ملخص
مع إطلاق "أبل" خلال أيام، نظاراتها التي تعمل بتقنية "الواقع المختلط"، يعدد أندرو غريفن 7 مشكلات رئيسة ستواجهها والسبل التي يأمل المطورون من خلالها في تخطيها
تفصلنا أيام قليلة عن إطلاق "أبل" المنتج الذي قد يقرر مستقبلها ومستقبلنا معاً.
لسنوات طويلة سرت إشاعات طاولت نظارات "الواقع المختلط" mixed reality [خلق واقع جديد عن طريق دمج الواقع الافتراضي والمعزز] من شركة "أبل" ويجري العمل على تطويرها منذ ما يقارب العقد من الزمن. حالياً، تسري إشاعات مفادها أن الشركة ستطرحها خلال مؤتمرها السنوي العالمي للمطورين Worldwide Developers Conference (WWDC23) يوم الاثنين المقبل (5 يونيو/حزيران) خلال عرض أمام الجمهور الحي.
بيد أن النظارة هذه ستدخل إلى سوق منكوب بسلسلة من المسائل التقنية والمتعلقة على حد سواء. وسيتوجب حتى على أكبر شركة في العالم أن تعمل جاهدةً لإقناع الجمهور بأن هذا الابتكار مختلف عن الجهاز غير الجذاب وعديم الجدوى الذي طرح أمامهم باسم المستقبل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فيما يلي 7 مشكلات رئيسة ستواجهها نظارات "أبل" إبان طرحها للعالم فضلاً عن السبل التي يأمل المطورون من خلالها في التوصل إلى تخطيها.
دوار الحركة ومشكلات العيون
بالنسبة للكثير من الأشخاص، تعتبر سماعة الرأس بتقنية الواقع الافتراضي مقززة حرفياً: فلم يتمكن البعض منهم بمن فيهم كاتب هذا المقال من ارتداء الجهاز لفترة طويلة خشية الشعور بالغثيان. تشكل هذه بداية مجموعة من المشكلات البصرية ومشكلات في إمكانية سهولة الاستخدام التي ابتليت بها النظارات الموجودة.
وتعتبر مشكلات دوار الحركة فشلاً تكنولوجياً فعلياً: فالنظارات غير قادرة على مجاراة سرعة حركة رأسكم مما يعني أن هنالك انفصالاً بين ما تشعرون به وما ترونه. لعله جرى حل تلك المشكلة في نظارات "أبل" خصوصاً إن كانت الادعاءات المتعلقة بشاشاتها وعروضها الواقعية وقوتها الهائلة صحيحة.
أما مشكلات المسائل البصرية الأخرى فهي عملية بشكل أكبر. فليس هنالك على سبيل المثال طريقة سهلة لارتداء النظارات الطبية لدى استخدام نظارات الواقع الافتراضي أو المعزز مما يعني أن الأشخاص الذين يحتاجون إليها قد يعانون في استخدامها.
ركزت "أبل" بشكل كبير وعلني على إمكانية الوصول وسهولة الاستخدام عبر تاريخها وسيكون مفاجئاً إذا تخلت عن هذا الالتزام في النظارات الجديدة. ولكن ما زال من غير الواضح كم يبلغ عدد المشكلات التي لا مفر منها أو سواء وجدوا طريقة تقنية لحل تلك المسألة.
غير هذه المشكلات البسيطة نوعاً ما، تبرز مسألة أوسع مرتبطة بالواقعية: فحتى الساعة، تمكن مطورو النظارات من جعل عروضهم مشرقة أو نقية أو سريعة الاستجابة كالحياة الواقعية، ولكنهم لم يتوصلوا إلى جمع كل تلك الصفات معاً في آن واحد وغالباً ما كان ذلك مستحيلاً. لا شك أن المستخدمين سيكونون متسامحين مع بعض الإخفاقات في تشابه الحقيقة مع الخيال verisimilitude وسيغضون النظر عنها أقله في النسخة الأولى من المنتج ولكن الفجوات الكبيرة بين العالمين الواقعي والحقيقي قد تؤدي سريعاً بالمستهلكين إلى الاستسلام.
السعر
تشير كافة الإشاعات بأن النظارات الجديدة من "أبل" ستكون باهظة الثمن بشكل كبير إذ سيبلغ سعرها كما يقال 3000 دولار وهي أغلى من غالبية أنواع النظارات التقليدية الأخرى ومن المحتمل ألا يتمكن الكثيرون من شرائها حتى أكثر المعجبين الملتزمين بماركة "أبل". وفي هذا السياق، أظهرت التحاليل المبكرة أنه لا بد أن يكون الأمر كذلك نظراً إلى أن المكونات المتطورة التي زعم أنها تدخل في صنعها والضرورية لتزويد تجربة استثنائية هي مكلفة للغاية ويصعب على "أبل" الحصول عليها.
