ملخص
خصصت مجلة "بانيبال" الصادرة باللغة الإسبانية عددها العاشر (10 صيف 2023) للأدب السعودي المعاصر والحديث، ساعية إلى تقديم صورة بانورامية عن مدارس هذا الأدب، في الرواية والقصة القصيرة والشعر.
خصصت مجلة "بانيبال" الصادرة باللغة الإسبانية عددها العاشر (10 صيف 2023) للأدب السعودي المعاصر والحديث، ساعية إلى تقديم صورة بانورامية عن مدارس هذا الأدب، في الرواية والقصة القصيرة والشعر، ناشرة مختارات من المنجز الأدبي، مع مداخل نقدية أساسية تتناول الرواية والقصة القصيرة والشعر، كتبها نقاد أكاديميون معروفون هم سعد البازعي وعلي الزعلة وعبدالعزيز السبيل. ويشكل العدد مرجعاً مهماً للقراء والنقاد في اللغة الإسبانية، للاطلاع على الأدب السعودي وقراءة نماذج مهمة من عالمه الإبداعي.
ونشرت المجلة فصولاً من تسع روايات ترجمتها إلى الإسبانية، هي فصلان من رواية يوسف المحيميد "الحمام لا يطير في بريدة"، وفصلان من رواية بدرية البشر "غراميات شارع الأعشى"، ومقاطع من رواية أميمة الخميس "مسرى الغرانيق في مدن العقيق"، مع مقالة من الناقدة جوسلين ميشيل ألمايدا، وفصل من رواية فاطمة عبدالحميد "الأفق الأعلى" التي كانت ضمن القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) لهذا العام، وفصل من رواية فهد العتيق "كائن مؤجل"، ومقاطع من رواية رجاء عالم "طوق الحمام" مع مقالة للناقدة سميرة قعوار، ومقاطع من رواية محمد حسن علوان "موت صغير" مع مقالة للناقدة جوسلين ميشيل ألمايدا، وفصل من رواية يحيى أمقاسم "ساق الغراب"، ومقاطع من كتاب ليلى الجهني "في معنى أن أكبر". ونشرت المجلة بورتريهاً للكاتب عبده خال، مع إشارة إلى أنها تعمل على ملف خاص عن تجربة هذا الكاتب.
في القصة القصيرة نشرت المجلة القصص الآتية: "حديقة الحي" للكاتب أحمد الجميد و"التحول لرجل الذاكرة الطويلة" للكاتبة أمينة عبدالوهاب الحسن و"مغارة المهراس" للكاتبة شذى القرشي و"سدادة أذن" للكاتبة سمية السيد و"وثبة من على الشرفة" للكاتبة ولاء الحربي و"نساء" للكاتبة ليلى الأحيدب، وقصتان للكاتب منصور العتيق.
في الشعر، نشرت المجلة قصائد للشعراء غسان الخنيزي وأشجان هندي وفوزية أبوخالد وإبراهيم الحسين وعلي الدميني وهيلدا إسماعيل وإبراهيم زولي ومحمد الدميني وعبدالله ثابت ومسفر الغامدي.
وشاءت المجلة أن ترفق المختارات بدراسات نقدية تلقي أضواء على مسيرة الأدب السعودي، في الرواية والقصة القصيرة والشعر. وقد كتب الناقد سعد البازعي مقدمة عن الأدب السعودي عموماً ثم خص الشعر بمقاربة خاصة.
سعد البازعي والشعر
يرى البازعي أن "الأدب السعودي هو أولاً وقبل كل شيء جزء من الأدب العربي. ومثله مثل المجالات الأخرى في الثقافة العربية عموماً، فهو يشترك معها في اللغة والتاريخ والعناصر الجغرافية والاجتماعية المكونة للعالم العربي. مع ذلك، وكما في أماكن أخرى، فإن الأدب السعودي يملك من الخصائص المميزة ما يبرر تسميته بـ"السعودي".
ويرى أن الشعر السعودي اختبر نحو منتصف القرن العشرين، موجات من التغيير جلبت معها عناصر شكلانية وموضوعاتية لم يشهدها من قبل، فقد بدأ الشعراء الشباب في ذلك الحين بالاحتكاك بشعراء من العالم العربي، من مصر ولبنان والعراق بصورة أساسية. وقد قاد ذلك الاحتكاك إلى حدوث صراع مباشر ضد التقاليد العميقة التجذر والتي لم تستطع قبول ما اعتبرته تهديداً للثقافة العربية ذاتها. (...).
