ملخص
اجتماع بلينكن بالمسؤولين السعوديين وعلى رأسهم الاجتماع مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، هو أكثر ما يشغل اهتمام واشنطن، وفقاً لصحيفة "واشنطن بوست"
تحظى زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن للسعودية التي تستمر ثلاثة أيام باهتمام واسع في الإعلام الأميركي ودوائر صنع القرار في واشنطن، فقد أصدرت الخارجية الأميركية بياناً شرحت فيه عمق العلاقات الاستراتيجية والأمنية التي تربط الولايات المتحدة بالسعودية منذ80 عاماً وحتى الآن، فيما تناولت الصحف ووسائل الإعلام تفاصيل الزيارة والتي تؤكد أن إدارة الرئيس جو بايدن حريصة على تحسين علاقاتها بالمملكة التي تُعد الوزن الثقيل في المنطقة، فيما يساورها بعض القلق من تزايد النفوذ الصيني في الخليج. كما تأمل الإدارة في أن يسهم مزيد من تقدم العلاقات الأميركية- السعودية في توسيع "اتفاقات أبراهام" بما يساعد على تحسين فرص بايدن الانتخابية، بينما يخوض معركة صعبة العام المقبل للاحتفاظ بمنصبه، على رغم تأكيد بلينكن والإدارة الأميركية على أن ليست لديهم أوهام بأن ذلك يمكن أن يحدث بسرعة أو بسهولة، فما الذي تراهن عليه واشنطن من زيارة وزير خارجيتها؟
أكبر من أن تفشل
تشير زيارة بلينكن إلى السعودية التي تأتي عقب حلول مستشار الأمن القومي جيك سوليفان في الرياض في مايو (أيار) الماضي، إلى أن العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية أكبر من أن تفشل، وهو ما يعكسه بوضوح البيان الصادر عن مكتب المتحدث باسم الوزارة يوم الاثنين الماضي، حين تحدث عن أن الولايات المتحدة تشترك في شراكة استراتيجية مع السعودية على مدى أكثر من80 عاماً، وأن واشنطن تواصل هذه الشراكة في القضايا السياسية والأمنية ومكافحة الإرهاب والاقتصاد والطاقة بناءً على الالتزامات التي تم التعهد بها في بيان جدة خلال زيارة الرئيس بايدن إلى السعودية في عام 2022.
وفي إيماءة أخرى على رؤية مستقبلية إيجابية نحو تعضيد هذه العلاقة، يلفت البيان الانتباه إلى أن الولايات المتحدة أكملت في السنوات الثلاث الماضية، منشآت دبلوماسية جديدة في جدة والظهران، وستبدأ بناء سفارة جديدة في الرياض، ضمن مشاريع تمثل الأساس المادي للعلاقة القوية والدائمة بين البلدين لعقود أخرى مقبلة.
تعاون أمني ودبلوماسي
لكن التعاون الأمني والدبلوماسي يمثل أهمية قصوى في هذه العلاقة الممتدة لضمان الاستقرار الإقليمي، فعلى الصعيد الأمني لا تزال السعودية هي أكبر مشتر للمبيعات العسكرية الأميركية ضمن شراكة مبنية على المصلحة المشتركة للحفاظ على الأمن في الخليج وردع أي قوة أجنبية أو إقليمية من تهديد المنطقة، وتلتزم الولايات المتحدة بدعم البنية الدفاعية والجوية والصاروخية للسعودية لتكون أكثر تكاملاً وترابطاً، لتواجه نشر الأنظمة الجوية غير المأهولة والصواريخ التابعة إلى الجهات غير الحكومية كالميليشيات التي تهدد السلام والأمن في المنطقة.
على الصعيد الدبلوماسي، تواصل الولايات المتحدة العمل مع السعودية لحل النزاعات الإقليمية والتعامل مع التحديات العالمية مثل السعي لإنهاء الصراع في السودان، والتفاوض على إعلان الالتزام بحماية المدنيين وتمكين المساعدة الإنسانية هناك، والتنسيق بين البلدين في دعم جهود السلام التي تقودها الأمم المتحدة في اليمن والتي أتاحت على مدى عام من خفض التصعيد إلى خلق فرصة للسلام، وفي أوكرانيا التي تدعمها الولايات المتحدة، رحبت واشنطن بالخطوات التي اتخذتها السعودية بالتعهد بتقديم400 مليون دولار كمساعدات لكييف، مع دعم قرارات الأمم المتحدة التي تدعو إلى إنهاء الحرب، فضلاً عن ترحيب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في اجتماع جامعة الدول العربية الأخير في جدة.