بالطبع، غالبية المنتجات التي تقدمها "أبل" تكون أعلى ثمناً من التي يطرحها منافسوها. ولكنها ليست في العادة باهظة لهذه الدرجة، فجميع منتجات "أبل" الأخرى لديها نسبياً نسخاً أبخس ثمناً حتى وإن كان بمقدوركم إنفاق أكثر من 3000 دولار للحصول على حاسوب "ماك" على سبيل المثال.
على غرار ذلك، لطالما كانت أسعار "أبل" مبررة بسبب جودة منتجاتها. وبالتالي، سيكون الاختبار الفعلي مرتبطاً بالسؤال إذا ما كانت بشكل إجمالي أفضل بكثير من البدائل الأرخص ثمناً مثل نظارات "ميتا كويست 3" Meta Quest 3 التي طرحت قبيل أيام من يوم الطرح الذي أعلنته "أبل" وبسعر متواضع يبلغ 499 دولاراً.
قد يصبح كل ذلك من دون أهمية عندما تعلن "أبل" تفاصيل النظارات الجديدة. فعندما كشفت "أبل" عن جهاز "آيباد" عام 2010، انتشرت إشاعات مفادها أن كلفته ستبلغ 999 دولاراً وهو أمر أشار إليه ستيف جوبز بنفسه خلال العرض الرئيس وسخر من "الجهابذة" الذين تكهنوا بشأن السعر. وقال حينذاك أنه "متحمس" للإعلان بأن سعر "آيباد" سيبلغ 499 دولاراً ودعم طرحه بفيديو يظهر السعر الفعلي وهو يحطم السعر الذي كان محل تكهن.
مع كل السخرية التي أدلى بها جوبز، كانت الإشاعات مفيدة طبعاً، فمبلغ 499 دولاراً هو مبلغ كبير من المال ولكنه ما زال أقل بكثير من 999 دولاراً. ربما قامت "أبل" بالأمر نفسه هذه المرة من خلال الإتاحة للإشاعات المرتبطة بسعر 3000 دولار بالانتشار لكي يكون بمقدورها في وقت لاحق دحضها وجعل النظارات تبدو أرخص سعراً نسبياً.
ولكن قد تقوم "أبل" أيضاً بطرح السعر الباهظ بشكل فعلي ومتأقلم مع منتوجها. إذ أفادت بعض التقارير بأن الشركة ترى في النظارات طرحاً أولياً سيباع حتماً بكميات أقل من المنتجات الأخرى للشركة وربما يكون التركيز بشكل أقل على بيع عدد كبير من النظارات مقابل تهيئتها لتكون منتوجاً جاهزاً بشكل أكبر لعدد أوسع من المستهلكين. ويقال إنها ستستهدف أولاً المطورين وبعض الاثرياء، وفي كلتا الحالتين لن يسبب السعر مشكلة أساسية.
عامل الغرابة
قد تكون النظارات مرادفاً للكثير من الأمور، ولكنها ليست مرادفاً للجمال أو الجاذبية. تبدو غالبية الأمثلة حتى الآن لافتة للنظر من الخارج ولكنها لم تصل بعد إلى ذروة الثقافة العامة أو الشعبية. إذا أرادت "أبل" أن تكون النظارات منتجاً شائعاً شعبياً، سيتحتم عليها أن تسلط الضوء أقله على بعض من تلك السمعة.
سبق لـ"أبل" أن قامت بذلك مع ساعة "أبل" Apple Watch التي تعرضت للسخرية قبل طرحها ولكنها أصبحت تدريجاً أكثر قبولاً إن لم يكن أكثر رواجاً من حيث الأناقة. وفعلت ذلك بطريقتين أساسيتين: من خلال التشديد على الطبيعة "الفردانية" للساعة عبر مجموعة من الأكسسوارات فضلاً عن جذب المشاهير والمؤثرين في مجال الموضة منذ البداية. (غالبية ذلك المجهود في التصميم والترويج تم بقيادة جوني إيف الذي غادر الشركة منذ ذلك الحين).
من المحتمل أن تعتمد "أبل" المقاربة نفسها مع النظارات الجديدة. لا تتوقعوا أن تبدو كالكمبيوتر على الوجه أو على الأقل شبيهة به بشكل كبير. ربما ستستعير النظارات كثيراً من تلك الأجهزة القابلة للارتداء التي تقوم "أبل" بصنعها والتي ركزت بشكل أساسي على المواد الناعمة الفاخرة التي تهدف إلى أن تجعلها تبدو كذلك النوع من الأجهزة التي سيسعد الأشخاص العاديون بوجودها في حياتهم.
