ملخص
رافضو الظاهرة يرونها تشويهاً للسيارة ومؤيدوها يعتبرونها حرية شخصية ما لم تؤذ أحداً في الفضاء العام.
في المغرب وفي بلدان عربية عدة قد تمر أمامك سيارات أو شاحنات تلفت نظرك وتستفز ذهنك، ليس لأنها تنتمي إلى آخر "موديل" في المركبات، لكن لأنها تتزين بعبارات يضعها أصحابها على الزجاج الخلفي أو حتى الأمامي أو في أي جزء من هيكل المركبة، تتخذ أشكالاً من النصائح أو التوعية أو عبارات طريفة وأحياناً لاذعة وموجعة.
ولا يزال عديد من أصحاب السيارات والشاحنات يعمدون إلى تزيين مركباتهم بعبارات من تأليفهم تعكس أحياناً أمزجتهم وشخصياتهم، أو تحمل رسائل معينة يرغبون في توجيهها بطريقة ضمنية إلى آخرين، أو أنها تكون عبارة عن أمثال معروفة أو جمل سائرة، لكنها أحياناً قد تنطوي على إساءات أو لغة بذيئة.
نصائح على الطريق
وتنقسم الكتابات التي يزين بها السائقون خلفية سياراتهم وفي نوافذها أيضاً بين عبارات تسير في اتجاه المواعظ والأمثلة الشعبية الرائجة، وبين تحذيرات في مجال القيادة، وبين عبارات مثيرة للضحك أو أخرى مستفزة للغير.
ومن العبارات التي تتخذ شكل مواعظ وترتدي لباساً دينياً في الكتابات على زجاج السيارات عبارة من قبيل "هذا من فضل الله"، أو "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء"، أو "اللهم ارزقنا من فضلك" وغيرها.
وأما العبارات التي تحتوي على "نصائح عامة" فهي بدورها تجد لها طريقاً إلى تزيين زجاج السيارات، ومن أبرزها "سلامة الإنسان في حفظ اللسان"، التي يبدو أن كاتبها من مناصري الصمت مخافة الوقوع في مشكلات اجتماعية، أو عبارة "كن قنوعاً ولا تكن طماعاً"، أو عبارة "الثرثرة لا تسدد الديون"، وهي عبارة تقترب من المثل الإنجليزي المعروف "الثرثرة لا تسدد الضرائب".
تحذيرات وكتابات طريفة
وأما الكتابات التي تنطوي على تحذيرات بخصوص السلامة في الطريق، فهي شهيرة ومتكررة في أكثر من سيارة وشاحنة، من قبيل عبارة "في التأني السلامة وفي العجلة الندامة"، وأيضاً "أبي لا تسرع.. نحن ننتظرك"، و"السرعة تقتل" وغيرها من التحذيرات التي يبتغي أصحابها التأثير في السائقين ومستعملي الطريق الذين يرون تلك الكتابات معلقة في خلفية المركبات.
وهناك كتابات أيضاً تحتوي على طرائف ورسائل خاصة، من قبيل المثال الشعبي الذي يعلقه بعضهم في خلفية سياراتهم "الناس مع الناس والقرع مع مشيط الراس"، ومعناه أن هناك أشخاصاً أنانيين لا يرون إلا مصلحتهم مثل الأقرع الذي لا يأبه بالآخرين بل يبحث فقط عن كيف يمشط صلعته.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن العبارات الطريفة الأخرى التي يعلقها بعض أصحاب السيارات قول بالدارجة المغربية "كون كان الخوخ يداوي كون داوا راسو"، وتقال عن قليل الحيلة الذي لا يستطيع حتى نفع نفسه، أو عبارة "الحر بالغمزة والعبد بالدبزة"، وهو مثل دارج ينتقص من الشخص الغبي الذي لا يفهم إلا بالعصا.
وأحياناً يعلق بعض سائقي المركبات عبارات تتضمن سخرية أو تنقيصاً من الآخرين، من قبيل "اذكر الكلب وأحضر العصا"، وهو مثل متداول بصيغ مختلفة في بلدن عربية أخرى، أو عبارة "اللي ما يصول إلى اللحم يقول خانز"، ومعناها "الذي لا يصل إلى اللحم يستعذر بأن له رائحة كريهة".