وقد شجعت تلك التغييرات المبكرة في آخر المطاف الأجيال الأصغر إلى مزيد من الجرأة في التجديد، لكن ما ينبغي تأكيده هو أن تلك التغييرات لم تعدم محاولات تجارب محلية سابقة وإن كانت منعزلة إلا أنها كانت محفزة على التغييرات اللاحقة. كان محمد حسن عواد في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين، مع شعراء آخرين مثل حمزة شحاتة وحسين سرحان، رواداً مبكرين في استحداث جوانب رومانتيكية وحداثية حتى في الوقت الذي كانت تهيمن فيه الشعرية التقليدية.
ويقول: "مع ذلك، فإننا لا نستطيع الحديث عن تغييرات جذرية سوى في وقت لاحق. فقدت شهدت السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين تكرس ما دعي بـ"الشعر الحر". ونشر شعراء طليعيون مثل محمد العلي وغازي القصيبي قصائد تعكس فنيات وتجارب جديدة ومختلفة. ففي حين استثمر القصيبي بمهارة عالية المسار الرومانتيكي باستخدام الشكل التقليدي للقصيدة. فإنه يمكن اعتبار محمد العلي أباً للشكل الشعري الجديد المكتوب بأسلوب الشعر الحر (التفعيلة)، في قصائد تعكس صراع الفرد المبدع لتكوين هوية خاصة به وسط بيئة معادية".
ويرى أن من الممكن ملاحظة المناخ الرومانتيكي في شعر الجيل الأحدث، مثل فوزية أبوخالد وسعد الحميدين وعلي الدميني وأحمد الصالح وحسن السبع. ولم يكن هذا الجيل أقل تجاوباً مع الواقع المتغير سواء داخل البلاد أو خارجها، فقد شهدت السبعينيات ما دعي بـ"سنوات الطفرة" الاقتصادية التي نتجت عن ارتفاع أسعار النفط. ومن خلال حسهم الفني كان أولئك الشعراء الذين عاشوا تلك الحقبة أكثر انتباهاً للثمن الإنساني لذلك التغيير. وفي سلسلة من الأعمال الشعرية لشعراء مثل محمد الثبيتي وعبدالله الصيخان ومحمد جبر الحربي وخديجة العمري وثريا العريض، كانت التغييرات التي شملت المملكة والعالم العربي قد انعكست في صور شعرية مستمدة من التقاليد البدوية ومجاز الصحراء".
علي الزعلة والرواية
أما الناقد علي الزعلة فكتب تاريخاً مختصراً لنشوء الرواية السعودية وتطورها والمراحل التي اجتازتها. ويرى أن رواية "التوأمان" لعبدالقدوس الأنصاري ظهرت في عام 1930 وهي تعد أول رواية سعودية. وجسد صدور هذه الرواية بداية المرحلة الأولى التي تمتد بين 1930 و1957. أما العمل الروائي الثاني فتأخر مدة ثمانية عشر عاماً، أي إلى عام 1948 حين نشر أحمد السباعي رواية "فكرة" ومحمد علي مغربي رواية "البعث"، وكانت هاتان الروايتان هما الأقرب إلى جنس الرواية من الناحية الفنية. وصدرت في هذه المرحلة سبعة أعمال غاب عنها كثير من عناصر البناء الروائي، وغلبت عليها النزعة التعليمية الإصلاحية.
المرحلة الثانية (1958 – 1979) بدأت مع صدور رواية "ثمن التضحية" عام 1959 للكاتب حامد دمنهوري التي دخلت الرواية في السعودية عبرها مرحلة فنية جديدة. ثم توالت الأعمال، فأصدر محمد سعيد دفتردار رواية "الأفندي" عام 1961، وتبعه إبراهيم الناصر الحميدان بإصدار أولى رواياته "ثقب في رداء الليل"، ثم محمد مليباري في "وغربت الشمس" وأصدر إبراهيم الناصر "سفينة الموتى".
وفي رأي الناقد علي الزعلة أن هذه المرحلة شهدت شيئاً من التنوع في الإنتاج الروائي، فظهرت أول رواية تاريخية وهي "أمير الحب" لمحمد زارع عقيل عام 1965، وشهدت حضور أول قلم نسائي في الرواية السعودية مع سميرة بنت الجزيرة التي أصدرت في هذه الفترة ست روايات أولاها "ودعت آمالي" عام 1961. وتتابعت الأقلام المؤنثة فأصدرت هند باغفار روايتها "البراءة المفقودة" وهدى الرشيد "غداً سيكون الخميس".