استفادة أميركية
لا تخفي الولايات المتحدة استفادتها من الاقتصاد السعودي المزدهر الذي نما بنسبة8.7 في المئة عام 2022، إذ وفر ذلك فرصاً وفيرة للشركات الأميركية التي تشارك المملكة في العديد من القطاعات، من الطاقة إلى الرعاية الصحية والترفيه، وفي مؤتمر التكنولوجيا الأخير في الرياض، أعلنت الشركات الأميركية عن استثمارات جديدة تزيد قيمتها على3.5 مليار دولار، بينما أكملت شركة بوينغ أخيراً صفقة كبيرة مع المملكة العربية السعودية تقدر قيمتها بنحو37 مليار دولار ما سيخلق أكثر من140 ألف وظيفة في الولايات المتحدة عبر أكثر من300 مورد لشركة بوينغ في38 ولاية.
على الصعيد التجاري حققت أميركا عام 2021، فائضاً مع السعودية في تجارة السلع والخدمات بقيمة6.4 مليار دولار، كما دعمت الصادرات الأميركية إلى السعودية أكثر من165 ألف وظيفة أميركية، فيما تحافظ شركات الطاقة والبتروكيماويات الأميركية على وجود مكثف في السوق السعودية وتتمتع بشراكات بمليارات الدولارات مع اثنتين من أكبر الشركات في السعودية وهما "أرامكو" و"سابك."
وعلاوةً على ذلك، وقع البلدان اتفاقات أخرى عام 2022 لتعزيز الطاقة النظيفة ومكافحة آثار تغير المناخ، بالتركيز على تطوير تقنيات الطاقة الشمسية، والهيدروجين الأخضر، والطاقة النووية، وغيرها من تقنيات الطاقة النظيفة، فيما يتواصل التعاون المشترك لإنشاء شبكات موثوقة وآمنة من الجيلين الخامس والسادس (5 جي و6 جي)، كما يستمر التعاون في مجال الفضاء بما في ذلك توقيع السعودية "اتفاقيات أرتميس" في عام 2022، فضلاً عن دعم العلاقات الثقافية والتعليمية والرياضية بين البلدين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ماذا يشغل واشنطن؟
وعلى رغم أن بلينكن يعقد خلال زيارته اجتماعين مهمين، أحدهما الاجتماع الوزاري لمجلس التعاون الخليجي- الأميركي لمناقشة تعزيز الأمن والاستقرار والتكامل الإقليمي والفرص الاقتصادية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، والثاني هو الاجتماع الوزاري للتحالف الدولي لهزيمة "داعش" لمواجهة تهديده المستمر وإعادة التأكيد على الالتزام بضمان هزيمتها الدائمة، إلا أن الاجتماع مع المسؤولين السعوديين وعلى رأسهم الاجتماع مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، هو أكثر ما يشغل اهتمام واشنطن، وفقاً لصحيفة "واشنطن بوست".
ولا يبدو أن إعلان السعودية، خفض إنتاج النفط بمقدار مليون برميل يومياً لمدة شهر بدءاً من يوليو لرفع أسعار النفط، سيكون مطروحا للنقاش في اجتماعات بلينكن مع إدراك الأميركيين أن موقفهم لن يغير من الواقع شيئاً، كما أنهم لا يرغبون في إثارة موضوع خلافي بينما يحاولون تأكيد العلاقة الاستراتيجية بين الجانبين، وذلك على خلاف الانزعاج الذي أبدته الإدارة الأميركية في السابق من خفض انتاج منسق للنفط في "أوبك+" خشية أن يؤدي إلى تفاقم التضخم العالمي في الوقت الذي يتجه فيه بايدن إلى عام الانتخابات.
لكن ما تشير إليه الصحف ووسائل الإعلام الأميركية، هو أن بلينكن يضع على رأس جدول أعماله وضع العلاقات مع إسرائيل، وذلك في سياق سعي الإدارة إلى البناء على اتفاقيات أبراهام، والتي شهدت في عام2020 إقامة علاقات بين إسرائيل مع كل من الإمارات والبحرين والمغرب، وهو ما أوضحه بلينكن في خطاب أمام لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك) في واشنطن، حين قال "إن للولايات المتحدة مصلحة أمنية وطنية حقيقية في تعزيز التطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية"، معرباً عن اعتقاده في إمكانية أن تلعب بلاده دوراً أساسياً في دفعه إلى الأمام.