مؤيدون ورافضون
وينقسم حيال تعليق سائقي المركبات المختلفة من سيارات وشاحنات ووسائل نقل أخرى لعبارات وكتابات متنوعة، بين مؤيد لهذا الظاهرة باعتبارها تعبيراً حراً عن آراء أصحابها، ورافض لها بمسوغات جمالية وأخلاقية أيضاً.
في السياق يقول عبد الكبير، سائق مهني منذ 15 سنة، إنه يرفض تعليق تلك العبارات الجاهزة أحياناً في خلفية السيارة، مثل "عين الحسود فيها عود" أو "قل ما شاء الله تبارك الله"، لأنها تظهر صاحب السيارة مهووساً وخائفاً من أثر العين والحسد.
وتابع السائق ذاته بأنه "حتى الآيات القرآنية أو الأدعية يجب عدم تعليقها، لأن المفترض أن تحظى بنوع من الاحترام والوقار وليس تعليقها في مركبة أو سيارة"، مردفاً أنه لا معنى لتلك العبارات التي تملأ الزجاج الخلفي للسيارة، التي قد تعوق حتى الرؤية السليمة للسائق.
ووفق المتحدث ذاته إذا كانت هذه الكتابات تدخل في إطار حرية التعبير، فإن لذلك مجالات أخرى غير تلطيخ السيارة بكتابات، خصوصاً تلك التي تشتمل على جمل نابية أو سخيفة بغاية الإضحاك"، مكملاً "إذا كانت بهدف التزيين فقط، فإن العكس هو الحاصل لكونها لا تعطي صورة جمالية عن السيارة".
بالمقابل يقول فاضيل، في عقده الثالث وسائق شاحنة، إن تزيين السيارات بكتابات من إبداع السائق، أو كتابات تباع عند محال تزيين السيارات، هو حرية شخصية لا يمكن التدخل فيها ما دام السائق لا يؤذي أحداً في الفضاء العام".
واسترسل المتحدث مدافعاً عن هذه الظاهر بالقول إنه يحب أن تعلق عبارات مكتوبة في بعض أجزاء هيكل شاحنته حتى يراها الآخرون سواء كانوا مارة أم سائقين، مضيفاً أنه "يشعر بأنه يبعث برسائل معينة عبارة عن حكم اجتماعية أو أقوال مأثورة للآخرين".
تنفيس أم تسلية
ويعلق المعالج والمحلل النفسي محمد قجدار على ظاهرة حرص عديد من أصحاب وسائقي السيارات على تزيين مركباتهم بكتابات مختلفة المعاني والمقاصد، بالقول إن وضع الكتابة على السيارات أشبه بظاهرة الكتابة على الجدران مع اختلاف الدوافع والحيثيات.
وأورد المحلل ذاته بأن "ظاهرة الكتابة على الجدران تلبي حاجة نفسية عند الذي يخط تلك العبارات أو الرسوم فوق الحيطان، وقد تكون الغاية رسالة ما يرغب في إيصالها ولم يجد منفذاً مناسباً لذلك، وكذلك الأمر بخصوص أصحاب السيارات الذين يزينون مركباتهم بعبارات يمكن تفسيرها بتفسيرات عدة".
التفسير الأول، وفق قجدار، يتمثل في تقمص السائق لشخصية الناصح والواعظ للآخرين بوضع مواعظ أو نصائح على زجاج السيارة، والثاني هو أن صاحب السيارة يهدف إلى بعث رسائل خاصة إلى "من يعنيهم الأمر"، إذ يعرفهم هو تحديداً وقد لا يعرفهم الآخرون من مستعملي الطريق.
وأما التفسير الثالث تبعاً لهذا المحلل فيكمن في نوع من "التنفيس النفسي" عن ضغوط الطريق والقيادة، والرابع هو أن "الباعث وراء تلك الكتابات مجرد هواية أو تسلية خاصة لا تتطلب كل هذه التأويلات".
وفي المغرب لا يوجد قانون محدد في مدونة قانون السير يمنع أو يعاقب على وضع كتابات وعبارات على زجاج السيارة أو المركبة، غير أنه يوجد قانون جديد يمنع مثلاً الزجاج المدخن الذي لا يكشف عمن بداخل السيارة، إذ يعاقب على ذلك بغرامة مالية.