ويرى الناقد أن الإنتاج الروائي حقق خلال هذه المرحلة التي استغرقت اثنين وعشرين عاماً ضعف ما أنجز في المرحلة السابقة على رغم قصر المدة، وقد أسهم في هذه الحركة النشطة تزايد وعي الطبقة المثقفة بأهمية الرواية في هذا العصر، وازدهار طفيف في حركة النشر والطباعة المحلية.
أما المرحلة الثالثة فتمتد بين 1980 و1992، وفي الاثني عشر عاماً هذه صدرت أعمال روائية تزيد على ضعف ما أنتج في خمسين سنة خلت، ومع هذه الغزارة غير المعهودة يمكن القول إن الأعمال الناضجة في بنائها الروائي ظلت قليلة أيضاً.
وهذه الموجة الروائية المتزايدة لها ما يبررها من الوضع السياسي المستقر والطفرة الاقتصادية والعمرانية التي مرت على المواطن السعودي، إضافة إلى الانفتاح الثقافي على المنتج العربي والعالمي بدرجة أقل. وأبرز روايات هذه المرحلة هي: أعمال عبدالعزيز مشري "الوسمية - غيوم الخريف" وفؤاد مفتي "لحظة ضعف - لا لم يعد حلماً" وعصام خوقير "السنيورة - سيأتي الحب" وعبدالعزيز الصقعبي "رائحة الفحم" ورجاء عالم "4 صفر" وغيرها.
ويعد ازدهار الحركة الروائية أبرز سمات هذه المرحلة، وازدياد كمية الأعمال الفنية المتميزة، وظهور أسماء روائية جديدة انضمت إلى الأسماء التي واصلت إنتاجها في مراحل سابقة، ومنهم عبدالعزيز مشري وأمل شطا وحمزة بوقري وعبدالعزيز الصقعبي.
ويرى الناقد علي الزعلة أن كثراً من المتابعين للرواية السعودية من النقاد يعدون عقد التسعينيات هو التاريخ الحقيقي للرواية السعودية. فقد استجدت في التسعينيات عوامل نابتة من الداخل الاجتماعي أو قادمة من خارج المجتمع السعودي، مما أفرز مناخاً مواتياً لإنتاج رواية حديثة فنياً ومضموناً، ومناخاً مهيأ لبروز رواية قادرة على الإيغال في أعماق الذات والخلوص إلى داخل حجب الخوف من التقاليد والقيود الحقيقية أو المتوهمة.
تعتبر رواية "شقة الحرية" (1994) لغازي القصيبي عملاً روائياً مفصلياً في مسيرة الرواية السعودية. وتتابعت روايات القصيبي في ما بعد حتى وصلت إلى ثماني روايات "العصقورية - دنسكو - سلمى..."، ثم زاد من هامش الحرية ومساحة الجرأة الكاتب تركي الحمد بثلاثية "أطياف الأزقة المهجورة" التي ابتدأها برواية "العدامة" 1997 وتلتها "الشميسي" ثم "الكراديب" 1998.
عالجت روايات غازي القصيبي وتركي الحمد وعلي الدميني "الغيمة الرصاصية" المخبوء السياسي من خلال تفاعل بعض النخب السعودية المثقفة مع تيارات البعث والناصرية التي سيطرت على أفق المرحلة. وجاءت روايات عبده خال "الموت يمر من هنا - مدن تأكل العشب" وكذلك رواية "الفردوس اليباب" للكاتبة ليلى الجهني لتكشف جوانب كثيرة من المستور الاجتماعي. ويرصد الناقد ظواهر "رواية الألفية الجديدة" التي كان الخطاب الروائي خلالها خير ممثل لمراحل الثقافة. وقد مثلت روايات التسعينيات الحضور التأسيسي للسؤال الفكري والثقافي عبر المتن الروائي، وكانت تلك الروايات أشبه بالتمهيد لسيل من الروايات التي جاءت بعدها، واتجهت إلى مقاربة موضوعات الاختلاف الثقافي، وبخاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) في عام 2001. من الروايات الصادرة حينذاك "اختلاس" لهاني نقشبندي و"أبو شلاخ البرمائي" لغازي القصيبي و"شرق الوادي" لتركي الحمد و"الطين" لعبده خال، ثم صدرت روايات أخرى "الرياض نوفمبر 90" لسعد الدوسري و"الآخرون" لصبا الحرز و"الإرهابي 20" لعبدالله ثابت و"الحمام لا يطير في بريدة" ليوسف المحيميد.