ولكن بخلاف الساعة، قد لا يتحتم على "أبل" العمل بجهد كبير لجعل الأشخاص يودون العيش مع تلك المنتجات. عندما طرحت نظارات "آيربودز ماكس" AirPods Max، هاجمها بعض النقاد التكنولوجيون بسبب حجمها الكبير وتصميمها غير الجاذب. ولكنها انتشرت بشدة في أوساط الشبان وتمنح دفعاً معتاداً على "تيك توك". قد تختار "أبل" المقاربة "غرابة طبيعة" النظارات بالطريقة نفسها.
مخاوف مرتبطة بوقت المشاهدة
تأتي نظارات "أبل" في وقت غير اعتيادي لأجهزة الحوسبة الشخصية حيث أن عدداً كبيراً من الأشخاص لا يحبها أو بالعكس يحبها كثيراً. يسود وعي متزايد أن قضاء الكثير من الوقت على الأجهزة قد يكون أمراً سيئاً بالنسبة لنا وتنتشر حملة حتى في وادي سيليكون لقضاء مزيد من الوقت خارج هواتفنا وبعيداً منها.
واجهت الشركة الأمر في أجهزتها الأخرى، مع مزايا تتضمن [تحديد] "وقت المشاهدة" الذي يتيح للأشخاص الحد من الوقت الذي يستغرقونه في التصفح يومياً. وبات هذا الأمر سهلاً بفعل أنه خلافاً للمنافس في تكنولوجية الواقع الافتراضي "ميتا" Meta، لا تحتاج "أبل" فعلاً أن يبقى الأشخاص منخرطين مع أجهزتهم على الدوام ولوقت طويل طالما أنهم يقومون بشرائها في بادئ الأمر.
ولكن هذا السياق قد يصعّب على الأشخاص ليس فقط قضاء الكثير من الوقت في العوالم الافتراضية بل حتى تعليق الجهاز الذي يريهم هذه العوالم مباشرةً على وجههم وأمام أعينهم. في وقت يتزايد الاهتمام بالعالم الحقيقي، قد لا يكون عالم رقمي جديد جاذباً أم مغرياً بالنسبة للأشخاص.
على مر سنوات من تطوير هذه المزايا على أجهزة "أيفون" و"أيباد"، فضلت "أبل" الواقع المعزز على الواقع الافتراضي، ولكن تمثل اهتمامها في وضع الأشياء الافتراضية في العالم الواقعي وليس وضع الأشخاص الحقيقيين في العوالم الافتراضية. قد تختار الشركة استخدام هذا الجانب كخاصية مميزة مع إدخال مزايا في "تطبيق الخرائط" Maps من شأنها أن تساعدكم على استكشاف العالم الفعلي بدلاً من إخراجكم منه على سبيل المثال.
خاصية الألعاب
لا شك أن "أبل" ستود أن تلقى نظاراتها استخداماً واسعاً في الإطارين المهني والاجتماعي. وفي هذا السياق، انتشرت إشاعات بأن "أبل" تعمل على تطوير نسخ الواقع المعزز لتطبيقاتها الموجودة كـ "فايس تايم" Face Time و"ميسيجز" Messages.
ولكن في الوقت الراهن، تستخدم هكذا نظارات بشكل رئيس للألعاب. ليست صدفة بأن تكون أكثر نظارات الواقع الافتراضي شهرةً مصنوعة من قبل شركة "سوني" Sony لجهاز "بلاي ستايشن" وحتى "ميتا" - التي هي شركة منصة تواصل اجتماعي - تعتمد بشكل كبير على الألعاب في عملياتها التسويقية.
تملك "أبل" تاريخاً منقوصاً في هذا النوع من الألعاب الجدية. فيما يشكل "أيفون" ومتجر "أبل" الخاص به App Store سوقاً هائلة للألعاب العادية وألعاب الأطفال، فقد فشلت منصات الشاشات الأكبر على غرار "ماك" Mac في جذب الألعاب الأكبر. وصدر عدد قليل من الألعاب لجهاز "ماك" مقارنةً بالحواسيب الأخرى أو أجهزة التحكم وتشكل العديد من تلك الإصدارات نسخاً فرعية من الألعاب الصادرة على منصات أخرى.
يبدو أن "أبل" تعالج هذا الأمر في نظاراتها. فقد قام صناع اللعبة الشهيرة "نو مانز سكاي" No Man’s Sky بنشر عدد من التغريدات المشفرة التي تفترض أن اللعبة ستنضم إلى المنصة عند إطلاقها فيما أفيد عن رؤية رائد تصميم الألعاب المخضرم هيديو كوجيما بالقرب من حرم شركة "أبل".
