرات التي حصلت في حفلة افتتاح بطولة غرب آسيا"، مؤكداً أن حكومته لم يكن لها "أي دور في إعداد برنامج هذه البطولة".
وأضاف "كان دورنا يقتصر على تهيئة الطرق وتشجيرها وتهيئة الساحات وتقديم وسائل الدعم".
وأكد أن برنامج الافتتاح، "أعد من قبل وزارة الشباب والرياضة والاتحاد العراقي لكرة القدم، ولم يكن لنا أي علم أو تدخل بفقرات هذا البرنامج".
وعلى الرغم من أن جميع أصابع الإدانة وجهت إلى وزير الشباب، بصفته المسؤول عن تنظيم حفلة تخللها الغناء والموسيقى في مدينة توصف بأنها مقدسة، إلا أنه شخصياً ينحدر من بيئة دينية شديدة الالتزام، بل اتهم بالانخراط في صفوف تنظيم داعش بعد عام 2014.
المالكي غاضب
لم يتأخر زعيم ائتلاف دولة القانون، المعروف بمواقفه المتشددة ضد الفعاليات العلمانية للمجتمع العراقي، في الدخول على خط الجدل، مستهجناً ما اعتبره "هتكاً لقدسية مدينة الإمام الحسين".
وقال المالكي، الذي فاز مجدداً قبل أيام، بمنصب الأمين العام لحزب الدعوة الإسلامية، "نستنكر وندين بشدة ما حصل(...) في ملعب محافظة كربلاء خلال افتتاح بطولة غرب آسيا، والتي رافقتها حفلة موسيقية راقصة تعدّ تجاوزاً على حرمة المدينة"، مطالباً الحكومة "بفتح تحقيق عاجل لمحاسبة المقصرين ومن يقف خلف هذا التجاوز الفاضح على حرمة المدينة المقدسة، سواء كانت الحكومة المحلية أو وزارة الشباب والرياضة أو الاتحاد العراقي لكرة القدم، لضمان عدم تكرار هذه الأفعال مجدداً".
على رغم حملة النقد المنظمة والواسعة، التي شاركت فيها جهات وشخصيات مؤثرة، لفقرات حفلة الافتتاح، إلا أن أصوات العلمانيين العراقيين كانت حاضرة للرد، الذي حفلت معظم تفاصيله بالسخرية.
ويقول الناشط المدني العراقي مهند نعيم، موجهاً خطابه إلى من يعنيهم الأمر، إن "الاحتفالية تمت في ملعب رياضي، تصفق فيه الناس وتهتف وترقص وتفرح وتعزف، لتشجيع فرقها الرياضية"، ولم تجر قرب المواقع المقدسة في كربلاء.
وأضاف نعيم، وهو مراقب انتخابات دولي، يتزعم شبكة من المراقبين في العراق، وينحدر من مدينة كربلاء، مخاطباً أحزاب الإسلام السياسي، أن مدينته "كانت مقدسة قبل مقدمكم وتوليكم للسلطة، وهتككم قدسيتها في إغراقها بالمخدرات والموبقات والخرافات (...) والنفايات والسرقات والقتل، وهتك الأعراض بالنفاق المنظم"، معتبراً أن "قدسية كربلاء في الروح، وليست في الرقعة الجغرافية".
"كربلاء ليست قندهار"
وعلى حسابه في فيسبوك، كتب المدون علي رحيم أن "كربلاء ليست قندهار"، في إشارة إلى النموذج المتطرف الذي يحكم المدينة الأفغانية، فيما نشر صورة لإحدى الفتيات التي كانت تعزف النشيد الوطني خلال حفلة الافتتاح، مع تكرار العبارة الخاصة بقندهار.
وذكر رحيم، أن "فتاة جميلة تعزف على الكمان بكربلاء، هزت قدسية المحافظة... لكن فتاة تقف للاستجداء في التقاطعات المرورية، تحت حر الصيف، لن تهز القدسية".
وكتب رجل الدين ضياء التميمي، غاضباً، عبر فيسبوك، "بحجة بطولة كرة قدم، تتقاذفها الأقدام ينتهكون حرمة مدينة الحسين الذي رفع اسم هذا البلد بدمه وجعل له هيبة بنحره".
ووضع التميمي تعليقه هذا، أعلى صورة لفتيات يؤدين حركات تعبيرية، خلال حفله الافتتاح. لكنه موه وجوههن، عبر "فوتوشوب".
ورداً على ذلك، كتب رجل الدين، والناشط في مجال التقريب بين الأديان، غيث التميمي، "متى تفهمون حركة التاريخ، متى تغادرون هذه اللغة التحريضية الهمجية باسم الله، إلى متى تصورون الله مهزوماً مرعوباً وأنكم أنتم حراسه وحماته".
وكتب رجل الدين العراقي مرتضى المدرسي، على حسابه في تويتر، "أشعر بالخجل من الإمام الحسين عليه السلام لما حدث في ملعب كربلاء الدولي"، مشيراً إلى أن "مجلس المحافظة مطالب بمحاسبة القائمين على الحفل وفقاً لقانون قدسية كربلاء"، فردت عليه المدونة زينب العلي، قائلة، "لماذا لم تخجلوا من الحسين عندما سُرق العراق باسمه، وعندما أصبح العراق البلد الأول عالمياً بالفساد والانحطاط؟".
وتابعت، مخاطبة رجال الدين، "أنتم دمرتم كل القيم الإنسانية في العراق، وحولتم العراق إلى بلد أحزاب ومافيات".
ومضت تقول، "بصراحة أرى أن الإمام الحسين هو الذي يخجل منكم".
ويقول الصحافي العراقي أحمد زميم، متسائلاً، إن "المواطن الكربلائي عندما يسافر إلى دولة ما لغرض إجراء عملية جراحية بسبب عدم توافر مستشفى جيد في محافظته... أليست بإساءة؟ وطلبة مدارس كربلاء عندما يجلسون كل 3 في رحلة واحدة... أليست بإساءة؟".
مدون للمالكي: لماذا لا تهاجر؟
لكن أكثر الردود سخرية، جاءت من المدون نزار مهاوي، الذي كتب مخاطباً المالكي "لماذا لا تهاجر إلى إيران".
وتابع مهاوي متحدثا للمالكي، "اقترح عليك أن تطلب لجوءاً، مثلاً في إيران، وترتاح، فأنت رجل كبير في السن، وصحتك لا تتحمل صدمات قدسية أو انتخابية!".
عري أم حرية تعبير؟
يرى جمعة العطواني، وهو محلل مناصر للنفوذ الإيراني في العراق، أن "العلمانيين في العراق يتجاهلون القضايا التي تمس كرامة الإنسان"، مستهجناً وجود "امرأة عارية" ضمن فعاليات افتتاح بطولة غرب آسيا في ملعب كربلاء.
لكن الناشط في مجال حقوق الإنسان والحريات مصطفى سعدون، تحدى العطواني بأن يظهر صورة لامرأة عارية، مشيراً إلى أن ما حدث في ملعب كربلاء "يندرج في إطار حرية التعبير، المكفول دستورياً".