أما في شأن الرواية النسائية فيرى أنّ إلى عام 2000 لم يتجاوز عدد الروائيات السعوديات 20 كاتبة، وخلال العقد الأول من الألفية الجديدة ظهرت 30 روائية جديدة، وازداد هذا الإقبال إلى أن صار عدد الروائيات يقارب عدد الروائيين الذكور، وبخاصة بعد الانتشار الهائل الذي لقيته رواية "بنات الرياض" لرجاء الصانع. ومن الروايات النسائية "هند والعسكر" لبدرية البشر و"الفردوس اليباب" لليلى الجهني و"أنثى العنكبوت" لقماشة العليان و"سقر" لعائشة الحشر، إضافة إلى روايات أخرى تتكئ على التاريخ، وتقدم المكان المحلي وثقافته وتقاليده عبر النص الروائي، لكاتبات مثل رجاء عالم "طوق الحمام" وبدرية البشر "غراميات شارع الأعشى" وأميمة الخميس "مسرى الغرانيق" وأمل الفاران "غواصو الأحقاف" وغيرها.
استنطقت الرواية السعودية صوت الفئات المتنوعة في البنية الاجتماعية والنسيج الثقافي السعودي، وأتاحت لها الحضور والإفصاح عن رؤاها واختلافها، مجسدة مفهوم التعددية الذي يتأسس على الاعتراف بالاختلافات وتعدد الهويات الثقافية والاجتماعية. والروايات التي سردت ذلك كثيرة جداً، من بينها "وحشة النهار" لخالد اليوسف و"حلة العبيد" لطارق الحيدر و"الطقاقة بخيتة" لمحمد المزيني و"ارتياب" لبدر السماري.
إضافة إلى محاورة الآخر الحضاري المتمثل في الغرب وأفكاره وسياساته وعلاقاته مع الذات السعودية والعربية المسلمة، وجاءت تلك التمثيلات مجسدة لصور التفاعل بين الذات والآخر، وآلياته وأنماطه المبنية على التبادل والتعايش أحياناً، وعلى الرفض أو الصراع أحياناً، داخل النص الروائي. ويمكننا تلمس ذلك عبر روايات مثل "القندس" لمحمد حسن علوان و"البدوي الصغير" لمقبول العلوي و"حالة كذب" لعبدالعزيز الصقعبي و"رقص" لمعجب الزهراني.
عبد العزيز السبيل والقصة القصيرة
أما القصة القصيرة في السعودية فتناولها الناقد عبدالعزيز السبيل. ويرى أن القصة القصيرة في السعودية ظهرت في الأربعينيات نتيجة استجابة لحاجة المجتمع الإصلاحية، من دون ارتباط بالمستوى الفني. غير أنها في مرحلة الستينيات وصلت إلى مرحلة من النضج، بسبب التواصل الذي حدث بين كتاب القصة في السعودية والكتاب العرب، أصحاب التجربة الأسبق. إلى جانب متابعة الترجمات الناضجة التي كانت تنشرها الصحف المحلية لكثير من الكتاب العالميين.
ويقول "في النصف الثاني من السبعينيات نجد أن القصة القصيرة تسير في أحد مساراتها بامتداد المرحلة السابقة، وهي القصة التقليدية في بنائها، معتمدة على السرد بشكل أساس من دون توجه نحو التقنيات الأخرى، ومركزة في موضوعاتها على القضايا الاجتماعية، بطريقة تصوير الواقع بالدرجة الأولى من دون رؤية فنية ذات أبعاد متعددة. أما المسار الثاني فهو يمثل ذلك الاتجاه الذي ارتبط بشكل مباشر بالتحولات التي حدثت للقصة القصيرة مع بداية السبعينيات في بعض الأقطار العربية ذات التجربة الأسبق. وأصبحت القصة لا تهتم بتصوير الواقع الاجتماعي، وإنما أصبحت تركز على اللحظات الشعورية والمواقف النفسية، ثم إنها تحولت من اللغة المباشرة إلى لغة الرمز والتكثيف اللغوي. ومن أبرز كتاب هذه التوجه جار الله الحميد وحسين علي حسين ومحمد علوان وحسن النعمي وعبدالله باخشوين وآخرون. وإذا كنا في الثمانينيات نتحدث عن عشرات الكتاب والكاتبات فإنه مع بداية القرن الحادي والعشرين أصبحنا نجد المئات من كتاب وكاتبات القصة القصيرة، يتراوح إنتاجهم بين مجموعة واحدة وعشر مجموعات".