ولكن "أبل" سعت إلى معالجة الانتقادات التي طاولت الألعاب البارزة خصوصاً أن هذه الألعاب شكلت جزءاً أساسياً من عروضها السابقة. يكمن السؤال الحقيقي في إذا ما كانت تلك الألعاب الكبيرة ستشجع المطورين على جلب ألعابهم الشهيرة إلى منصة "أبل" للواقع الافتراضي أو إذا ما كانت تلك المنصة ستعاني من مصير مشابه كالذي حل بـ"ماك" و"أيباد".
الضجة التي ترافق الذكاء الاصطناعي
إحدى أبرز التحديات التي تواجهها النظارات الجديدة هي أنها ليست مزودة بالذكاء الاصطناعي. يعتبر الذكاء الاصطناعي الاختراع التكنولوجي الأبرز في الوقت الحالي والذي تقدم على الابتكارات الأخرى وهو أكثر ما يتحدث الناس عنه في الوقت الراهن.
لا شك أن "أبل" تملك قوة هائلة في تغيير هذا التوجه، ولا يتعلق الأمر في إذا ما كان العالم سيتجاهل إصداراً جديداً عن أكبر شركة في العالم لأن الناس مهتمة أكثر بالأخبار المتعلقة بالذكاء الاصطناعي. ولكن هذا يعني بأن الشركة ستعاني في تحقيق المبيعات من دون الاستعانة بالضجة التي تحيط بعالم الذكاء الاصطناعي ورواجه.
والأمر في الحقيقة أكثر صعوبة لأن "أبل" بقيت حتى اليوم خارج النقاش الدائر حول مستقبل الذكاء الاصطناعي حتى وإن قامت كل شركة كبيرة أخرى في مجال التكنولوجيا بوضع كل ثقلها ومالها في هذا الإطار. قد يكون الأمر بسبب امتلاك "أبل" مجموعة من التحديثات الجديدة التي تخطط لإطلاقها في "المؤتمر العالمي للمطورين" وستعلن أمراً ما على الأرجح حتى وإن كان ذلك متعلقاً بإعادة تصميم أو تغيير بعض المزايا الموجودة كالذكاء الاصطناعي ولكن قد يكون السبب أيضاً أنها متأخرة أو بعيدة من تلك التكنولوجيا إما اختيارياً أو بالخطأ.
لا شك أن الدعاية هي أمر مفيد لأي منتج حتى وإن كان ذلك صادراً عن أكثر الشركات الرائدة. سيتعمد الكثير على إذا ما كان بوسع "أبل" الإجابة على الأسئلة المتعلقة بالذكاء الاصطناعي أو تحويل مسار القصة إلى مكان آخر.
الدعاية المضادة لعالم ميتافيرس
لا تتوقعوا أن تتلفظ "أبل" بكلمة "ميتافيرس" Metaverse أبداً يوم الاثنين. ففي أكتوبر (تشرين الأول) الفائت، قال تيم كوك بأن الناس لا يعرفون حقاً ما هو عالم "ميتافيرس" الافتراضي [شبكة اجتماعية ضخمة من إنتاج شركة "ميتا" تتضمن مزيجاً من تكنولوجيا الواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزز (AR) والواقع المختلط (MR)]. وفي وقت لاحق من الشهر نفسه، وعد مدير التسويق في الشركة غريغ جوزويك بعدم استخدام ذلك المصطلح أبداً. ولكن مهما تجنبت "أبل" التلفظ بها خلال حفل الإطلاق، سيتردد صدى تلك الكلمة على العرض بأكمله كالشبح أو الطيف.
في وقت ما، ربما كان ذلك أمراً جيداً: لأشهر وجيزة من العام الفائت، كان الجميع يشيد بــ"ميتافيرس" على أنها المستقبل ويظهر قرار "ميتا" بإعادة تصميم وابتكار علامتها تماشياً مع كمية الاهتمام الذي حظيت به. ضج خبراء التكنولوجيا بشأن احتمال ابتكار عوالم افتراضية جديدة يمكن أن تصبح مأهولة بطرق تفاعلية وهذا الأمر يبدو حماسياً للغاية.
ولكن منذ ذلك الوقت، أعلن موت "ميتافيرس". لم يكن ذلك في قسمه الأكبر خطأ التكنولوجيا أو الفكرة، فهو أمر لم يتحقق بعد في الواقع، ولكن هو خطأ الترويج المتواصل للفكرة والافتقار إلى المادة المعروضة. فالتعلق بمفاهيم أخرى طنانة ومتهكمة ولا معنى لها كالرموز غير القابلة للاستبدال (NFT) و"ويب 3" (Web3) لم تساعد هذه المسائل.
ستحاول "أبل" إيجاد حل لإخبار الناس عن الفرص المهمة التي طرحتها "ميتافيرس" في بداياتها من دون أن تذكرهم بما أصبحت عليه منذ ذلك الوقت (أو التلفظ بكلمة ميتافيرس).
© The Independent