رهانات أميركية
ومنذ رحلة الرئيس بايدن إلى السعودية في يوليو (تموز) 2022، قام عدد من كبار المسؤولين الأميركيين مثل بريت ماكغورك وعاموس هوكشتاين بعدة رحلات إلى المملكة، وسافر مستشار الأمن القومي جيك سوليفان إلى هناك في7 مايو (أيار) الماضي، في زيارة تهدف في جزء منها إلى تأمين التطبيع بين السعودية وإسرائيل، ومع ذلك قللت إدارة بايدن من التوقعات بحدوث انفراج وشيك في هذا الملف، كما أكد بلينكن أنه "ليست لدى الإدارة أوهام بأن ذلك يمكن أن يحدث بسرعة أو بسهولة"، لكن وزير الخارجية الأميركي يراهن على تحريك اتفاق سابق معلق بحيث يمكن السماح للمواطنين المسلمين من عرب إسرائيل بالقيام برحلات طيران مباشرة إلى مدينة مكة لأداء فريضة الحج.
وفي حين استبعدت مجلة "فورين بوليسي" إمكانية تحريك هذا الأمر لاعتبارات عدة، أشار موقع "مونيتور" الأميركي، إلى أن السعودية طلبت من الولايات المتحدة في سياق التعاون الاستراتيجي بين البلدين، ضمانات أمنية، وزيادة مبيعات الأسلحة، ودعم برنامج طاقة نووية مدني يتضمن تخصيب اليورانيوم داخل السعودية، وهو ما اعتبره ديفيد شينكر، المسؤول البارز في وزارة الخارجية لشؤون الشرق الأوسط خلال إدارة ترمب، والذي يعمل الآن في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، أنه "يعكس رغبة السعوديين في تحقيق فائدة استراتيجية واقتصادية لهم"، مشيراً إلى أن ذلك يتطلب دعماً من الكونغرس.
وتقول "فورين بوليسي" إنه ليس واضحاً ما هي الحاجة الملحة التي تدفع إدارة بايدن إلى توسيع اتفاقات أبراهام على رغم اعتقاد البعض أنها تريد إثبات أن لديها دوراً فريداً تلعبه في المنطقة عقب توسط الصين في تحقيق انفراج بين إيران والسعودية، كما أن التوسط في اتفاق تطبيع محتمل سعودي - إسرائيلي قد يكون مفيداً من الناحية السياسية لبايدن في الداخل الأميركي، بخاصة مع اقتراب عام الانتخابات، حيث من المحتمل بشكل كبير أن يواجه الرئيس السابق دونالد ترمب الذي يتفاخر بما قدمه لإسرائيل من خدمات خلال سنوات حكمه.
الصين الغائب الحاضر
وفي حين قللت إدارة بايدن من أهمية المخاوف الأميركية بشأن توسع نفوذ الصين في الخليج، إلا أنها تتخذ خطوات متسارعة لتعزيز علاقاتها مع السعودية، والتي تعتبرها قوة إقليمية مهمة موازنة لإيران، بينما تأمل في إزالة التحوط من الدور الأميركي المتضائل في المنطقة بعد اقتراب السعودية كبلد له وزن ثقيل في المنطقة من الصين والتي تعد أكبر شريك تجاري لها وأكبر مشترٍ للنفط السعودي، فضلاً عن وساطة بكين للتوصل إلى اتفاق لاستعادة العلاقات بين الرياض وطهران بعد سبع سنوات من الجمود.
وإضافة إلى ذلك، تجري الرياض محادثات للانضمام إلى ما يسمى كتلة "بريكس" للاقتصادات النامية التي تتكون حالياً من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، وهو أمر يثير قلق الولايات المتحدة التي تنظر لكتلة "بريكس" بقدر من الشكوك بسبب وجود الصين وروسيا فيها.
ومع كل المخاوف الأميركية من أن سعيها لتوسيع اتفاقات أبراهام أو تقليل النفوذ الصيني قد لا يثمر شيئاً، إلا أن واشنطن تدرك تماماً أهمية الدور السعودي في المنطقة، وأن المملكة أصبحت موجودة في كل مكان. وبحسب جون ألترمان، نائب رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، فإن "معظم الإدارات الأميركية تنتهي إلى محصلة مفادها أن السعودية شريك ضروري في المنطقة، وأن هناك عدداً من القضايا في الشرق الأوسط تكون أسهل بكثير إذا كان السعوديون يدعمون الإدارة الأميركية، بينما يكاد يكون الأمر مستحيلاً إذا كان السعوديون يدفعون ضدك".